عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-08-2007, 07:28 AM   #7
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

فقـد أخبر سبحانه أنها لاتستحق وصف الوسطيّة ، أي : الخيريـّة ، إلاّ إن قامت بحمل تلك الأمانة كما أمرهــا ربها أن تحملها .

فالوسطيّة منحة ، تنالها إن هــي نحجت في المحنة : وهي قيامها بحمل رسالتها ، وجهادهافي سبيلهــا .

ولهذا قال آمــرا : " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُوُنَ إلى الخَيْرِ وَيَأَمُرُوُنَ بِالمَعْرُوُفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ المُنْكَرْ وأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُون " .

ولما أراد وصفها بالخيريّة ، ربط ذلك بكونها قامت بهذه الأمانة .

فقال واصفــا : : "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ"

وتأمل ما قاله ابن كثير في تفسير هذه الأية ، حيث جعل خيريّتهم ، إنما تحقق بالجهاد ، الذي ينقذون به الناس من ظلمات الكفر ، ودكادك الجحيم ، فهذا أعظم ما تتحقق به خيريّة هذه الأمّـة لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيــد .

قال ابن كثير : " يخبر تعالى عن هذه الأمّة المحمديّة بأنّهم خيرَ الأُمم فقال تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس " قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان بن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه " كنتم خير أمة أخرجت للناس " قال : خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.

ثم قال : " والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما قال في الآية الأخرى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " أي خيارا " لتكونوا شهداء على الناس " الآية . وفي مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " وهو حديث مشهور وقد حسنه الترمذي .. وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل .

فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه .

كما قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا ابن زهير عن عبد الله يعني ابن محمد بن عقيل عن محمد بن علي وهو ابن الحنفية أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء " فقلنا يا رسول الله ما هو ؟ قال " نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل التراب لي طهورا وجعلت أمتي خير الأمم " تفرد به أحمد من هذا الوجه إسناده حسن " أ.هـ

وذلك كما قوله تعالى" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " .

قال ابن كثير رحمه الله : " يقول تعالى إنما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام واخترناها لكم ، لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة ، شهداء على الأمم لأن الجميع معترفون لكم بالفضل ، والوسط هاهنا الخيار ، والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا أي خيرها

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها ولما جعل الله هذه الأمة وسطا ، خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب

كما قال تعالى " وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم ، هو سماكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم ، وتكونوا شهداء على الناس "

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت ؟ فيقول نعم فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم ؟ فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح من يشهد لك فيقول محمد وأمته قال : فذلك قوله " وكذلك جعلناكم أمة وسطا" قال والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم " رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجيء النبي يوم القيامة ومعه رجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم هذا ؟ فيقولون لا فيقال له هل بلغت قومك ؟ فيقول نعم فيقال من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيدعى محمد وأمته فيقال لهم هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون نعم فيقال وما علمكم ؟ فيقولون جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله عز وجل " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال عدلا" لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " أ.هـ.

والحاصل أن الوسطيّة هي الخيريّة ، وهي وصف تستحقه هذه الأمّة ، إنْ هي تمسكت بما جاء به نبيّها صلى الله عليه وسلم ، فلم تدع منه شيئا ، وفارقت به من كفرَ وضلّ.

وشهدت على الناس بالحق الذي جاءهــا به .

شهدت عليهم بــه في الدنيا ، أن حاجة البشــريّة إلى دين الإسلام أعظم من حاجتهم إلى الهواء والشمس ، وأنهم أبدا ضالون أشقياء حتى يدخلوا في هذا الدين .

وإن هي جاهدت لرفع راية هذا الدين على الأرض كلّها .

فإنْ هِيَ فعلت ذلك .

استحقت كمال وصف "الوسطية " فـي الآخرة أيضــا ، بأن يجعلها الله تعالى شاهدة على جميع الأمم من الأوّلين والآخــرين ، وما أشرفها من شهادة ، وما أعظمه من مقام .

وليست الوسطيّــة أن نُأمــر الأمّة ـ في هذا الوقت العصيب الذي لبس أعداؤها فيه جلد النــمــر ـ أن تتنازل عن الحقّ الذي اصطفاها الله به ، خشية أن يصفها أعداؤها بالتخلـفّ ، أو تخرّب تميّزها وخصائصها الحضاريّة ، ليرضى عنها أعداؤها ، ولن يرضوا ، أو أن تذلّ لعدوها وتسلّم إليه أمره حتى لاينعتها بـ"الإرهاب" ، بل هذا كله أحقّ بوصف الإنهزامية ، بل هو منطبق عليه تمام الإنطباق ، والوسطيّة بريئة منه ، فلا خير في أمّة يملي عليها مناحيس الروم ، واغتام الصليبيين ، وأخوة القردة والخنازير ، حتى حقوق نسائها ! ولاتستحق الخيرية أمّـة ترحّـب بجيوش تجتاح بلادها مهللة لها ، ثم تصف الذابّين عن عزتها بأقبح الأوصاف ، وتلاحقهم ، وتعاديهم أشدّ العداوة ، كارهة أن تتفلت من قيود العبودية لغيرها ، وأسوار الذل الذي ضربها عليها !

قال الحق سبحانه " " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثييرا .

--------------------------------------------------------------------------------


المصدر؛ http://www.h-alali.info/m_open.php?i...a-0010dc91cf69
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس