عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-05-2010, 11:25 PM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

غير أن الاستطراد وإعادة تكرار ما ذُكِرَ آنفًا قد يعيب القصيدة ويجعل من سيطرة اللاشعور عاملاً ليس في صالح النص ،هذا يتضح عند قراءةالبيت :
القيتها والحرف سنبلة ً فما
من حبّةٍ الا وسبعا تينع
الذي أراه أن هذا البيت هو شرح لبيت آخر:كالشمس أين يسير شرق يطلع
فهذا الشرق ليس محدودً بعدد ، كان التقييد بعد الإطلاق منقصًا من قيمته
اللامحدودة إلى قيمة –على علوها- فهي محدودة في نهاية الأمر،وهنا بلا شك كان
التناصّ مع الآية القرآنية "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئةحبة"
وعملاً بقوانين النسبة والتناسب يعود الحديث مرة أخرى إلى جمال هذه اللحظة ولواعجها وما يدور بها من أحداث مرة أخرى ،ولعل هذا بغية جعل مكونات هذه العملية الشاقة الجميلة في ذات الوقت أمام القارئ ليشعر بهذه المتعة الاستثنائية ، وهي أبيات تميل إلى المباشرة نسبيًا ، وينخفض فيها مستوى الرمزية لأن الشاعر –ربما – يريد أن يوضح الصورة بحيث لا تختفي في غابات الرمزية بما يعمي على القارئ فهم المراد منها ، وهذا يذكرني بما يقوم به المايسترو عندما يتحكم في الإيقاعات صعودًا وهبوطًا.
وهذا نلاحظه في هذه الأبيات :
في قطفها الابصار للافكار نا
فذةً برغم عمايةٍ قد
تمنعُ

فهنا نحن أمام واقع قريب من الحكمة العربية ، لكن من حق الشاعر أن ينتهج مثل هذا النهج حتى يكسر رتابة القصيدة من حيث الجو المسيطر عليها ، وليوجد تناسقًا من حيث الرمزية والمباشرة ،وليفتح الباب على تعدد التأويلات بقرائنها النصية.فقد تكون هذه الأفكار والتي نمّت بصيرة القارئ كالنافذة التي تبصر منها ما يدور حولك إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض الضبابات وهنا نجدنا أمام البيت المحوري أو المركزي للقصيدة ، وهو يبعد عن المعنى التقليدي ليصل إلى معان فلسفية أو شبه فلسفية ،حيث أن المحصلة النهائية لعملية القراءة قراءة الأفكار والمعاني وقراءة الحياة نفسها أن الإنسان لا يصل إلى المعرفة الكلية ،وأن ثمة ما يجهل يبقى احتماالاً واقعيًا ، فليس كل شيء يدركه العقل ،بل ستبقى أشياء قد لا تُفهم وتستعصي على هذه النفس وهذا ما استدعى استخدام الأداة قد المفيد ة للاحتمال.

فأتبع ضياء الاين يبحث وجهها
بملامح الطرقات حين
تُضيّعُ
هنا كان إضافة (أل )التعريف لظرف المكان في غاية الروعة لأنه جعل المكان الذي ينطلق منه الضوء مهما كان مجهولاً فإنه يعرّف بهذا الضوء أي كأن الضوء هو أداة تعريف المجهولات وهنا نكون أمام وابل من المعاني الفلسفية العبقرية التي لا تنتهي كما أن تعبير يبحث وجهها ..إلخ أعطتني انطباعًا تصويريًا بأننا أمام مشهد سينيمائي تقع فيه الضياء على جسم معتم فتنيره وتزيد به الصورة إشراقًا.

تمشي الى مدن الحروفِ فريدةً
عكازها وجعُ المسافةِ
يقطعُ
الله!الله! عبارة عبقرية للغاية ، ونتحول من هذه الصور المختلفة إلى صور أكثر إشراقًا عندما نتحرك في أغوار النفس وتتقاطع الصور المرئية مع غير المرئية ،تلك الأنوار هي الأفكار والرؤى الإنسانية إذ تصل إلى منطقة الوعي وتستحيل حقيقة (قصيدة-فكرة) حقيقية على الواقع بعد أن كانت صورة مختمرة في الذهن فحسب ، والنفس هي هذه المدن مدن الحروف ،ويأتي التعبير عكازها وجع المسافة يقطع عبقريًا في توظيف هذه الجزئيات المختلفة لتكون بناء رائعًا في الكيفية التي تنساب بها هذه الأفكار وكأن النفس تتكئ عليها كالعصا ، فتقطع آلام المسافة .إن التعبير عن الأفكار بأنها عكاز النفس وأنها تقطع وجع المسافة والمسافة هنا هي طول المدة التي يستغرقها الواحد في التفكير حتى تأتي هذه الحروف كمضادات للوجع بشكل نهائي .والتركيب ذاته عكازها وجع المسافة يقطع فيه عبقرية تتمثل في البيت الشعري المكون كله من عالم غير مرئي محسوس لا ملموس ،وهذا التميع في الصورة تكمن روعته في تعبيره عن حالة هي نفسها مميعة ، وهذا الاستخدام اللغوي وطريقة تشكيله وصياغته عبر عن هذه القدرة الفريدة على وصف أغوار النفس وما يعتمل فيها من وساوس وهواجس بشكل رائع غير مسبوق مبتكر
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس