عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-08-2009, 07:34 PM   #29
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

حمزة بن عبد المطلب
أسد الله و سيد الشهداء

كانت مكة تَغِط في نومها ، بعد يوم ملء بالسعي ، و بالكد ، و بالعبادة ، و باللهو..
و القرشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين … غير واحد هناك يَتَجافى عن المضجع جَنبَاه ، يأوي إلى فراشه مبكراً ، و يستريح ساعات قليلة ، ثم ينهض في شوق عظيم ، لأنه مع الله على موعد ، فَيَعمَد إلى مصلاه في حجرته ، و يظل يناجي ربه و يدعوه .. و كلما استيقظت زوجته إلى أزيز صدره الضارع و ابتهالاته الحارَّة الملِحَّة ، و أخذتها الشفقة عليه ، و دعته أن يرفق بنفسه ، و يأخذ حظه من النوم - يجيبها و دموع عينيه تسابق كلماته :
( لقد انقضى عهد النوم يا خديجة )…!!!
لم يكن أمره قد أرَّق قريش بعد و إن كان قد بدأ يشغل انتباهها ، فلقد كان حديث عهد بدعوته ، و كان يقول كلمته همساً و سراً .
كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جداً ..
و كان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب و الإجلال ، و يطوي جوانحه على شوق عظيم إلى الإيمان به و السير في قافلته المباركة ، لا يمنعه سوى مُواضعات العرف و البيئة ، و ضغوط التقاليد و الوراثة ، و التردد بين نداء الغروب و نداء الشروق .من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب .. عم النبي صلى الله عليه و سلَّم و أخوه من الرضاعة
* * *
كان " حمزة " يعرف عظمة ابن أخيه و كماله .. و كان على بينة من حقيقة أمره ، و جوهر خصاله ..فهو لا يعرفه معرفة العم بابن أخيه فحسب .. بل يعرفه معرفة الأخ و الصديق ، ذلك أن الرسول و حمزة من جيل واحد ، و سن متقاربة .. نشأا معاً ، و ولعبا معاً ، و تآخيا معاً ، و سارا معاً على الدرب من أوله خطوة خطوة ..و لئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق فأخذ " حمزة" يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة و إفساح مكان لنفسه بين زعماء مكة و سادات قريش .. بينما عكف " محمد " على أضواء روحه التي انطلقت تنير له طريق الله و على حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة التأمل العميق ، و إلى التهيؤ إلى مصافحة الحق و تلقِّيه ..
نقول : لئن كان شباب كل منهما قد اتَّخذ وجهة مغايرة ، فإن حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار فضائلُ تِربِهِ و ابن أخيه …
تلك الفضائل و المكارم التي كانت تحِلِّ صاحبها مكاناً علياً في أفئدة الناس كافةً ، و ترسم صورة واضحة لمستقبله العظيم .
في صبيحة ذلك اليوم خرج " حمزة " كعادته . و عند الكعبة وجد نفراً من أشراف قريش و سادتها فجلس معهم ، يستمع لما يقولون .. كانوا يتحدثون عن" محمد " ..و لأول مرَّة رآهم " حمزة " يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه و تظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد ، و الغيظ ، و المرارة . لقد كانوا من قبل لا يبالون ، أو هم يتظاهرون بعدم المبالاة و الاكتراث . أما اليوم فوجوههم تموج موجاً بالقلق ، و الهم ، والرغبة في الافتراس ..و ضحك " حمزة " من أحاديثهم طويلاً .. و رماهم بالمبالغة ، و سوء التقدير .. و عقَّب أبو جهل مؤكداً لجلسائه أن " حمزة " أكثر الناس علماً بخطر ما يدعو إليه " محمد " و لكنه يريد أن يهون من الأمر حتى تنام قريش ثم تصبح يوماً و قد ساء صباحها ، و ظهر أمر ابن أخيه عليها ..و مضوا في حديثهم يزمجرون و يتوعدون ..و " حمزة " يبتسم تارة ، و يمتعض تارة أخرى ، و حين انفضَّ الجمع و ذهب كل إلى سبيله ، كان " حمزة " مثقل الرأس بأفكار جديدة ،وخواطر جديدة .راح يستقبل بها أمر ابن أخيه ،ويناقشه مع نفسه من جديد !!!
* * * *
ومضت الأيام ،ينادي بعضها بعضاً و مع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول .. ثم تتحول الهمهمة إلى تحرُّش و " حمزة " يرقب الموقف من بعيد .. إن ثبات ابن أخيه ليَبهَرُه … و إن تفانيه في سبيل إيمانه و دعوته لَهُوَ شيء جديد على قريش كلها رغم ما عرُِفت به من تفانٍ و صمود ..!!
و لو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحداً عن نفسه في صدق الرسول و عظمة سجاياه فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد إلى وعي "حمزة"منفذاً أو سبيلاً..
فحمزة خير من يعرف محمداً من طفولته الباكرة ..إلى شبابه الطاهر ..إلى رجولته الأمينة السامقة..
إنه يعرفه كما يعرف نفسه ، بل أكثر مما يعرف نفسه . و منذ جاءا إلى الحياة معاً .. و ترعرعا معاً .. و بلغا أشُدَّهما معاً.. وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس ..!! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألَمَّت بهذه الحياة .. لا يذكر أنه رآه يوماً غاضباً ، أو قانطاً ، أو طامعاً ، أو لاهياً ،أو مهزوزاً ..
و " حمزة " لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب ، بل و برجاحة العقل ، و قوة الإرادة أيضاً ..
و من ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلَّف عن متابعة لإنسان يعرف فيه كل الصدق و كل الأمانة .. و هكذا طوى صدره إلى حين على أمر سيتكَشَّف في يوم قريب ..
* * *
و جاء اليوم الوعود ..
و خرج " حمزة " من داره ، متوشحاً قوسه ، ميمماً شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة ، و رياضته الأثيرة – الصيد .. و كان صاحب مهارة فائقة فيه..
و قضى هناك بعض يومه .. و لما عاد من قَنَصِه ، ذهب كعادته إلى الكعبة ليطوف بها قبل أن يَقفِل راجعاً إلى داره .
و قريباً من الكعبة لقيته خادمة لعبد الله بن جدعان …
و لم تكد تبصره حتى قالت له :
[ يا أبا عمارة .. لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً ، من أبي الحكم بن هشام .. وَجَدَهُ هناك جالساً ، فآذاه و سبَّه ، و بلغ منه ما يكره ]..
و مضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله ..
و استمع حمزة جيداً لقولها ، ثم أطرق لحظة ، ثم مدَّ يده إلى قوسه فَثَبَّتها فوق كتفه ..ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الكعبة ، راجياً أن يلتقي عندها بأبي جهل .. فإن هو لم يجده هناك ، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه ..
و لكنه لا يكاد يبلغ الكعبة ، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسطه نفراً من سادة قريش ..و في هدوء رهيب ، تقدَّم " حمزة " من أبي جهل ، ثم استل سيفه و هوى بها على رأس أبي جهل فَشَجَّهُ و أدماه ، و قبل أن يفيق الجالسون من الدهشة صاح حمزة في أبي جهل :
[ أتشتم محمدأً ، و أنا على دينه أقول ما يقول..؟! ألا فَرُدَّ ذلك عليَّ إن استطعت ].. و في لحظة نسي الجالسون جميعاً الإهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل و الدم الذي ينزف من رأسه و شغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم كالصاعقة .. الكلمة التي أعلن بها " حمزة " أنه على دين محمد يرى ما يراه ، و يقول ما يقوله ..
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس