عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-02-2006, 12:10 PM   #6
محمد العاني
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,538
إفتراضي اليوم الأول

أطلق لها السيف..لا خوفٌ ولا وجلُ
أطلق لها السيف..وليشهد لها زُحلُ..


مطلع القصيدة التي بدأ بها صدام حسين خطابه الأول فجر يوم الخميس 20-3-2003. فجر اليوم الذي بدأت فيه الحرب.

في الساعة الرابعة فجراً بتوقيت بغداد من صباح ذلك اليوم إنتهت المهلة التي رصدها جورج بوش لرحيل صدام حسين و أبناءه عن العراق. غريبةٌ هي هذه المهلة..!!
بعد مرور عدة ساعات على بداية هذه المهلة أطل علينا جورج بوش ليصرح: "سنهاجم العراق حتى لو خرج صدام"...!!!
باللغة العراقية العامّية يسمّى ذلك بالـ"مزعطة". ومعناها أنها تصرفات تصدر من طفلٍ خفيف العقل و جاهل. لماذا إذن أعطيت المهلة؟؟ ربما كان لقناة فوكس نيوز مجالٌ فارغٌ في الأخبار فطلبوا من سيادة الرئيس أن يُلقي بكلمة لسد الفراغ.

قبل الخامسة فجراً بقليل..صحوتُ مفزوعاً على صوت صافرة الإنذار تدوي في سماء المدينة الهادئة لتشقّ آخر لحظات الهدوء التي شهدتها بغداد منذ ذلك اليوم. حيث أنني و أهلي نسكن في إحدى المناطق الواقعة غرب بغداد قريبةً على مطار بغداد (مطار صدام في وقتها) و على الطريق المؤدي إلى "أبو غريب" لم يكُن القصف الواقع في اليوم الأول قريباً علينا.
كان القصف في اليوم الأول مركّزاً على القصر الجمهوري و وزارة التخطيط و بعض المناطق الرئاسية الأخرى. توقّع الأمريكان حسب إدعائهم أن يكون صدام حسين متواجداً في إحدى هذه الأماكن و ذلك ليُنهوا الحرب قبل أن تبدأ.

كانت جدّتي -حفظها الله لنا- تخاف من صوت القصف و الإنفجارات كما كنا نخاف جميعاً ولكن بنسبٍ متفاوتة. حيث والدي الذي قاتل في الحرب العراقية الإيرانية لا نتوقع منه أن يخاف من صوت الإنفجارات أو ما شاكل ذلك.
لقد عشنا أياماً عصيبةً في حرب إيران والقصف العشوائي الذي كانت تقوم به على بغداد. و أياماً أشدّ و أقسى في حرب عام 1991 عندما دمر القصف الأمريكي كل البنى التحتية للعراق. و قصفاٌ آخر أقل وقعاً عام 1998 على يد صاحب مونيكا. لكنّ هذه الحرب، و منذ يومها الأول، كانت تبدو مختلفة..
ربما لأننا كنا نعلم يقيناً أنها لن تنتهي..

أطل علينا صدام حسين في التلفزيون في صورةٍ مشوشةٍ لم يظهر بمثلها من قبل. فصدام مثلاً كان دائماً يقوم بصبغ الشيب في شعره و شواربه باللون الأسود..و هذه المرة لم يفعل..و نظاراته السميكة التي لم يكُن يرتديها علناً من قبل..و صوته الذي لم تبدو به الثقة التي إعتاد أن يبدوَ بها..
"ترى ما الذي سوف يحدث" ؟؟
سؤالٌ يدور في ذهن الجميع..
فصدام لم يستدعِ قوات الإحتياط..و لم يُعلن النفير العام..؟؟!!!
و نحن نعلم واقع الجيش العراقي و أن في كتيبة الدروع دبابةً واحدةً تعمل و تدفع الباقيات حتي يشتغلن بسبب عدم وجود البطاريات..
الصواريخ العراقية التي تستطيع الوصول إلى القوات الأمريكية قد تم تدميرها على يد المخابرات الأمريكية، عفواً قصدت فريق مفتشي الأمم المتحدة لأسلحة الدمار الشامل..

في اليوم الأول..كانت معنوياتنا جميعاً هابطةً و بشدة. فنحن نعلم مدى قوة السلاح الأمريكي و عدم تواريهم عن فعل أي شئ. و بدأنا بتوقّع وصول الأمريكان إلى بغداد خلال ثلاثة أيام أو أربعة.
ذهبنا للنوم ليلاً كلٌّ في غرفته كأن شيئاً لم يكُن. فلم نسمع خلال اليوم قصفاً أو شيئاً من هذا القبيل. و ليتنا استطعنا النوم في هذا الوضع المتفاقم.
صباح يوم الجمعة..
إستيقظت على الصوت العالي للراديو في البيت..كانت إذاعة البي بي سي اللندنية يتحدثون فيها عن صمود و مقاومة القوات العراقية في "أم قصر"..
يا إلهي..أم قصر..لا تتعدى مساحتها مساحة الحي الذي نسكن فيه..!!
"مقاومة شديدة تعيق تقدم القوات الأمريكية و البريطانية"..هذا ما يقولونه في الأخبار.
إنتابتني نشوةٌ عنيفةٌ هزّتني..هنالك أمل..؟؟!!
هل سنخرج من هذه الحرب بوجوهٍ بيضاء؟؟
إذا ما قاومت القوات العراقية القواتِ الأمريكية بشدّة و كبّدتها الخسائر فسوف يوقف الأمريكان الحرب. فقد بدأ الأمريكان الحرب و في وجوههم أطياف حرب فيتنام..فإذا ما تكبدوا خسائر فادحةً سيوقفون الحرب. و ستكون بطولة القوات العراقية صفحة لا ينساها التاريخ..
و المشكلة أن صدام حسين سيصبح فرعوناً أكثر مما تفرعن هو أصلاً..
فماذا هو التصرف الصحيح؟؟
__________________
متى الحقائب تهوي من أيادينا
وتستدلّ على نور ليالينا؟

متى الوجوه تلاقي مَن يعانقها
ممن تبقّى سليماً من أهالينا؟

متى المصابيح تضحك في شوارعنا
ونحضر العيد عيداً في أراضينا؟

متى يغادر داء الرعب صبيتنا
ومن التناحر ربّ الكون يشفينا؟

متى الوصول فقد ضلت مراكبنا
وقد صدئنا وما بانت مراسينا؟
محمد العاني غير متصل   الرد مع إقتباس