عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-03-2010, 08:49 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أخي العزيز صلاح الدين القاسمي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم أختلف مع صاحب المقالة، بل كُنت أود التنبيه على إطلاق العموميات التي اتسم بها الخطاب الفكري أو الخطابات الفكرية التي ظهرت في منطقتنا منذ أكثر من قرنين، فهي تقفز بشكل لا إرادي عن جزئيات، هي اعتبرتها كذلك، في حين أن تلك الجزئيات تصلح أن تكون ركائز يتوجب على المفكر والمنظر وحتى المثقف أن لا يتجاوزها منتقلاً لعموميات يستعدي بهذا القفز شرائح واسعة، بمجرد اطلاعهم على (نول) تفكيره.

إن خطابات الفكر السياسي والدعووي العربي والإسلامي، عجزت خلال قرنين أن ترسم خط بداية الانطلاق للحاق بالأمم والشعوب. فما أن يظهر هناك خطابٌ يجتهد صاحبه أو أصحابه في رسم خطوطه، حتى يرافقه خطابٌ آخر يدعو للعودة الى النهج الإسلامي في الحلول، وكأن هناك نهج إسلامي واحد يعني بالشأن السياسي، محفوظة نسخته في مكان واحد يعرف عنوانه الجميع وما عليهم إلا أن يعلنوا إرادتهم في الذهاب الى ذلك العنوان لاستخراج نسخته وتطبيقها.

الأمر ليس كذلك، فالصورة المثالية التي يتمناها أصحابها عن دولة إسلامية متكاملة الشروط، غير موجودة، ولن تكون موجودة، لاختلاف شروط أسس الدولة وتغيرها المستمر بالتغير الحضاري وتغير الظروف الموضوعية والذاتية. حتى في العهد الراشدي لم يكن هناك تطابق في انتقال الرئاسة أو الأمارة بين الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم. ولم تكن في النهج الأموي مشابهة للنهج الراشدي قبلها ولا النهج العباسي بعدها، وهذا أمر طبيعي لا يجوز أن ننتقص من قيمة تطوره في وقته، كما لا يجوز الاستمرار في الدعوة للرجوع إليه دون معرفة خط البداية الملائم لراهننا.

إن مفهوم الأمة، لدينا مفهوم مرتبك جداً، ولم تشكُ منه الأمم كما نشكو منه نحن، فقد حُلت تلك المعضلة في الهند والصين ودول أوروبا، رغم زيادة تعدد مكونات كل منها بما يفوق تعدده عندنا. ولا زلنا نطلق الأمة على أشكال متعددة وهائمة، فأحياناً نقول أنها أمة المليار ونصف، متجاوزين خصوصيات المسلمين في الهند ونيجيريا وإيران وغيرها. وأحياناً نطلقها على الأردن والكويت، ألا يقال فيهما (مجلس الأمة الأردني ومجلس الأمة الكويتي)؟ .

إن العودة الى تعريف المواطنة في كل بقعة من بقاع بلادنا، وإعطاء المواطن حقه في العيش والتنافس الشريف على إبراز خصوصيته وحقه في تبوء مواقع الرياسة على كل المستويات، سيجعل هؤلاء المواطنين للتفكير الجدي في استحداث أشكال للتنسيق الحتمي بين جيرانهم المتشابهين معهم في الثقافة والأحلام والآلام.

ومنطقتنا هذه قابلة لمثل هذا التطور الحتمي. فنجد في بلاد المغرب أسماء (العراقي والشامي) ونجد في بلاد المشرق، (فلان المغربي وفلان السوداني)، كما أن منهل الثقافة وأدواته المشتركة، ستسهل مهمة الجادين في صياغة ما يصبون إليه.

ليس للعربي فرصة في الثبات بين الأمم دون التكاتف مع الأمازيغي والكردي وكل من يعيش على تراب هذه المنطقة منذ مئات بل آلاف السنين. وبنفس الوقت لن يجد الكردي ولا الأمازيغي حليفاً ومعاضداً أقرب له من العربي، عندما تكتمل شروط المهمة المقبلة.

ومن أبرز تلك الشروط، أن تُترك فكرة القيادة على ضوء إمكانيات من يقدمه الآخرون عليهم. فإن كان مجال تلك القيادة في النهج العسكري مثلاً، فظروف المعركة تصنع قياداتها، ألم يرضى العرب وغيرهم من المسلمين بتقديم طارق بن زياد أو صلاح الدين أو بيبرس أو قطز أو محمد الفاتح؟ كذلك في مجالات العلوم والفلسفة ألم يفخر العرب وغيرهم بأولاد موسى بن شاكر، وثابت ابن قرة (الصابئيين)، أو الفارابي والبيروني وغيرهم؟

إن الحاضنة الطيبة التي تخلو من الاستعلاء، ستفرخ قادتها ورموزها، ولطالما أن العلوم الإنسانية وتقدم الأمم يخضع للنظرية العلمية بركائزها الثلاث (العمومية والحتمية والوضعية) فإن فرصنا لا تعتبر فرصاً خيالية ومستحيلة الحدوث.

طابت أيامكم وأوقاتكم
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس