عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-04-2010, 03:34 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ثالثاً: الدين والهوية

تناول بعض الباحثين الوجود المسيحي المعاصر في جنوب السودان من خلال المجموعات المختلفة التي اعتنقت المسيحية:

كاكاوا وكوكو في منطقة (يي وكاجو كاجي): تقع هذه المنطقة جنوب غرب مدينة (جوبا). دخلت فيها المسيحية منذ ثلاثينات القرن العشرين. الآن تنتشر فيها الكنيسة على نطاق واسع. لكن المنطقة تعرضت لنزوح بفعل الحرب، حيث لجأ 50% من سكان تلك المنطقة الى شمال (أوغندا) والتي أصبحت أرض المنفى بالنسبة لهم، وقد أعادوا تفسير قضية المنفى في الإنجيل لتعبر عن حالهم وواقعهم. وبعد عام 1997، عندما وقعت منطقتهم تحت قبضة الجيش الشعبي لتحرير السودان، عاد منهم 80 ألف معتبرين ذلك بأنه وعد الله بالنصر المبين.

الأزاندي والباكا في منطقة طمبرة ويامبيو ومريدي: شهدت هذه المنطقة حركة نزوح كبيرة للسكان في إفريقيا الوسطى وزائير. وقد سيطر جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان على معظم هذا الإقليم. وصنف زعماء الكنيسة الإقليم شمالي يامبيو وحتى طمبرة بأنه (منطقة تبشيرية). يبدو أن (الأزاندي) أكثر القبائل تأثراً بالحرب، حيث نتج من الحرب عدم الاستقرار والتمزق الاجتماعي، وتأثرت الثقافة والأخلاق والقيم، في وقت لم تتبلور الهوية المسيحية للأزاندي بصورة كاملة. لكن الكنيسة تصدت لعملية حماية القيم والثقافة التقليدية، وتم جمع التراث ورعاية الأدب الشفاهي وفنون التداوي المحلي.

المفولو والولو في جور: يعتبر سكان هذه المنطقة منذ عهد الحكم الثنائي من أكثر السكان تعرضا للتهميش في جنوب السودان. وفي الثمانينات والتسعينات عانوا من تسلط الحكومة السودانية وجيش الحركة الشعبية على حد سواء. فهم أكثر السكان تخلفاً في الخدمة الصحية والتعليم، وليس لهم ما يفقدونه في الصراع، بل كان هدفهم الرئيسي هو البقاء. وحتى الثمانينات من القرن العشرين لم تكن هناك كنيسة في (جور)، لكن فجأة انتشر المد الكنسي، وأحدث تحولاً كبيراً في الحياة الاجتماعية والقيم، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1995، أعلن القس (ريوبين ماكير) أن الذين اعتنقوا المسيحية في المنطقة بلغ 16 ألف فرد.

المورو في مندري: على الرغم من قلة هذه المجموعة الزراعية، إلا أنها منذ عشرينيات القرن العشرين ظهرت على أنها الأكثر اعتناقاً للمسيحية، وتكيف السكان بسرعة مع التعليم النظامي، وأصبحت لهم نخبة متعلمة كبيرة نسبياً. وقد كان منهم أسقف الكنيسة في وقت سابق. وعندما تأثروا بالحرب كانت الكنيسة ملاذاً مركزياً للمجتمع الريفي.

5ـ النوير والأنواك في أعالي النيل: يرى الباحثون في حالة المسيحية في جنوب السودان أن القبائل النيلية في السودان شهدت أكبر انتشار دراماتيكيا للكنيسة. وتؤكد تقارير أن نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي شهدت توسعاً كنسياً غير مسبوق وسط قبائل (النوير) و (الأنواك) و (الشلك) و (الجيج). وقد نزح كل زعماء الكنيسة المسيحية الى إثيوبيا في الفترة ما بين عام 1986 و عام 1991 مع أنصارهم ليعيشوا في المنفى. وقد تحولت قرى بكاملها الى المسيحية في تلك المنطقة بعد تلك الفترة، وبلغ عدد البروتستانت 1500، وقد أُنشئت عشر أبرشيات في شرق وغرب أعالي النيل. وبلغ عدد التجمعات و الطوائف المسيحية ما بين 60 ـ 100، وبينما كان عددها أقل من 100 قبل عام 1983، فقد بلغ 800 في التسعينات. ويرى الأنثروبيولوجيون أن هذا التحول يشكل ظاهرة تستحق الدراسة من حيث الدوافع والأسباب.

6ـ جبال النوبة تحت سلطة جيش حركة تحرير السودان: على الرغم من أن منطقة جبال النوبة لا تقع جغرافياً في جنوب السودان، بل تتبع إدارياً ولاية جنوب (كردفان)، إلا أن هوية سكان المنطقة (النوبة) ـ ذوو الملامح الزنجية، ولغتهم غير العربية، وديانتهم المسيحية ـ دفعت بالحركة الشعبية لتحرير السودان الى استقطابهم إليها.

وقد امتدت الحرب الأهلية الى هذه المنطقة المتخلفة أصلاً، حيث كانت أطروحة الحركة تركز على أنها من المناطق المهمشة، إضافة الى وضع منطقة (الأنقسنا) في النيل الأزرق (الى الجنوب الشرقي من وسط السودان) التي ترتكز بالمبررات ذاتها على بُعد الهوية ومنطق التهميش. ترى حركة تحرير الشعب السوداني أن منطقة النوبة إقليم معزول، وتعتقد أنه ( تعرض لأبشع عمليات انتهاك حقوق الإنسان من جانب الحكومة السودانية في محاولة منها لاجتثاث الهوية النوبية). وقد سيطرت الحركة في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين على مناطق كثيرة في جبال النوبة، خاصة المنطقة التي تقع الى الجنوب الشرقي من طريق ( كادقلي ـ هيبان).

وتقول الحركة أن سكان المنطقة تعرضوا لاضطهادٍ مستمر، وقد وحد هذا الاضطهاد بين النوبة، مسلمين ومسيحيين، حيث جمعتهم قضية (أو قضايا) مشتركة، هي الظلم والاضطهاد والتهميش. كما لاحظوا أن هناك تحالفاً قوياً بين جيش الحركة والكنائس في المنطقة، مما يعزز البعد الديني في هذا السياق.

وقد زعم الباحثون الجنوبيون أن هناك حركة تحولات كبرى من الدين الإسلامي والديانات الأخرى التقليدية الى المسيحية، وأن الكنيسة بمختلف مذاهبها توجد بكثافة في المنطقة. لكنهم لم يقدموا إحصائية تثبت هذا الزعم. وجنبا الى جنب المسيحية، تم إدخال الإنجليزية كلغة تدريس أساسية، بينما يتم تدريس العربية كمادة فقط.

يتبع في هذا الباب

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس