عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-12-2020, 09:04 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,982
إفتراضي نقد كتاب حسن التفهم والدرك لمسألة الترك


نقد كتاب حسن التفهم والدرك لمسألة الترك
الكتاب من تأليف عبدالله بن الصديق الغماري الحسني وهو من أهل العصر وسبب التأليف كما ذكر أن تلميذ له طلب منه بيان مسألة الترك وفى هذا قال فى المقدمة:
"أما بعد:
فقد طلب مني تلميذنا الفاضل الأستاذ محمود سعيد أن أحرر رسالة في مسألة الترك, تزيل عن قارئها كل حيرة وشك وذكر أنه وجد في (إتقان الصنعة) إشارة إليها موجزة, فأجبت طلبه وأسعفت رغبته, وكتبت هذا المؤلف محررا ليكون قارئه في ميدان الاستدلال على بصيرة من أمره, ويعرف الدليل المقبول من غيره, والله الموفق والهادي وعليه اعتمادي"
وقد استهل الغمارى الكتاب بمقدمة فى أدلة الأحكام وأنواع الأحكام وهو كلام ليس له ضرورة لأنه لا يتناول المسألة فقال:
"المقدمة:
الأدلة التي احتج بها أئمة المسلمين جميعا هي:
الكتاب والسنة –لا خلاف بينهم في ذلك-وإنما اختلفوا في الإجماع والقياس؛ فالجمهور احتج بهما وهو الراجح لوجوه مقررة في علم الأصول, وتوجد أدلة مختلف فيها بين الأئمة الأربعة وهي الحديث المرسل وقول الصحابي, وشرع من قبلنا ,والاستصحاب ,والاستحسان وعمل أهل المدينة والكلام عليها مبسوط في كتاب الاستدلال من جمع الجوامع للسبكي
ماهو الحكم الشرعي؟
الحكم هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف, وأنواعه خمسة:
1 - الواجب أو الفرض: وهو مايثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل الصلاة والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين
2 - الحرام: وهو ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه ,مثل الربا والزنا والعقوق والخمر
3 - المندوب: وهو مايثاب فاعله ولا يعاقب تاركه, مثل نوافل الصلاة
4 - المكروه: وهوما يثاب تاركه ولا عقاب على فاعله, مثل صلاة النافلة بعد صلاة الصبح أو العصر
5 - المباح أو الحلال: وهو ماليس في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب مثل أكل الطيبات والتجارة
فهذه أنواع الحكم التي يدور عليها الفقه الإسلامي, ولا يجوز لمجتهد صحابيا كان أو غيره أن يصدر حكما من هذه الأحكام إلا بدليل من الأدلة السابقة, وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى بيان"
وبعد ذلك تناول الغمارى تعريف أو معنى الترك فقال:
"ماهو الترك؟
نقصد بالترك الذي ألفنا هذه الرسالة لبيانه:
أن يترك النبي (ص)شيئا لم يفعله أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك الشيء المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته
وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمها ,وأفرط في استعماله بعض المتنطعين المتزمتين ورأيت ابن تيمية استدل به واعتمده في مواضع سيأتي الكلام على بعضها بحول الله"
أولا هذا التعريف خاطىء لأنه لا يوجد شىء فى الشرع ليس فيه نص لقوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
والأفضل فى تعريفه هو عمل لم يعمل به النبى(ص)أو المسلمون نظرا لعدم وجود ظروف تحققه فمثلا الطلاق يقال ان النبى(ص) لم يفعله لأن الظروف لم تجعله يطلق أيا من زوجاته ومثلا لم يصطد النبى(ص) شىء مع أن الصيد فيه حلال وحرام فليس معنى أنه لم يفعله أن حلال أو حرام لأن المناط هو النص وليس فعل النبى(ص)أو عدم فعله
ومن ثم فمناط الحلال والحرام هو النصوص وليس عمل النبى(ص) أو تركه لأنه ارتكب ذنوبا كما فى قوله تعالى "واستغفر لذنبك"ومنها عملا وتركا
ثم بين الغمارى أنواع الترك فقال:
"أنواع الترك:
إذا ترك النبي (ص)شيئا فيحتمل وجوها غير التحريم:
1 - أن يكون تركه عادة: قدم إليه (ص)ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل: إنه ضب, فأمسك عنه ,فسئل: أحرام هو؟ فقال:لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه! والحديث في الصحيحين وهو يدل على أمرين:
أحدهما: أن تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه
والآخر: أن استقذار الشيء لا يدل على تحريمه أيضا"
الرواية أساسا مخالفة للقرآن فالصيد البرى حلال لمن جاع فى السفر ولم يجد شىء يأكله إلا عن طريق الصيد والطعام المحلل فى الحياة العادية من الحيوانات هو الأنعام والطيور
وحتى لو صحت الرواية وهى غير صحيحة لأن الحديث فيه رواية متعددة متناقضة فالمستفاد منها هو أن عادة القوم لا تحل حراما ولاتحرم حراما
وأما النوع الثانى من الترك فهو الترك نسيانا وقيه قال الغمارى:
2 - أن يكون تركه نسيانا, سها (ص)في الصلاة فترك منها شيئا فسئل: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال(إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ,فإذا نسيت فذكروني))"
وهذا النسيان فيه نصوص ومن ثم فهو عادى وأما النوع الثالث فهو الترك خوفا على المسلمين وهو قوله:
"3 - أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته, كتركه صلاة التراويح حين اجتمع الصحابة ليصلوها معه"
وهذه الرواية مخالفة للقرآن فالله هو من يفرض وهو لا يهتم بمشاعر الناس تجاه الأحكام وإلا ما عاتب النبى(ص) مثلا فى حكاية الاستئذان غتدما سمح للمنافقين بترك أماكنهم ومن ثم فروايات خوف النبى(ص) من فرض شىء لاوجود لها ولم تحدث لأن الأحكام هى مشيئة الله ولو اهتم بذلك لجعل له شريكا فى الحكم ولا شؤيك له
وبين الغمارى النوع الرابع فقال:
"4 - أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه, ولم يخطر على باله, كان النبي (ص)يخطب الجمعة إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة, فلما اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره لأنه أبلغ في الإسماع واقترح الصحابة أن يبنوا له دكة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب, فوافقهم ولم يفكر فيها من قبل نفسه"
هذا الكلام خاص فيما اختيار أى شوؤة ومن ثم فهو داخل ضمن قوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم"
والنوع الخامس غير مفهوم وهو قوله:
"5 - أن يكون تركه لدخوله في عموم آيات أو أحاديث ,كتركه صلاة الضحى وكثيرا من المندوبات لأنها مشمولة لقول الله تعالى ((وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)) وأمثال ذلك كثيرة"
ترك المندوبات فى الروايات ليس داخل فى الترك لأنه فعله عدة مرات فى الروايات واما فى الشرع فلا مندوبات إلا ما قالها الله مثل ترك نصف المهر الأخر للمطلق قبل الدخول
وأما السادس فهو نوع محرم لم يحدث وفيه قال الغمارى:
6 - أن يكون تركه خشية تغير قلوب الصحابة أو بعضهم: قال رسول الله (ص)لعائشة:
((لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام فإن قريشا استقصرت بناءه))وهو في الصحيحين
فترك (ص)نقض البيت وإعادة بنائه حفظا لقلوب أصحابه القريبي العهد بالإسلام من أهل مكة "
والخوف من الناس عاتب الله عليه نبيه(ص) فقال " وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"
ومن ثم فهو لن يكرر الخوف من الناس فى أمر امره الله به علما بأن الرواية المستدل بها لم تحدث ولم يقل النبى(ص) ما فيها
ثم بين الغمارى أن الترك لا يدل على التحريم ونقل من بطون الكتب ما يدل هلى هذا فقال:
"ويحتمل تركه (ص)وجوها أخرى تعلم من تتبع كتب السنة, ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأن النبي (ص)إذا ترك شيئا كان حراما أو مكروها
الترك لا يدل على التحريم
قررت في كتاب (الرد المحكم المتين) أن ترك الشيء لا يدل على تحريمه, وهذا نص ماذكرته هناك:
والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع, وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظورا فهذا لا يستفاد من الترك وحده, وإنما يستفاد من دليل يدل عليه
ثم وجدت الإمام أباسعيد بن لب ذكر هذه القاعدة أيضا؛ فإنه قال في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة:
غاية ما يستند إليه منكر الدعاء إدبار الصلوات أن التزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف, وعلى تقدير صحة هذا النقل ,فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه, وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا, ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء
وفي المحلى (ج2ص254) ذكر ابن حزم احتجاج المالكية والحنفية على كراهية صلاة ركعتين قبل المغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونهما ورد عليهم بقوله:
لوصح لما كانت فيه حجة, لأنه ليس فيه أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما
قال أيضا: وذكروا عن ابن عمر أنه قال:ما رأيت أحدا يصليهما ورد عليه بقوله: وأيضا فليس في هذا لو صح نهي عنهما ,ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه
وقال أيضا في المحلى (ج2ص271) في الكلام على ركعتين بعد العصر:
وأما حديث علي ,فلا حجة فيه أصلا, لأنه ليس فيه إلا إخباره بما علم من أنه لم ير رسول الله (ص),صلاهما, وليس في هذا نهي عنهما ولا كراهة لهما, فما صام عليه السلام قط شهرا كاملا غير رمضان وليس هذا بموجب كراهية صوم شهر كامل تطوعا, اهـ
فهذه نصوص صريحة في أن الترك لا يفيد كراهة فضلا عن الحرمة"
وبالقطع نقول الكتب ليست دلالة على صحة قول أو بطلانه فالدليل هو نص الوحى فقط لا غير وقد قام الغمارى بالرد على من طهنوا فى أن الترك لا يدل على الحرمة فقال :
"وقد أنكر بعض المتنطعين هذه القاعدة ونفى أن تكون من علم الأصول فدل بإنكاره على جهل عريض ,وعقل مريض
وهاأناذا أبين أدلتها في الوجوه التالية:
أحدهما: أن الذي يدل على التحريم ثلاثة أشياء:
1 - النهي, نحو ((ولا تقربوا الزنا)) , ((ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل))
2 - لفظ التحريم نحو ((حرمت عليكم الميتة))
3 - ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب, نحو ((من غش فليس منا))
والترك ليس واحدا من هذه الثلاثة, فلا يقتضي التحريم
ثانيها: إن الله تعالى قال:
((وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا)) ولم يقل:
وماتركه فانتهوا عنه, فالترك لا يفيد التحريم
ثالثها: قال النبي, (ص):
((ما أمرتكم به فائتوا منه مااستطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) ولم يقل:
وما تركته فاجتنبوه فكيف دل الترك على التحريم؟
رابعها: أن الأصوليين عرفوا السنة بأنها قول النبي (ص)وفعله وتقريره ولم يقولوا وتركه, لأنه ليس بدليل
خامسها: تقدم أن الحكم خطاب الله ,وذكر الأصوليون: أن الذي يدل عليه قرآن أو سنة أو إجماع أوقياس ,والترك ليس واحدا منها فلايكون دليلا
سادسها: تقدم أن الترك يحتمل أنواعا غير التحريم ,والقاعدة الأصولية أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال بل سبق أيضا أنه لم يرد أن النبي (ص),إذا ترك شيئا كان حراما وهذا وحده كاف في بطلان الاستدلال به
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس