عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-08-2014, 02:54 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المكاتب المهنية الحزبية


تُعتبر المكاتب المهنية الحزبية، من أهم، بل أهم دليل كاشف على حيوية الحزب أو فشله، كما هي الحال عند زراعة نبات (عباد الشمس) في الحقول، ليتعرف المُزارع أن حقله بحاجة الى إرواء أم لا..

والمكاتب الحزبية تنتشر في كل أحزاب العالم، وقد تكتفي الأحزاب الليبرالية بها بدلاً عن التنظيم (الكلاسيكي) حيث في الأخير تحدث عمليات التثقيف والتربية الحزبية والإعداد والتقويم، في حين في الأحزاب الليبرالية (الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة)، يولد الطفل جمهورياً أو ديمقراطياً كما يولد المجوسي أو البوذي الخ.

(1)

كما هي (الحكومة) فيها تقسيمات وتوزيع أدوار، فهذه وزارة التربية وهذه الخارجية وتلك الصناعة الخ، فإن الأحزاب لها تقسيمات ومهام فهذه تتابع العمال وتلك تتابع الصحة والأخرى يتابع الصناعة الخ.

ويأخذ المكتب على عاتقه ضبط العلاقة الأيديولوجية، في سلوك من هم في نطاق عمله، مع جسم وأداء الحزب العام، مثلاً مكتب الطلاب يرتب الاهتمام بالانتخابات الطلابية (اتحادات الطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات)، ويحشد للمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات، سواء ما يخص قضايا الطلاب أو الوطن.

وكما للطلاب مكتب، فللعمال والفلاحين والأطباء والمحامين وغيرهم مكاتب، وتلك تعطي دلالة معينة محلياً وإقليمياً وحتى على المستوى العالمي لمن يراقب الحالة الحزبية، على أن هذا الحزب قوي أو ضعيف، فعندما تحصد مقاعد النقابات والأندية والبلديات لحزب ما، فإن هذا الحزب بالتأكيد له من الأنصار والمؤيدين جماهير لا يمكن الاستخفاف بها، من هنا تحرص بعض الأحزاب على التفنن فيما يُسمى بلعبة الصوت ولهذه المسألة حديث آخر.

(2)

تُخطئ الأحزاب عندما تأتي بمسئول مكتب مهني من خارج إطار المهنة نفسها، فمثلاً عندما يؤتى بمؤرخ أو خريج كليات العلوم السياسية أو الحقوق ليكون مسئولاً عن مكتب الممرضين أو الأطباء، فإنه سيقع في أخطاء مهنية قاتلة تعود على الحزب بالخسارة، قد يكون خيال هذا المسئول وثقافته تجعله مؤهلاً ليتكلم بشؤون الأطباء أو الممرضين، ولكن هذا الخيال والثقافة ستكون كما يقرأ أحدهم كتاباً (كيف تتعلم تنس الطاولة بدون معلم) ويحاول تطبيقه في منافسات هامة!

المفروض أن يُعد الطبيب أو المهندس إعداداً حزبياً جيداً (الثقافة، والعمل الجماهيري، وأساليب التنظيم الخ)، ثم تُناط به مسئولية المكتب المهني لمهنته، وليس العكس، أي أن يؤتى بحزبي جيد (كما في لوائح ودرجات ترقية الحزبيين) ولأنه كذلك، تناط به مسئولية مكتب مهني هو غريب عنه مهنياً، وهذه المسألة تحدث عندما يؤتى بمسئول حزبي من محافظة بعيدة ليكون أعلى رأس (حزبياً) في محافظة أخرى! إن فهم طبائع وعلاقات المجتمع المحلي مهمة جداً في أداء الحزبيين لأدوارهم، وإن الإتيان بمسئولين بعيدين عن طبيعة المهنة أو المكان هي خصلة سيئة مستلهمة من أجهزة الشرطة والمخابرات والحكومات بشكل عام.

عندما تنتظم أمور المكاتب المهنية الحزبية، فإن الإنتاج الفكري والعطاء الإجرائي (التنفيذي) على صعيد الوطن أو على صعيد نمو جماهيرية الحزب، سيكون مُرضياً جداً، ويضع عجلات عربة التقدم السياسي على قضبان المسار الطبيعي لذلك النمو السياسي وطنياً أيضاً.

تتجلى إمكانيات المكاتب الحزبية في الأحزاب البريطانية، حيث يُخصص لكل نائب بالبرلمان ما يزيد عن مائة مساعد، يقيمون في مكتب تزودهم الدولة به وتفتح أمامهم الملفات الإحصائية والمعلوماتية، فيذهب النائب بالبرلمان مُزوداً بذخيرة مُكثفة وضعت بعناية لتغطي مداخلة برلمانية مدتها دقيقة مثلاً، في حين في برلماناتنا العربية، يستأذن النائب المتكلم عدة مرات لإعطائه فرصة يوضح بها ما يريد، ولكنه يبقى فريسة (جق الحكي، أو الكلام الفارغ، أو الهدره الخاوية).

(3)

يتم التعرف على المسئولين الحزبيين الجيدين، من خلال المكاتب المهنية الحزبية، ويكتسب هؤلاء الحزبيون الجيدون من المؤيدين والأصدقاء داخل محيط مهنتهم أكثر مما يكتسبونه من داخل الحزب نفسه، وقد يحدث أن يكون هناك خصومة أو حتى صراع بين المكتب الحزبي والحزب نفسه، كما حدث أكثر من مرة بين النقابات العمالية وحزب العمال البريطاني، حيث أسقطت النقابات والمكاتب المهنية لحزب العمال حكومة حزب العمال نفسه!*1

إن الحزبي الجيد الذي يتم تمرينه بشكل جيد، في المكاتب المهنية، يكتسب خبرات سياسية هائلة، يستعيض من خلال تلك الخبرات الرجوع الى الحزب، أو مرجعيته، لأنه يعتبر ما قام به هو الذي يجب أن يُقام به، أو هو الذي يجب أن تتخذه قيادة الحزب، وعندما تكثر التباينات بين موقف الحزبي الجيد وقيادته، فإن هناك خللاً مؤكداً في بنيان الحزب وأدائه ( ليتمعن المراقب ما جرى بين الرئيس مرسي وقيادة حزبه، أو مرجعية المرشد).



هوامش
*1ـ موريس ديفرجيه/ الأحزاب السياسية/ترجمة: علي مقلد وعبد الحسن سعد/ بيروت: دار النهار للنشر الطبعة الرابعة 1983 صفحة 190وما بعدها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس