عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-07-2023, 07:14 AM   #4
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,992
إفتراضي

"لم يذكر الله تعالى الترف إلا مقرونا بالشر فإنه عندما ذكر الله تعالى عذاب الأخرة قرنه بالترف في قوله بعد ما ذكر أصحاب الشمال ( أنهم كانوا قبل ذلك مترفين ) وذكر أيضا عذاب الدنيا وقرنه بالترف عندما قال " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وأرجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم وقال " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون " وذكر الله سبحانه وتعالى شيوع العذاب بحيث يعم البريء وغيرهم وذكر أن منشأة المترفين فقد قال اله تعالى " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " وذكر تكذيب المرسلين فبين أنه كثيرا ما ينشأ عن الترف
من مساوي الترف
من ذلك قوله سبحانه " وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأثرفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشرا مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون " وقال عزوجل " وكذلك ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون " وذكر معارضة المصلحين الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فبين أنها أيضا ينشأ عن الترف وتصدر عن المترفين عندما قال " فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية يذهبون عن الفساد في الأرض لإلا قليل فمن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين " فإذن الترف هو مصدر البلاء على الناس ولذلك عندما فتح المسلمون بلاد الفرس كان من نصيحة عمر بن الخطاب لهم أن يبتعدوا كل البعد عن الترف وعن التأثر فيما كان عليه الفرس من قبل "
وحكى الرجل حكاية تبين أن المسلمين الأوائل كانت مهمتهم اخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد فقال :
"كلمة قالها أحد القادة الإسلاميين في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان المسلمون يكتسحون الممالك الكسراوية الفارسية قال هذه الكلمة لرستم القائد الفارسي وهو ربيعي بن عامر رضي الله عنه عندما قالله رستم مالذي جاء بكم فرد عليه بقوله إن الله قد ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها وفي رواية أخرى ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة
وكانت المحاضرة بأسرها تدور حول قوله " إن الله قد ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده العباد إلى عبادة الله " فإن من المعلوم أمن أولئك الفرس الذين وقعوا تحت نير الجبارين من الأكاسرة كانوا يجلون أولئك ويعظموهم ويقدسونهم ويعظمونهم تعظيما لا يليق إلا بمقام الألوهية ولا أعجب أيضا من قوله ( من جور الأديان إلى عدل الإسلام ) فإن والحديث عن النبي صلى اله عليه وسلم يقول " موضع صوت أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها" فلا يستغرب أن يقول ربيعي بن عامر مثل هذا ولكن كيف يقول له " من ضيق الدنيا إلى سعتها مع أن أولئك العرب الفاتحين الأولين جاءوا من هذه الجزيرة العربية القاحلة الجرداء في وقت لم يكن فيه يتدفق شيئا من النفط يتفيأون ظلال هذا النعيم الذي يتفيأونه الآن في ذلك الوقت إنما كان العربي يخرج من جزيرة العرب إلا ماشيا على قدميه حافيتين وربما راكب على ظهر ناقته ليقطع هذه المسافات الطويلة تحت لفح الشمس اللاهب وقال هذه الكلمة لو وضعت على البحر لتبخر ولو وضعت على الجبال لدكت قال نعم إن ربعي بن عامر ما كان ينظر إلى ما كان عليه الفرس من النعيم والترف إلا نظرة التقزز والاستهزاء ولم يجلب لسان ولم يسل لعابه على ما يشاهد من نظرة الحضارة عندما جاء إلى رستم ووجد الكراسي الذهبيه مصفقة وقد فرش رستم ببساطة الذهبي المحلى بالأحجار الكريمة وصففت النمارق فما كان من ربعي بن عامر إلا أن جاء وربط جواده ببعض تلك النمارق ثم جلس بجنب رستم وعندما سأله رستم ما لذي جاء بكم ؟ رد عليه بهذا الرد فلم يتجلب لسانه ولم يسيل لعابه على ما شاهد قال بأنه كان ينظر إلى رستم وإلى من حول رستم كما ينظر أحدنا إلى الكلب المربوط بالسلسلة الذهبية الذي يأكل في آنية الذهب والفضة
ومع ذلك كان لا يمكنه أن يأكل أو يشرب إلا مع أغنية وقال إن العرب الذين خرجوا من الجزيرة العربية كان أحدهم يشرب الماء يكفيه ويأكل وهو على ظهر جواده أو ظهر راحلته ويطوي هذه المسافات تحت لفح الشمس من غير أن يجد ظلا كان هو المتحرر من أمثال هذه الأشياء فهو جدير بأن ينقل هذه السعة التي فيها وعليها هؤلاء الفرس "
وتحدث عن انحراف الناس عن الإسلام فيما بعد حيث عادوا لعبادة العباد فقال :
"ولكن بعد ذلك تساءل هل المحاضر هل ثبتت العرب على مثل هذه الحالة وهل المسلمون الآن على ما كان عليه سلهم وجه السؤال إلى ما كان حضر هذه المحاضرة من رجال الدولة ومن رجال التربية وغيرهم وقال منكر اليوم يستطيع أن يقف أمام أوروبي أو قام أمريكي ليقول له ( إن الله قد ابتعثنا لنخرجكم من الضيق الذي أنتم عليه إلى السعة التي نحن فيها مع أن كل واحد منكم يحرص كل الحرص أن يجمع أنماطا من حياة الترف بحيث لا يدخر وسعا في تعويد نفسه وتربية أولاده على مظاهر الترف في الحياة الدنيا فعندما يسمع عن نوع جديد من السيارات يذهب إلى البنوك ليقترض القروض الربوية من أجل توفير سيارة ضخمة من هذا الطراز الجديد المستورد وكذلك يحرص على أن يبني بيته بتصميم من التصميمات المستخدمة الجديدة وأن يزوده بأحسن الأثاث ولا يبالي بعد ذلك أن تتراكم القروض الربوية وتتراكم الديون على عنقه وتنمو هذه الديون بطريقة ربوية شيئا فشيئا قال إذن لا يوجد الآن من يستطيع أن يتحدى أمة الكفر يقف أمامهم ويقول هذه الكلمة ( إن الله قد ابتعثنا لنخرجكم من الضيق الذي أنتم فيه وعليه إلى السعة التي نحن فيها "
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس