عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-08-2014, 02:22 PM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العمل الجماهيري


في كل مجال تدريسي نظري، يرافقه مجال عملي، دروس الفيزياء والكيمياء في قاعات المحاضرات، يتبعها أو يحاذيها دروس تطبيقية في المختبرات، وكذلك الهندسة والطب والزراعة الخ.

في السياسة، والعمل الحزبي، وكما أسلفنا، فإن كل الأحزاب تتطهر وتسوق نفسها كملائكة للرحمة، وقد اختبر المواطن العربي ذلك طيلة أكثر من قرن من الزمان. لم يعد المواطن يكترث للكلام النظري والشعارات، ولم يعد المواطن مدافعاً عن أي نظام حكم عربي، أو حتى حزب سياسي، استلم الحكم أم لم يستلم.

(1)

تسعى الأحزاب السياسية للوصول الى السلطة، من خلال تعريف (منحوت) للحزب بأنه جماعة دعائية مصطنعة دائمة تسعى لاستلام الحكم. في حين تكون المنظمات الجماهيرية، أو الشعبية، وأحياناً يُطلق عليها منظمات المجتمع المدني، وهو استخدام يحتاج الى مزيد من التفصيل ـ لسنا بصدده ـ، الى تنفيذ خطة معينة، قد تكون آتية من حزب بعينه، أو مجموعة أحزاب متفاهمة، أو أشخاص فُرادى ليس لهم علاقات حزبية، أو من حزبيين لم يأخذوا أوامر تحركهم من أحزابهم، لإتمام مسألة معينة في منطقة معينة.

وتتفاوت أهداف خطط ومشاريع العمل الجماهيري، من حيث مناسبتها، أو تصنيفها، فقد يتنادى أشخاص لتنظيف مدينة من القاذورات، وتنتهي حملتهم وتجمعهم بانتهاء الهدف، أو ينذر مجموعة من الأشخاص لمكافحة الأمية في قرية ما، أو يتنادى مجموعة من الشخصيات المحلية لمعالجة تسكع الشباب أمام مدارس البنات ومضايقتهن، بعد أن ينسقوا مع الجهات الأمنية المختلفة.

وأحياناً تأخذ مشاريع العمل الجماهيري طابعاً تنموياً، كأن يبادر أبناء تنظيمات حزبية ببناء قرى للعمال (مشاريع حدثت في أوائل السبعينات بالعراق). أو تقوم نقابة الأطباء مثلاً بفتح عيادات شعبية بأجور زهيدة جداً واعتبار التبرع بالقيام بهذا الواجب جزء من النضال الوطني.

وقد تبادر مجموعة معينة من اتحاد الشباب الوطني بالمشاركة بأعمال حصاد العدس والقمح، أو تنظيف منطقة أثرية، كما حدث في منظمة اتحاد شباب الأردن عندما شاركت في حصاد العدس في منطقة (عمراوة ـ شمال الأردن) وتنظيف منطقة آثار (أم قيس) وذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي.

قد تستحسن القيادات الحزبية أعمالاً شعبية مثل تلك، وتدرجها في تقاريرها وكأنها إنجازات قامت بها هي، في حين تكون هي مبادرات منفصلة عن الإرادات الحزبية.

(2)


لا يُحب أكثر الناس العمل، ولا الحديث الطويل، ولا الرياضيات والبراهين والقوانين، وقد يكون طلبهم للعلم ليس حباً بالعلم بل هو رغبتهم بالابتعاد عن العمل، والكثير من الناس يجيب على سؤال لما تُعلِّم ابنك؟ فيقول: لا أريده أن يشقى مثلي في العمل، أي أريده أن يكون مُشرفاً ومديراً على أناس يعملون!

وقد فضحت السنوات الأخيرة تلك الخصلة أي كره العمل عند كل شعوب الأرض، ولم تشذ شعوبنا عن تلك القاعدة، فقد وقع الناس في الأردن وفي دول الخليج ضحايا لعمليات نصب واحتيال كبيرة وصلت قيمتها عدة مليارات الدولارات، بحجة الاستثمار بالبورصة والأسهم ذات المردود العالي! فباعت النساء مصاغها الذهبي، وباع الرجال بعض ممتلكاتهم أو معظمها وسلموا أثمانها لأشخاص ومكاتب وشركات وعدتهم بأرباح تصل الى 25% بالشهر! وصدَّقوا ذلك، ولم تزل قضايا عمليات النصب تلك مستمرة منذ ست أو سبع سنوات.

في السياسة قد تلجأ أحزابٌ وحكومات لمثل ذلك، مستلهمةً الخاصية البشرية في تسهيل الأمور والحصول على مكاسب سريعة دون عناء، فكانت بعض الأحزاب الشيوعية والقومية تلجأ لإرسال الطلاب للدراسة في الجامعات العربية أو الشيوعية، فيعلن الطلاب وحتى ذويهم إيمانهم المطلق! بالفكر الذي تلتزم به الدول صاحبة الجامعة! وما هي إلا سنوات قليلة حتى يتخرج هؤلاء الطلاب ويستنكفون من تلك الأحزاب أمام دوائر المخابرات العربية، أو أنهم ينخرطون في العمل المخابراتي أثناء دراستهم في تلك الجامعات، وربما قبل ذلك!

وتستغل هيئات حزبية أو مستقلة، تلك الخاصية في الانتخابات البلدية والبرلمانية وربما الرئاسية، في شراء ذمم الناخبين، كون تلك الجهات تعرف ضحالة الولاء والفهم السياسي لدى جمهور الناخبين، فهو لا يؤمن لا بالوحدة ولا بالحرية ولا بالعدل ولا بشيء أو أن تلك المسائل لا تؤرقه، ولكنه يؤمن بالمنفعة الآنية من عملية التصويت، فلذلك تنخفض نسب التصويت في كل مناطق العالم لعدم الاقتناع بكل العملية، ويذهب للاقتراع من يوالي حزباً أو طائفة أو عشيرة، ومن استلم ثمن صوته وهم يفوقوا الأصناف الأخرى!

(3)

وعندما تصدق النية في العمل الجماهيري، فإنه يؤدي دوراً ممتازاً في تحقيق العدالة ويُبعد الناس عن التفكير بالعنف والقتل والتفجير والتكفير وغيره، فقد تسقط حكومات وأنظمة، إذا تم ربط العمل الجماهيري بالعمل السياسي، كأن يتم الإضراب عند المعلمين والممرضين وعمال قطاع الكهرباء وإسالة المياه، ويبقى الإضراب قائماً حتى يتغير الدستور أو الحكومة أو يتنحى رئيس الجمهورية.

لكن هل يتنادى الناس هكذا للعصيان المدني؟ أم هل تكون وسائل التواصل الإلكتروني هي البديل عن التنظيمات الحزبية، وتؤدي دورها أم أدوارها؟ وهل هو مضمون هذا اللون من التواصل في العمل السياسي، أم أنه يصبح عرضة للسرقة؟

يعني, هل يستسلم العرب لفشل جهودهم بالتغيير المدني الحديث؟ أم أن التغيير المُسلح وما يرافقه من دماء وزهق أرواح وتخريب منشآت البلاد واقتصادها وتهديد السلم المدني هو الطريق البديل الناجح؟! أم أن هناك أسلوب لم نتدرب عليه جيداً، أو لم نستخدمه لحد الآن, أو أننا استخدمناه ولكن بطريقة مغلوطة؟ وما هو دور المسئول الحزبي في ذلك الأسلوب المُستتر؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس