عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-08-2009, 07:40 PM   #31
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
و جاءت غزوة أحد …
و التقى الجيشان .. و توسط " حمزة " أرض الموت و القتال ، مرتدياً لباس الحرب .. و على صدره ريشة النعام التي تعود أن يزين بها صدره في القتال …و راح يصول و يجول ، لا يريد رأساً ، إلا قطعه بسيفه ، و مضى يضرب في المشركين ، و كأن المنايا طوع أمره ، يقذف بها من يشاء فتصيبه في صميمه ..‍‍وصال المسلمون جميعاً حتى قاربوا النصر الحاسم و حتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة ..و لولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل و نزلوا إلى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم .. لولا تركهم مكانهم و فتحهم الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلَّها : رجالها ..و نسائها ..بل و خيلها ..و إبلها ..
لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة ، و أعملوا فيهم الظامئة المجنونة .. وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديد ، و يحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد
و ضعه حين رأى جيش قريش ينسحب و يولي الأدبار .. و لكن المفاجأة كانت قاسية و عنيفة .و رأى " حمزة " ما حدث فضاعف قوته و نشاطه و بلاءه ..و أخذ يضرب عن يمينه و شماله …و بين يديه و من خلفه … و " وحشي " هناك يرقبه ، و يتحين الفرصة الغادرة ليوجه نحوه ضربته .. و لندع " وحشياً " يصف لنا المشهد بكلماته :
[…و كنت رجلاً حبشياً ، أقذف بالحربة قذف الحبشة ، فقلما أخطئ بها شيئاً …فلما التقى الناس خرجت أنظر " حمزة " وأتَبَصَّرُه حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورَق .. يَهُدُّ الناس َ بسيفه هَدّاً ، ما يقف أمامه شيء .. "فوالله إني لأَتَهَيَّأ له – أريده ، وأستتر منه بشجرة لِأَتَقَحَّمَهُ أو لِيدنو مني ، إذ تقدَّمني إليه "سباع بن عبد العزَّى ".فلما رآه
حمزة صاح به : هلُمَّ إليَّ يا ابن مقطِّعَة البظور . ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه…
" عندئذ هززت حربتي ، حتى إذا رضيت منها دفعتها فوقعت في ثنَّتِه حتى خرجت من بين رجليه .. ونهض نحوي ، فغُلِب على أمره ثم مات …
" وآتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى المعسكر فقعدت فيه ، إذ لم يكن لي فيه حاجة –فقد قتلته لأُعتَق ..] ولا بأس في أن ندع " وحشياً يكمل حديثه:[ فلما قدمت مكة أُعتقت ، ثم أقمت بها حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح فهربت إلى الطائف .." فلما خرج وفدٌ من الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليُسلم تعيَّت عليَّ المذاهب . وقلت : ألحَق بالشام ، أو اليمن ، أو سواها …
" فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل : ويحك … إن رسول الله ، واللهِ لا يقتل أحداً من الناس يدخل دينه … " فخرجت حتى قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلم يرني إلا قائماً أمامه أشهد شهادة الحق . فلما رآني قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أوحشيٌّ قلت : نعم يا رسول الله .. قال: فحدِّثني كيف قتلت حمزة ، فحدثته … فلما فرغت من حديثي قال : ويحك .. غيِّب عني وجهك .. فكنتُ أتنكَّب طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث كان ؛ لئلا يراني حتى قبضه الله إليه .. " فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذَّاب صاحب اليمامة خرجت معه و أخذت حربتي التي قتلت بها حمزة … فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذَّاب قائماً بيده السيف ، فتهيَّأت له ، وهززت حربتي ، حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه …
" فإن كنت قد قتلتُ بحربتي هذه خير الناس وهو حمزة … فإني لأرجو أن يغفر الله لي إذ قتلت بها شرَّ الناس مسيلمة "
* * *
هكذا سقط أسد الله وأسد رسوله، شهيداً مجيداً…‍‍
وكما كانت حياته مُدَوِّيةً ، كانت موتته مُدَوِّيةً كذلك ..
فلم يكتف أعداؤه بمقتله .. وكيف يكتفون أو يقنعون ، وهم الذين جنَّدوا كل أموال قريش وكل رجالها في هذه المعركة التي لم يريدوا بها سوى الرسول وعمه حمزة …
لقد أمرت "هند بنت عتبة " زوجة أبي سفيان .. أمرت وحشيَّاً أن يأتيها بكبد حمزة ..واستجاب الحبشيُ لهذه الرغبة المسعورة .. وعندما عاد بها إلى هند كان يناولها الكبد بيمناه ، ويتلقى منها قرطها و قلائدها بيسراه ، مكافأة له على إنجاز مهمته ..
ومضغت هند بنت عتبة الذي صرعه المسلمون ببدر ، وزوجة أبي سفيان قائد جيش الشرك والوثنية .. مضغت كبد حمزة ، راجيةً أن تشفي تلك الحماقة حقدها وغلَّها ، ولكن الكبد استعصت على أنيابها ، وأعجزتها أن تُسيغَها ، فأخرجتها من فمها ، ثم علت صخرةً مرتفعة ، و راحت تصرخ قائلة :

نحنُ جَزينـــــاكم بيوم بَدرِ
والحربُ بعد الحربِ ذات سُعرِ
ما كان عن عُتبةَ لي من صبر
ولا أخي ، وعمِّه ، وَبكري
شَفَيتُ نفسي وقَضَيتُ نَذري
أزاح وَحشيُّ غَليلَ صدري

وانتهت المعركة ، وامتطى المشركون إبلهم ، وساقوا خيلهم قافلين إلى مكة .. ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه معه إلى أرض المعركة لينظر شهداءها ..وهناك في بطن الوادي ، وإذ هو يتفحّص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم ،
وقدَّموها قرابين مبرورة لربهم الكبير ، وقف فجأة …ونظر ، فوجم ..وضغط على أسنانه ..وأسبل جفنيه..فما كان يتصور قط أن يهبط الخلق العربي إلى هذه الوحشية البشعة .فيُمَثلَ بجثمان ميت على الصورة التي رأى فيها جثمان عمه الشهيد المجيد " حمزة بن عبد المطلب " أسد الله ..وسيد الشهداء ..وفتح الرسول عينيه التي تألق بريقهما كوَمضِ القدَر
وقال وعيناه على جثمان عمه :[لن أُصابَ بمثلك أبداً.. وما وقفتُ موقفاً قط أغيظ إلي من مَوقِفي هذا..] ثم التفت إلى أصحابه وقال :
[لولا أن تحزن صفيَّة- أخت حمزة – ويكون سُنَّة من بعدي ، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير .. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن ، لاُمَثِّلنَّ بثلاثين رجلاً منهم..] فصاح أصحاب الرسول :
[ واللهِ، لئن أظفرنا اللهُ بهم يوماً من الدهر ، لَنُمَثِّلنَّ بهم ، مُثلًةً لم يُمثِّلها أحدٌ من العرب ..‍]ولكن الله الذي أكرم " حمزة " بالشهادة ، يكرمه مرة أخرى بأن يجعل من مصرعه فرصة لدرس عظيم يحمي العدالة إلى الأبد ، ويجعل الرحمة حتى في العقوبة والقصاص واجباً وفرضاً ..
وهكذا لم يكد رسول الله صلى الله عليه و سلم يفرغ من إلقاء وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه لم يبرحه بهذه الآيات الكريمة :
[ ادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجَادِلهم بالتي هي أَحسن ، إنَّ رَبَّك هو أعلمُ بِمَن ضَلَّ عن سبيله ، وهو أعلَمُ بالمهتدين ..
وإن عَاقَبتُم فعَاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقبتُم به ، ولئن صَبَرتُم لَهُوَ خيرٌ للصابرين ..
وَاصبِر ، وما صبرُك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ، ولا تكُ في ضيق مِمَّا يمكرون ..
إنَّ الله مع الذين اتقَوا ، والذين هُم مُحسِنون ..]
وكان نزول هذه الآيات ، في هذا الموطن ، خير تكريم لحمزة الذي وقع أجره على الله..
* * *
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه أعظم الحب ، فهو كما ذكرنا من قبل لم يكن عمَّه الحبيب فحسب ..
بل كان أخاه من الرضاعة …
وتِربَه في الطفولة …
وصديق العمر كله …
وفي لحظات الوداع هذه ،لم يجد رسول الله صلى الله عليه و سلم تحيَّةً يودعه بها خيراً من أن يصلِّي عليه بعدد شهداء المعركة جميعاً ..
وهكذا حمل جثمان " حمزة " إلى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءَه ، واحتضنت دماءه ..فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، ثم جيء بشهيد آخر ،فصلى عليه الرسول ..ثم رُفع وَتُرِك حمزة مكانه ، وجيء بشهيد ثالث فوضع إلى جوار حمزة وصلى عليهما الرسول … وهكذا جيء بالشهداء … شهيد بعد شهيد …و رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي على كل منهم وعلى حمزة معه حتى صلى على عمِّه يومئذ سبعين صلاة…
* * *
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس