عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-06-2013, 02:53 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ماذا لو قام المرشح باختيار ناخبيه؟


(1)


عندما يمتلئ الفضاء الذهني بصورٍ إعلامية (مكتوبة، مرئية، محكية، الخ) عن شعب أو فئة أو جماعة أو مهنة، فإن ذلك سيشكل ما أسمته (كروبسكايا)*1 بالنتوء المعرفي الذي تتراكم عليه الصور الافتراضية عن تلك الجماعة، فيتحكم بتصنيف ما يُطرح على المتلقي من أسماء مستقبلاً. وهذا ما سيشكل نمطية الحكم اللاحق المؤسس على الحكم المُسبق.

لقد شاهدنا في الأردن، أخواننا السوريين المهجرين أو المبتعدين بفعل الأحداث المؤلمة التي تجتاح القطر السوري الشقيق، وهم يحملون معهم أحكاماً مُسبقة كونوها عن أشقائهم الأردنيين، وقد لا يتكلموا بما ضُخ في رؤوسهم خلال سنين طويلة عن الصورة أو الصور التي كونوها عن الأردني، ولكن من خلال التعامل معهم ومراقبتهم تحس أنهم يقولون في داخلهم (أنتم شعب خانع، تقلون عنا جدية وقدرة على العمل، ونسبقكم ثقافياً، ونتخطاكم في كثير من الأشياء)، فإذا ما دعي أحد منهم لإكرامه رفض بكبرياء يلفها ذلك الشعور، وإذا ما افتتح أحدٌ منهم مصلحة كمطعم أو محل للبيع فإنه من اليسير اكتشاف مكنونات مشاعره.

هذه الصورة وأمثالها موجودة عند كل عربي تجاه الآخر، فللسعودي صورة مسبقة في أذهان الأردنيين، وللمصري صورة مسبقة في أذهان الخليجيين، وهكذا.

هذه الحالة لا تقتصر على ما هو عابر للحدود القطرية، بل تتجسد بسهولة في كل مجتمع محلي ليكون صورة مسبقة عن الآخرين، فابن العشيرة الفلانية يمتاز بكذا وكذا، والتاجر يمتاز بالتحايل وحلاوة اللسان ليصطاد المغفلين، والصائغ يلعب بالوزن، والحداد الخ.

وتنتقل الصورة لتصل الى أركان النظم الحاكمة في البلدان العربية، فكل حاكم إداري لديه قائمة من بضعة مئات من أبناء منطقته، فإن كانت المناسبة تستدعي دعوتهم كلهم ليحضروا معارفهم ليعلنوا تأييدهم للنظام الحاكم، فإن الحاكم الإداري يأمر بذلك، وإذا كان الأمر يتطلب حضور عشرة أو عشرين، فإنه سيختارهم من بين المئات التي في درجه.

وقد يكون تصنيف الحاكم الإداري ومن يمده بتلك الأسماء صحيحاً أو قريباً من الصحة، ولكنه سيكون محكوما أولا وأخيراً بالهواجس الأمنية، فهم، أي من يعدون القوائم لا يريدون مفاجئات غير سارة للزائر الكبير، بتعليق محرج أو شكوى من فساد أو غيره.

ويحدث هذا الأمر بالاجتماعات الشعبية، حتى لو كانت عشائرية، فإن قوائم المدعوين محكوم عليها هي الأخرى بالنمطية، ففلان يتصدر عشيرته أو فخذاً منها فليدعى، فترى الممثلين عن عشائرهم يتكررون لسنوات طويلة.


(2)


يتفاخر الغرب علينا بأنه هو من أسس الديمقراطية، فيتكلمون عن اليونان والدولة الرومانية وغيرها، ويقولون هم من اخترع هذا النموذج، وبالرغم ما فيه من عيوب وثغرات تتمثل بسطوة المال والجاه والسيادة (حيث لم يكن للعبيد ولا الفلاحين ولا النساء حق الاقتراع)، ولسنا الآن بصدد مناقشة هذا الموضوع، فإن العرب قد سبقوا اليونان والرومان بمئات السنين في نموذج يُعد أكثر عدلاً وإنصافاً من النموذج الأوروبي.

لقد كان نظام (المِزْوَد)*2 هو النظام السائد في ممالك ( قتبان، وكمنهو، وغيرها من دول اليمن القديم)، حيث تنتخب كل عشيرة ممثلاً عنها، وتنتخب كل مهنة واحداً (صانعو السيوف، الصائغون، التجار الخ)، وينتخب كل أتباع ديانة أو عبادة (عَبَدة القمر، والشمس، وسهيل وغيرها) واحداً، حتى يصبح هؤلاء مجلسا يُسمى (مزود) وهو يقوم بسن القوانين وتعليقها على مسلات في مداخل المدن ليطلع المواطن والزائر عليها والالتزام بها، كما يقوم المزود باختيار الحاكم العام من بين أعضائه، ويبدله بشكل دوري أو متى اقتضت الحاجة.

يتفوق الغربيون علينا، بالاستفادة من التطور الجدلي في فكرهم ومعتقداتهم الفلسفية والمدنية، فهم لا زالوا يذكرون أقدم فلسفاتهم حتى لو كان المؤلف أو المفكر يضع موضوعه اليوم، فإنه لا يفتأ يذكر أرسطو وأفلاطون ويمر حتى يصل لأحدث ما كتبه مفكرون القرن العشرين. في حين، توقفت الجدلية في الحوار الفكري المكتوب، منذ انتهاء عصر المعتزلة في القرن الخامس الهجري. بل قليلون من يعترفوا بجهود الفلاسفة العرب والمسلمين، وإذا ذكرها أحد المفكرين فإنه يذكرها باقتضاب ودون أن يحاول التطوير عليها بشكل جدي.

أما النماذج القديمة في إدارة الحكم في دول جنوب الجزيرة العربية، فتكاد تختفي من أدبيات الكُتاب والمفكرين، حتى أولئك الذين ينشدون المزاوجة بين التراث والحداثة.

(3)

لكل مواطن عربي رقمٌ وطني وهو كرقم (الشاصي) لا يمكن أن يحمله اثنان. ماذا لو أجرينا تطويراً للتجربة اليمنية القديمة (المزود)؟. ولنجعل المرشح لأي مركز يقوم باختيار ناخبيه وليس العكس؟

لو أخذنا تجمعاً سكانياً أو قرية صغيرة سكانها لا يتعدون المائة نسمة، أي عدد من يحق لهم الاقتراع لا يزيدوا عن خمسين، وقام أحد المنبرين للعمل العام بإعداد قائمة بأسماء الناخبين وتوقيعاتهم عليها ومثبت بجانب كل واحد منهم الرقم الوطني، ويذهب به الى دائرة مشتركة في أقرب قرية أو مدينة ليودع هذه التفويضات لديها، وهكذا يفعل كل واحدٍ مع خمسين آخرين حتى تُغطى كامل البلاد، فلو كان هناك أمر يعني سكان منطقة من مائة ألف فيعني أننا سنطرح الأمر للمناقشة أمام ألفٍ من المفوضين (على أساس أن نصف السكان هم من الراشدين)، وهذا أمر قد يكون فيه صعوبة، فعلى المفوضين (الألف) أن يحضر أيٌ منهم خمسين تفويضاً من (الألف) المفوضين من كل البلدة، فيصبح لدينا عشرون مفوضاً عن البلدة، وهكذا حتى يتم تغطية البلاد، حتى لو كان سكانها مائة مليون نسمة. وتكون مدة التفويض أربع سنوات ويتم تجديد المفوضين أو تبديلهم من خلال سعي الراغبين في العمل العام الى ناخبيهم والتواصل والتشاور معهم.

إن هذه الفكرة فيما لو تم تطويرها والاستفاضة بشرحها ستحقق ما يلي:

1ـ ستكسر الاحتكار لنُخب مالية أو عشائرية أو سياسية، وتجعل كل المواطنين معنيين بالعمل العام.

2ـ ستربط كل مواطن بمفوض الخمسين لمتابعة قضاياه والاستماع لآرائه.

3ـ ستخفف من أعمال الإجرام والجنوح من خلال تسلسل اجتماعي يكون فيه كل الاختصاصات المستثمرة في التواصل الشعبي.

4ـ ستترك الحرية للمفوضين أن يسعوا ضمن دوائرهم بالتحرك إما مهنياً أو عقائدياً أو عشائرياً، وتمنعهم من التلاعب بالتفويضات، كون أن كل مواطن اختار رصف نفسه برصيفٍ واحد (إرادياً)، فإن كان ممن يتعاطون العمل الحزبي فعليه التبشير والتحرك والدعاية في أوساط معينة، وإن كان ممن ينشدون دعم مهنة أو نقابة أو حرفة أو هواية أو فن عليه التحرك ضمن ذلك وهكذا.

5ـ بعد ذلك سنجد في كل مدينة أو قصبة أو تجمع سكاني ما يشبه البرلمان الخاص أو المجلس المعني في شؤون مواطنيه. وعلى الجميع أن ينسى فكرة الفائدة الشخصية ـ حيث لا رواتب ولا مخصصات ـ بل هي من أجل الخدمة العامة التي لو تمت رعايتها بشكل جيد، فإنها ستطلق الإبداعات وتحاصر الفساد وتجتثه من جذوره، وستتعرف على أصحاب الكفاءات الصادقين لتضعهم في مراكز إدارة الدولة.


انتهى

هوامش
*1ـ تكنيك القراءة والمطالعة:كراسة سوفيتية قديمة بالعربي/ كتبتها كروبسكايا زوجة لينين، صدرت عن مؤسسات التواصل مع العالم في الخمسينات من القرن الماضي.
*2ـ يمكن مراجعة أي كتاب من الكتب التالية للاطلاع على التجربة: (العرب قبل الإسلام/ جورجي زيدان/ الجزء الأول القاهرة 1922)، (العرب قبل الإسلام/ محمد عرفة القاهرة 1995)؛ (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي دار العلم للملايين).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس