عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-04-2024, 07:48 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,003
إفتراضي نظرات في مقال فتى الفقاعة: ولد ليعيش "سجينا" في فقاعة

نظرات في مقال فتى الفقاعة: ولد ليعيش "سجينا" في فقاعة
صاحب المقال نوار السورى وهو يدور حول طفل ولد ولديه مرض غريب يمكن أن يؤدى لوفاته إذا لم يكن لديه غرفة محكمة الاغلاق معقمة فأى جرثومة أو بكتريا ستفقده حياته بعد ساعات قليلة كما زعموا
ومن أجل ذلك اخترعوا فقاعة أو حجرة بلاستيكية يتم تعقيمها باستمرار وهكذا عاش الطفل في تلك الفقاعة سنوات دون أن يلمس أحد أو يلامسه أحد من أقاربه وعندما كبر تم تصغير الفقاعة لتكون محيطة برأسه
استهل نوار مقاله بأسئلة ليبين مدى معاناة الطفل ووالديه فقال :
"قصة مؤثرة لفتى حكم عليه ان يعيش حبيسا فور ولادته
الحرية مفهومها عميقٌ ومتعدّد الجوانب، لكنّي سأتحدّث عن أبسط أشكالها وهي العيش حرّاً على تماسٍ مباشرٍ مع الطبيعة ومع كلِّ ما يحيط بك، وأنا أقصد حرفيّاً ما قلته.
هل تتخيَّل نفسك ترى والديك دون أن تلمسهما؟
يأتي العيد ولا تنال قبلة حنانٍ منهما؟ تخرج للطبيعة ترى الورد دون أن تشمّه؟ ترى العشب لا تعرف ملمسه الذي يدغدغ البشرة ولا تتعرَّض لأشعة الشمس وتقفز هائماً تطارد الفراشات وتلاحق الطيور؟
لأن فعل أيٍّ من هذه الأمور يُعرّض حياتك للخطر، وأي حياةٍ هذه التي تعيشها وأنت ترى العالم من خلال فقاعة! حاجزٌ شفّاف يمنعك، يقيِّد من حريّتك ويجعل عالمك محدوداً جدّاً. يقال أن فكرة العيش في فقاعة غزت الأفلام والرسوم المتحرّكة متناسين أصلها الحقيقي الذي يتمثَّل بما حدث بالفعل مع الطفل "ديفيد فيتر"، الفتى الذي أودُّ أن أسرد قصَّته عليكم."
القصة كاملة
ديفيد جي وزوجته كارول"ديفيد جي " و" كارول آن " زوجين أمريكيين من ولاية تكساس، رزقا بطفلة اسمها كاثرين، صحيحة البدن، ومن ثم رزقا بطفلٍ آخر توفَّي بسبب خللٍ بالغدَّة الصعترية الذي يؤدَّي إلى مرضٍ خطيرٍ جداً يدعى بـ نقص المناعة المركب الشديد " scid " وهذا يعني أن الجسد لا يمتلك أدنى قوَّة مناعيَّة تقيه من أبسط الأمراض، وهو مرض وراثي
بعد أن توفّي لهما هذا الطفل أعدَّا نفسيهما لاحتمالية إصابة الطفل الآخر به، فقد أخبرهما الأطباء أن نسبة ولادة أطفال لهما يحملون هذه المرض هي 50%، لذلك تمَّت ولادة ديفيد ضمن أجواء معقَّمة جدَّاً خالية من أي جراثيم أو تلوّث، إلى أن يتأكد الأطباء من وضعه الصحي، وللأسف تبيَّن لهم أنه هو الآخر مصاب بهذا المرض، لذا تم وضعه فوراً في غرفة بلاستيكيَّة عازلة تقيه وصول أي مكروبٍ أو جرثومة ممكن أن تؤذيه بعد ثواني فقط على ولادته .. وكان ديفيد قد وُلِد في الواحد والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 1971.
تم حبسه في غرفة بلاستيكية معقمة فور ولادته
في ذلك الوقت لم يكن هنالك حلٌّ سوى زراعة نقي عظام له قد يؤدّي إلى شفائه، وتمَّ التّعويل على أخته كاثرين في نجاح هذه العملية، فهي كانت المتبرِّعة بنقي العظام، لكن للأسف لم تتطابق أنسجتها مع أنسجته، وبانتظار وجود متبرع ملائم أو اكتشاف علاجٍ لمرضه حُكِم على الطفل ديفيد أن يعيش الحياة بفقاعةٍ بلاستيكية وبشتّى أنواع الأجهزة والمطهِّرات والمعقِّمات .. حياةٌ لا أعرف كيف أصفها، بالنسبة لي الموت أرحم منها.
فتح الطفل المسكين عينيه على الحياة وكلُّ شيءٍ يصل إليه يمر بعدَّة مراحل وساعات من التعقيم والتطهير، من أكلٍ ولبسٍ وحفَّاضات وغيرها، حتى الهواء كان يتم تعقيمه عبر مضخّة، كان الاتصال المباشر به يتم عن طريق ارتداء قفازاتٍ خاصة، عندما كبر قليلاً وأصبح في عمر الثالثة حاول الأطباء جلب ألعابٍ لتسليته وإدخالها في غرفته - طبعاً لا داعي للقول بأنها معقمة - كان تعامل ديفيد مع هذه الألعاب صعباً لذا اضطرَّت طبيبته النفسية أن تتحايل عليه ليتأقلم مع وجودها، بصراحة له العذر في ذلك، طفلٌ ينشأ وسط هذا الجو الشاذ ما الذي ننتظره منه؟!
اي تواصل خارجي يتم عن طريق القفازات
فيما بعد تم السماح لوالديه - تحت إشراف ورعاية طبية ملازمة - أن ينقلاه بفقاعته هذه وغرفته التي كانت أشبه بالشر ذنقة إلى منزلهما، وذلك ليعيش حياته بين أهله وليلعب مع أخته، وقد وافق الأطباء على إدخال جهاز تلفازٍ صغيرٍ إلى غرفته ليتسلَّى بمشاهدة الأفلام والرسوم المتحرِّكة التي كان يحبّها كثيراً .. ومرّة سُمِح له بالذهاب إلى السينما مع أصدقائه وتمَّ نقله هناك عن طريق الفقاعة الشفّافة التي تحيط برأسه والتي كانت تُستخدم عند نقله من وإلى المشفى .. يعني باختصار حرص والداه والجميع قدر الإمكان أن ينشأ ديفيد ضمن حياةٍ قريبة للطبيعية.
كانت الفقاعة هي كل حياته لكن الطفل لن يبقى طفلاً للأبد، ولابدَّ أن يأتي الوقت الذي يعي فيه ديفيد مرضه وخطورته، حانت هذه الساعة عندما جرَّب ثقب فقاعته عن طريق حقنة نُسيَت معه بالخطأ، فسارع الطبيب إلى إخباره عن الجراثيم ومدى خطورتها على حياته، الأمر الذي شكَّل صدمة له وبات هوسه هذا الوحش المسمى جرثومة .. باح لطبيبته النفسية بكلام مؤثّر حين قال:
كلُّ شيءٍ يُفرَض علي، الغير من يحدِّد عليَّ ما أفعله وما لا أفعله، لماذا تهتمون بي وتدرّسونني وتعلمونني القراءة وتُتعِبون أنفسكم إذا كان هذا كلَّه بلا فائدة؟
لقد أدرك الطفل في عمر الخامسة حالته تماماً وهذا ما جعل نفسيَّته متعبة وتصرّفاته غير مستقرة، فالطبيعة البشرية المجبولة على حبِّ التواصل مع الناس والانطلاق بحريّة وأن تكون سيد نفسك لا تتفق أبداً مع حبسك ضمن عالم لا يتجاوز حدوده بضعة أمتار!
الجهاز الذي صنعته ناسا خصيصا للفتى ليتمكن من الخروج
نالت حالة الطفل ديفيد تعاطفاً كبيراً مع الرأي العام بعد أن صوَّرت الصحافة هذا الطفل وشرنقته وتحدَّثت عن حالته، كما أنه نال دعماً كبيراً من الحكومة لمتابعة وضعه الصحّي، وفي عام 1977 صنع باحثون في وكالة ناسا بدلة فضاءٍ مطوًّرة خصّيصاً من أجله، وقد كلَّفت مبلغاً وصل لـ 50000 دولار أمريكي، وذلك من أجل جعله يتمكَّن من الخروج من غرفته البلاستيكية والتواصل الشبه مباشر مع الناس والعالم الخارجي، كانت هذه البدلة مرتبطة بفقاعة تحيط برأسه يتدلى منها أنبوب قماشي طوله تقريباً متران ونصف وذلك من أجل ضمان سلامته وعدم تعرُّضه للتلوّث .. ومع ذلك لم يكن مسموح له ارتداؤها سوى بضع ساعات في اليوم.
حتى امه لم يكن باستطاعتها ان تتواصل معه الا من خلف حاجز الفقاعة كان من الصعب على ديفيد في البداية أن يتأقلم مع هذه البدلة، وقد استخدمها عدَّة مرات وخرج إلى العالم ولعب مع الأطفال .. لكنه كلَّما تقدّم في السن كان قلق الأطباء نحوه يزداد، فحالته بدت ميؤوس منها وتصرّفاته بدت عدوانيّة تعبيراً عن رفضه لوضعه، ومع سيره نحو عمر المراهقة باتوا يتوقَّعون الأسوأ .. حتى أنَّ الحكومة قرَّرت تخفيض الدعم المقدم له بعد أن رؤوا ألّا نتيجة لتعبهم، وكانوا قد صرفوا عليه قرابة الـ 1.3 مليون دولار، حتى تعاطف الرأي العام معه كان قد انخفض.
وعندما بلغ من العمر اثني عشر سنة، أي في العام 1983 وبعد انتظار متبرّعٍ تتطابق أنسجته مع أنسجة ديفيد تم التوصّل إلى إمكانيّة زرع نقي عظام من أنسجة غير متطابقة، فوافق الوالدان على إجراء هذه العمليَّة له وكانت المتبرِّعة شقيقته كاثرين بالطبع.
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس