عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-01-2021, 09:04 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي نقد رسالة في إستحسان الخوض في علم الكلام

نقد رسالة في إستحسان الخوض في علم الكلام
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (المتوفى: 324 هـ)
هذه الرسالة من الرسائل القليلة التى تستحسن الخوض في علم الكلام فكم الرسائل الذامة له أكبر بكثير خاصة من أهل الحديث وأما المتكلمون فهم لم يؤلفوا فى استحسان علم الكلام إلا النادر من الرسائل مثل هذه الرسالة والغريب أنه لا يوجد أحد سواء من أهل الحديث أو من أهل الكلام إلا وخاض فى هذا العلم بطريقة أو يأخرى فأى مسألة خلافية حتى ولو استشهد عليها بروايات فقط هى نوع من علم الكلام
علم الكلام هو علم يقوم على الجدال وهو أن يظهر كل فريق رأيه فى مسألة ما بالأدلة والبراهين من الوحى والروايات وأحيانا ما يسمونه النظر العقلى وهو أساسا جزء من الوحى ولكن الناس لا يدرون بذلك
والرسالة تدور حول مقولة ذم البعض للخوض فى علم الكلام والغريب أن علم الكلام هو الجدل وهو أمر أباحه الله شرط أن يكون بالحسنى أى التى هى أحسن فقال :
" وجادلهم بالتى هى أحسن"
وقال :
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن"
وهذا الجدال هو الجدال بآيات الله
ومن ضمن الجدال ما يسمى بالنظر العقلى وهو أمر قد يصيب أو يخطىء فمثلا النبى(ص) والمؤمنين عندما نظروا فى القضية التى اتهم فيها برىء أخطئوا النظر حيث هاجموا البرىء وجادلوا عن الذين ارتكبوا الجريمة والذين أضلوهم عن الحقيقة ببراهين مصطنعة حتى نزل أمر الله إليهم بالكف عن الجدال عن المرتكبين للجرم والذى اتهموا به بريئا وفى هذا قال تعالى :
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما"واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا"ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا"ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما"ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا"ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
ومن بين النظر العقلى الخاطىء قول الأسباط عن أخويهم:
" إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل "
فالمترتب عندهم عقليا أن الأخ يتعلم السرقة من أخيه مع أنهم اخوة الاثنين ومع هذا لم يسرقوا كما يظنون
ومن النظلا الصحيح ما قاله قريب العزيز عن أن من يريد الاغتصاب الشهوانى سيهاجم من الأمام فيقطع ثوبه من الأمام وأن من يريد الهرب من الزنى من تريد الاغتصاب ستجرى خلفه عند هروبه وتقطع ثوبه من الخلف وفى هذا قال تعالى :
"قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين"
النظر العقلى إذا قد يخطىء إما بسبب الشهوة وساعتها لا يكون نظرا عقليا وإنما نظرا شهوانيا أى يطاع فيه هوى النفس وإما بسبب إضلال الأخرين للناظر ويسمى عقليا لأنه حدث بسبب خداع من الأخرين أو من النفس للناظر حيث يعطونه معلومات خاطئة وقد يصيب وهو عند الإصابة نظر عقلى
قال الأشعرى فيمن ذم علم الكلام فقال :
"أما بعد فإن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين , ومالوا إلى التخفيف والتقليد , وطعنوا على من فتش عن أصول الدين ونسبوه إلى الضلال , وزعمو أن الكلام عن الحركة والسكون والجسم والعرض والألوان والأكوان والجزء والطفرة وصفات البارئ عز وجل بدعة وضلالة ."
ثم بين حججهم فى الذم فقال:
"قالوا : "لو كان ذلك هدى ورشدا لتكلم فيه النبي (ص)وخلفاؤه وأصحابه
قالوا : "ولأن النبي (ص)لم يمت حتى تكلم في كل ما يحتاج إليه في أمور الدين , وبينه بيانا شافيا ولم يترك لأحد من بعده مقالا فيما بالمسلمين إليه حاجة من أمور دينهم فلما لم يرو عنه الكلام في شيء مما ذكرناه علمنا أن الكلام فيه بدعة والبحث عنه ضلالة , لأن لو كان فيه خير لما فات النبي (ص)وأصحابه ولتكلموا فيه .
