الملك عبدالعزيز والمؤلفة قلوبهم
الملك عبدالعزيز بعلمه بالشرع يعطي السادة المطاعين في عشائرهم أو مجتمعاتهم من الزكاة والصدقات وبيت المال يتألفهم في ذلك ومن حق وصلاحية ولي أمر المسلمين إعطاء رؤوس العشائر وضعيفي الإيمان وإعطاء الكفار من الزكاة أو الصدقات وهذا معلوم بالشرع ولكن البعض يجهل ذلك لأن إعطاءهم من المال هدفه تأليف قلوبهم للإسلام أوكف شرهم عن المسلمين مما يعود على الإسلام والمسلمين بالمصلحة لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة لنا ألف قلوب الكفار بالعطاء من المال حتى أسلموا كما قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم} ( 1)، "وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام، والحارث بن كلده، وسهيل بن عمرو، وجبير بن مطعم، ومالك بن عوف، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل"(2 ) ولما غضبت قريش والأنصار فقالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني إنما فعلت ذلك لتأليفهم)) (3)
وزماننا الآن بحاجة إلى تأليف بعض الحكومات الكافرة حتى تعتني بالمسلمين الموجودين عندهم وتحافظ عليهم وتعطيهم حقوقهم وحريتهم وتحترمهم ويكون لهم اعتبار عندهم وحتى تعلم الدول الكافرة أن الإسلام دين المحبة والمودة والرحمة والتعاون والتعاطف وأنه يعتني بالحقوق الإنسانية واحترامها وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر ومسلم فالكافر إما أن يرجى بعطيته منفعة كإسلامه أو دفع مضرته إذا لم يندفع إلا بذلك والمسلم المطاع يرجى بعطيته المنفعة أيضاً لحسن إسلامه أو إسلام نظيره أو كف ضرره عن المسلمين إذا لم ينكف إلا بذلك"(4).
وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رأى شيخاً ضريراً يهودياً يمد يده إلى الناس، ويطلب منهم المساعدة قال له عمر: ما ألجأك إلى ما أرى، قال اليهودي: فرضتم على الجزية وأنا كبير السن فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فأعطاه مالاً وأمر بإسقاط الجزية عنه وقال عمر: والله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم وأسقط الجزية عن كل يهودي كبير في السن"(5 ).
وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتألف عبد الله بن أبي ابن سلول وهو رأس المنافقين وهو من الذين رموا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالفاحشة فبرأها الله تعالى ولم يقم عليه حد القذف وترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته، وتأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام لأنه كان مطاعاً فيهم رئيساً عليهم ولو أقام الحد عليه لصارت فتنة فتركه للمصلحة(6 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) سورة التوبة (الآية:60).
(2 ) البداية والنهاية لابن كثير (4/359-360).
(3 ) متفق عليه.
(4 ) الفتاوى لابن تيمية (28/290).
(5 ) مجموعة العبقريات للعقاد (3/45).
(6 ) زاد المعاد لابن القيم الجوزية (3/264).