عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-02-2006, 10:56 AM   #4
محمد العاني
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,538
إفتراضي قبل الحرب بعدة أيام..

بسم الله الرحمن الرحيم


كنّا قد تعودنا دائماً على سماع التهديدات الأمريكية بالحرب حتى أصبحت لا تؤثر فينا. و استمريت بنقاشاتٍ طويلةٍ عريضةٍ مع أصحابي بموضوع الحرب. و لم أتوقف عن إفهام أصدقائي بأن هذه الحرب مستحيلة الحدوث و أن الأمريكان سيكونون مصابين بمسٍّ من الجنون إذا ما قرروا إحتلال العراق. و حتى إن صارت الحرب فلن يستطيعوا إحتلال العراق. سنخرج لقتالهم و لو بالأحذية (عفواً على سوء التعبير). و لكني كنت دائماً أتحدث بعاطفةٍ جيّاشةٍ و أغض الطرف عن المنطق في هذا الموضوع.
الجميع يعلم أن حرباً أخرى مع أمريكا تعني نهاية العراق. كلنا يعلم أن القوات العراقية تقاتل بأسلحة الحرب العالمية و بروحٍ متسائلةٍ ((هل أُقاتل و أموت ليبقى صدام في الحكم؟؟))
إن الموت الذي تعرّض له الجيش العراقي عند إنسحابه من الكويت لا يزال يُضرّج عقول القادة العسكريين بدماء من قُتلوا و هم ينسحبون. "طريق الموت" هذا كان إسم الطريق السريع بين البصرة و بغداد الذي سارته القوات العراقية المنسحبة. لم يكُن إلا طريقاً للموت لأن القاصفات من نوع بي 52 كانت تطير فوق رؤوس القوات العراقية و تُمطرهما بالقنابل و اليورانيوم المنضّب الحارق. كثيرون لم يبقَ منهم سوى بعض الشحم كان العراقيون يمثلون على أنفسهم أنهم يدفنون قتلاهم بدفن هذه الكُتل غير المعروفة من الشحم و الدماء.

يوم الإثنين هذا تأكد الجميع أن الحرب واقعةٌ لا محالة. لأن السيّد البشوش صاحب الأخبار الطيّبة كوفي عنان صرّح بسحب فريق المفتشين عن أسلحة الدمار الشامل و سحب كل موظفي الأمم المتحدة من العراق. عندئذٍ فقط أدرك الجميع قرب وقوع الحرب. و كُنّا نردد مقولة رأفت الهجّان "كده تبئه طبّلت".
و كذلك صرّح جورج بوش بخطابه الشهير "صدام حسين و أبناؤه يجب أن يُغادروا العراق خلال الساعات الثمانية و الأربعين القادمة" كأنه يهدد زوجته لتذهب إلى بيت أهلها. كأن لا دولة وجدت ولا حكومة ولا جمهورية.
في يوم الإثنين هذا كنت و مجموعةً من أصحابي في إحدى المقاهي الواقعة في شارع أبي نؤاس المطل على نهر دجلة في بغداد. كنّا نجلس صامتين لا نعرف ماذا نقول. إذ إنها قد تكون آخر مرةٍ يرى فيها أحدنا الآخر..!!
كان الوقت لا يمر..يُمعن في إعلامنا أنها الساعات الأخيرة لنا سويّاً..
ما أن صارت الساعة التاسعة مساءاً حتى تبادلنا الأحضان و الدموع..لم يرَ أحدنا الآخر يبكي من قبل، و لكنّ أحداً منا لم يستطع حبس دموعه لأننا كنّا ندرك أن هذا الجمع لن يعود مرةً ثانية..و بالفعل..حتى هذا اليوم..لم يعُد الجمع أبداً..
__________________
متى الحقائب تهوي من أيادينا
وتستدلّ على نور ليالينا؟

متى الوجوه تلاقي مَن يعانقها
ممن تبقّى سليماً من أهالينا؟

متى المصابيح تضحك في شوارعنا
ونحضر العيد عيداً في أراضينا؟

متى يغادر داء الرعب صبيتنا
ومن التناحر ربّ الكون يشفينا؟

متى الوصول فقد ضلت مراكبنا
وقد صدئنا وما بانت مراسينا؟
محمد العاني غير متصل   الرد مع إقتباس