قالوا : "ولأنه ليس يخلوا ذلك من وجهين : إما أن يكونوا علموه فسكتوا عنه أو لم يعلموه بل جهلوه , فإن كانو علموه ولم يتكلمو فيه وسعنا أيضا نحن السكوت عنه كما وسعهم السكوت عنه , ووسعنا ترك الخوض كما وسعهم ترك الخوض فيه ولأنه لو كان من الدين ما وسعهم السكوت عنه وإن كانوا لم يعلموه وسعنا جهله كما وسع أولئك جهله , لأنه لو كان من الدين لم يجهلوه فعلى كلا الوجهين الكلام فيه بدعة والخوض فيه ضلالة ."

ورد الأشعرى على الحجج الواهية فقال:
"فهذه جملة ما احتجوا به في ترك النظر في الأصول والجواب عنه من ثلاثة أوجه :
أحدها : قلب السؤال عليهم بأن يقال : النبي (ص)لم يقل أيضا إنه من بحث عن ذلك وتكلم فيه فاجعلوه مبتدعا ضالا , فقد لزمكم أن تكونوا مبتدعة ضلالا إذ قد تكلمتم في شيء لم يتكلم فيه النبي (ص)وضللتم من لم يضلله النبي (ص).
الجواب الثاني أن يقال لهم : إن النبي (ص)لم يجهل شيئا مما ذكرتموه من الكلام في الجسم والعرض والحركة والسكون والجزء والطفرة وإن لم يتكلم في كل واحد من ذلك معينا , وكذلك الفقهاء والعلماء من الصحابة , غير أن هذه الأشياء التي ذكرتموها معينة أصولها موجودة في القرآن والسنة جملة غير مفصلة فأما الحركة والسكون والكلام فيهما فأصلهما موجود في القرآن وهما يدلان على التوحيد , وكذلك الاجتماع والافتراق قال الله تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم (ص) في قصة أفول الكوكب والشمس والقمر وتحريكها من مكان إلى مكان ما دل على أن ربه عز وجل لا يجوز عليه شيء من ذلك , وأن من جاز عليه الأفول والانتقال من مكان إلى مكان فليس بإله .
وأما الكلام في أصول التوحيد فمأخوذ أيضا من الكتاب قال الله تعالى {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وهذا الكلام موجز منبه على الحجة بأنه واحد لا شريك له , وكلام المتكلمين في الحجاج في التوحيد بالتمانع والتغالب فإنما مرجعه إلى هذه الآية , وقوله عز وجل : {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} وإلى قوله عز وجل : {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق} وكلام المتكلمين في الحجاج في توحيد الله إنما مرجعه إلى هذه الآيات التي ذكرناها , وكذلك سائر الكلام في تفصيل فروع التوحيد والعدل إنما هو مأخوذ من القرآن ,فكذلك الكلام في جواز البعث واستحالته الذي قد اختلف عقلاء العرب ومن قبلهم من غيرهم فيه حتى تعجبوا من جواز ذلك فقالوا : {أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد} وقولهم: {هيهات هيهات لما توعدون} وقولهم {من يحيي العظام وهي رميم} وقوله تعالى {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} وفي نحو هذا الكلام منهم إنما ورد بالحجاج في جواز البعث بعد الموت في القرآن تأكيدا لجواز ذلك في العقول , وعلم نبيه (ص)ولقنه الحجاج عليهم في إنكارهم البعث من وجهين على طائفتين : منهم طائفة أقرت بالخلق الأول وأنكرت الثاني , وطائفة أنكرت ذلك بقدم العالم , فاحتج على المقر منها بالخلق الأول بقوله {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} وبقوله {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} وبقوله {كما بدأكم تعودون} فنبههم بهذه الآيات على أن من قدر أن يفعل فعلا على غير مثال سابق فهو أقدر أن يفعل فعلا محدثا فهو أهون عليه فيما بينكم وتعارفكم وأما البارئ جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فليس خلق شيء بأهون عليه من الآخر وقد قيل : إن الهاء في "عليه" إنما هي كناية للخلق بقدرته , إن البعث والإعادة أهون على أحدكم وأخف عليه من ابتداء خلقه , لأن ابتداء خلقه إنما يكون بالولادة والتربية وقطع السرة والقماط وخروج الأسنان وغير ذلك من الآيات الموجعة المؤلمة , وإعادته إنما تكون دفعة واحدة ليس فيها من ذلك شيء فهي أهون عليه من ابتدائه , فهذا ما احتج به على الطائفة المقرة بالخلق وأما الطائفة التي أنكرت الخلق الأول والثاني وقالت بقدم العالم فإنما دخلت عليهم شبهة بأن قالوا : "وجدنا الحياة رطبة حارة والموت باردا يابسا , وهو من طبع التراب , فكيف يجوز أن يجمع بين الحياة والتراب والعظام النخرة فيصير خلقا سويا , والضدان لا يجتمعان" فأنكروا البعث من هذه الجهة ولعمري إن الضدين لا يجتمعان في محل واحد , ولا في جهة واحدة ولا في الموجود في المحل , ولكنه يصح وجودهما في محلين على سبيل المجاورة , فاحتج الله تعالى عليهم بأن قال : {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون}فردهم الله - عز وجل - في ذلك إلى ما يعرفونه ويشاهدونه من خروج النار على حرها ويبسها من الشجر الأخضر على بردها ورطوبتها , فجعل جواز النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة , لأنها دليل على جواز مجاورة الحياة التراب والعظام النخرة فجعلها خلقا سويا , وقال : {كما بدأنا أول خلق نعيده}
وأما ما يتكلم به المتكلمون من أن للحوادث أولا وردهم على الدهرية أنه لا حركة إلا وقبلها حركة , ولا يوم إلا وقبله يوم , والكلام على من قال : ما من جزء إلا وله نصف لا إلى غاية , فقد وجدنا أصل ذلك في سنة رسول الله (ص)حين قال «لا عدوى ولا طيرة» فقال أعرابي : "فما بال الإبل كأنها الظباء تدخل في الإبل الجربى فتجرب ؟" فقال
النبي (ص)«فمن أعدى الأول؟» فسكت الأعرابي لما أفحمه بالحجة المعقولة .
وكذلك نقول لمن زعم أنه لا حركة إلا وقبلها حركة : "لو كان الأمر هكذا لم تحدث منها واحدة , لأن ما لا نهاية له لا حدث له" , وكذلك لما قال الرجل : "يا نبي الله إن امراتي ولدت غلاما أسود" وعرض بنفيه , فقال النبي (ص): «هل لك من إبل؟» فقال : "نعم!" قال: «فما ألوانها؟» قال: "حمر" فقال - رسول الله (ص)- : «هل فيها من أورق؟» قال : "نعم إن فيها أورق" قال: «فأنى ذلك؟» قال: "لعل عرقا نزعه" فقال النبي (ص): «ولعل ولدك نزعه عرق» فهذا ما علم الله نبيه من رد الشيء إلى شكله ونطيره وهو أصل لنا في سائر ما نحكم به من الشبيه والنظير .
وبذلك نحتج على من قال : "إن الله - تعالى وتقدس - يشبه المخلوقات وهو جسم , بأن نقول له : "لو كان يشبه شيئا من الأشياء لكان لا يخلوا من أن يكون يشبهه من كل جهاته أو يشبهه من بعض جهاته , فإن كان يشبهه من كل جهاته وجب أن يكون محدثا من كل جهاته وإن كان يشبهه من بعض جهاته وجب أن يكون محدثا مثله من حيث أشبهه ,
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس