عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-10-2008, 01:56 PM   #22
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخامس عشر: جدل الأنا والآخر: دراسة في تخليص الإبريز للطهطاوي

قدمه: حسن حنفي : أستاذ ورئيس قسم الفلسفة ـ جامعة القاهرة.

أولا: مقدمة، الموضوع والمنهج.

كانت الحضارة الإسلامية عبر التاريخ في علاقة مستمرة مع الحضارات المجاورة، اليونان والرومان غربا وفارس والهند شرقا، قبل الإسلام وبعده، بل إن إبداعات الحضارة الإسلامية هي نتيجة لهذا التفاعل بين الداخل والخارج، بين الموروث والوافد، بين النقل والعقل، بين علوم العرب وعلوم العجم، بين علوم الغايات وعلوم الوسائل، أو بلغة العصر بين الأنا والآخر.

في الفترة الأولى كان الآخر معلما والأنا العربية الإسلامية متعلما، وفي الفترة الثانية كانت الأنا العربية الإسلامية معلما، في حين كان الآخر متعلما، ثم جاءت الفترة الثالثة ليعود العربي المسلم متعلما على يد الآخر المعلم.

في شرح حسن حنفي وتعليقه على كتاب الطهطاوي (تخليص الإبريز) يحاول معاينة العربي لصورة (نفسه) في مرآة الآخر الغربي على لسان الطهطاوي.

ثانيا: الأنا إطار جغرافي للآخر.

رغم أن كتاب الطهطاوي كان المقصود منه وصف الآخر (باريس)، من منظور (متمركز) في القاهرة أو الإسكندرية، ليعمم الآخر الأوروبي على حالة أهل باريس، من منظار من يزعم أنه يمثل الشرق العربي أو حتى الإسلامي. فلا باريس كل فرنسا ولا فرنسا هي كل أوروبا، حيث أن في أوروبا أنماط مختلفة بما فيهم المسلمين في شرقها الذي كان منه جزء من الدولة العثمانية (آنذاك)، وكذلك ليس القاهرة هي كل العرب أو كل المسلمين، فهناك أنماط متعددة من الشرق، الذي سيضم بين ثناياه (الدولة العثمانية) بجزء أوروبي من جغرافيتها!

هذا النهج بدا جليا لا في كتابات الطهطاوي فحسب، بل سبقه إليها من هو أقدم منه، فظهرت بالتراث القديم من خلال كتابات السيوطي في كتابه (منتهى العقول) وكتابات أبي الفداء في كتابه ( تقويم البلدان، وكتابات حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) وكتابات الخوارزمي في كتابه ( غريب الإيضاح في غريب المقامات الحريرية) والمسعودي في كتابه (مروج الذهب). وكذلك فإن الكتاب الغربيين قد تناولوا الشرق بنفس الروحية وكان هذا واضحا في كتابات البارون دي ساسي في كتابه ( تاريخ الدول) الذي ترجمه للعربية ابن الكرديوس.

هذا النهج الذي اتبعه كتاب الشرق والغرب في نظرتهم للآخر أثر ولا يزال يؤثر في تحديد السلوك شعبيا ونخبويا لكل طرف تجاه الآخر. فلا زال المواطن والواعظ على المنابر ينظر للغرب على أساس أنه (غرب واحد)، فبلغاريا في نظر العربي لا تختلف كثيرا عن فرنسا أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران في نظر الغرب و الصهاينة هي كالمغرب والعراق و باكستان!

ثالثا: الأنا مرجع تاريخي للآخر

يضع الطهطاوي الأنا في مسار تاريخها الهجري، ويلحق مسار تاريخ الآخر قبل أن يحدث الاغتراب في الوعي العربي الإسلامي ويصبح مسار تاريخ الآخر هو المرجع التاريخي لمسار تاريخ الأنا، فهذا الطهطاوي نفسه يؤرخ لسفره لفرنسا: خرج الطهطاوي من مصر في 8 شعبان 1240هـ الموافق 1826م.

في حين كان العرب يؤرخون لاكتشاف أمريكا بخروجهم من الأندلس، وأرخوا فيما بعد عن الثورة التي حدثت في فرنسا بين أنصار الملكية وأنصار الجمهورية، فأرخوها مع الثورة الهمامية في صعيد مصر التي قادها شيخ العرب (همام) مع الفلاحين العرب ضد الدولة.

رابعا: الأنا والآخر في المرآة الاجتماعية

يتم وصف الأنا والآخر في مرآة الحياة الاجتماعية، وفق الحالة التي يتحدث بها الكاتب، فيكون الآخر منضبطا دقيقا ويكون الأنا منفلتا لا يحترم القوانين، وتكون النساء عند الآخر غير عفيفات بما فيه الكفاية وأزواجهن غيرتهم قليلة. ويكون الاختراع والعمل عند الآخر والكسل والخمول عند الأنا، ويكون البخل وعدم رغبة الآخر في مساعدة غيره، في حين يكون الكرم وحب المساعدة للغير عند العربي. وهكذا مئات بل آلاف الثنائيات التي استخدمت اجتماعيا ولا زالت.

خامسا: الأنا وتعريب الآخر

لما كان التقابل بين الأنا والآخر هو تقابل لغوي، بين اللغة العربية واللغة الفرنسية، فقد استطاعت الأنا تعريب الآخر أكثر مما استطاع الآخر فرنسة الأنا.

فعندما يتحدث الطهطاوي عن باريس يقول: هي كرسي أو تخت فرنسا (تمشيا مع استانبول تخت الدولة العثمانية)، ويقول عن القانون الفرنسي: الشريعة الفرنسية، ويتحدث أمر محتسب باريس الخبازين بصناعة الخبز. ثم إن أراد أن يتحدث عن مبتكرات لغوية لمسائل لم يعرفها الشرق العربي قال (الرسطراطورات) ويقصد المطاعم، وكذلك (الكرنوال) : اي الكرنفال. وقد سبقه العرب عندما عربوا الأمكنة حسب لسانهم فقالوا: قشتالة يعني كاستل.

سادسا: علوم الأنا وعلوم الآخر

لقد تفوقت الأنا في علوم الدين، في حين تفوق الآخر في علوم الدنيا، ويقول لقد كان سبب قوة الآخر هو العلوم الدنيوية فإن سبب ضعف الأنا هو ضياع هذه العلوم منها. لقد كان سبب استعمار الإفرنج لأمريكا قدرتهم على ركوب البحر ومعرفة قواعد علوم الفلك والجغرافيا وحبهم للسفر والطبيعيات بل أتقنوا ما وراء الطبيعيات وأقاموا البراهين على خلود الأرواح واستحقاق الدين والدنيا معا، وقد جهلنا الفنون أو العلوم العامة والخاصة معا.

وإذا كان الغرب قد فرق بين العلم والفن وأبدع في كليهما، فإننا وحدنا بينهما وتأخرنا فيهما. وإذا كان الغرب قد برع في العلوم الرياضية والطبيعية ولم يهتد الى طريق النجاة في الآخرة، فإننا قد برعنا في العلوم الدينية ولم نهتد الى طريق الصلاح في الدنيا.

سابعا: من أدب الرحلات الى علم الاستغراب

ينتهي الأستاذ حسن حنفي مناقشة كتاب رفاعة الطهطاوي (تخليص الإبريز)، بأنه لا يعدو مستوى أدب الرحلات، فهو إسقاطات شخصية على مسائل عامة كبرى، فيقيس الجزء ويسقطه على العام دون برهان ثابت ومطلع. وهذا النوع من الفكر يصلح للتوجه للعامة لا للمختصين. ثم لا يخفي الطهطاوي انبهاره بالغرب وحضارته، فيتحول من رحالة الى مبشر بتقليد الغرب في كثير من الأمكنة في كتابه.

الموضوع أوسع بكثير مما لخصته فيه وأخشى أن يكون تلخيصي يشوه روعة المادة .. اقتضى التنويه
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس