عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-05-2020, 08:14 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,950
إفتراضي قراءة فى كتاب الشمس في نصف الليل

قراءة فى كتاب الشمس في نصف الليل
الكتاب تأليف تقي الدين الهلالي والرجل يحكى لنا حكايته مع بلاد الثلج وقصر النهار وطول الليل وانعدام أحدهما فى بعض بلاد الأرض فيقول:
"كنت قرأت منذ زمن طويل أخبار القبائل التي تسمى (إسكمو) وأحوال معيشتهم، ومساكنهم وأسفارهم وحالة الجو في بلادهم، وذلك معروف في كتب الجغرافية، والذي يهمنا هنا من أخبار الأراضي القطبية ما شاع أن السنة عندهم يوم واحد، نهار وليلة، ستة أشهر للنهار، وستة أشهر لليل ولم أؤمل قط أن أرى تلك الأراضي، لما قرأته من شدة البرد وتراكم الثلوج هناك، وأنهم يلجئون إلى لبس الجلود والاختباء في بيوت يحيط بها الثلج من كل جانب، إلى غير ذلك من الأخبار وفي صيف سنة 1936اجتمعت بالدكتور/ زين العابدين خير الله الحلبي وكان أستاذا في مستشفى الأمراض الخاصة بالنساء في جامعة مار بورك بألمانيا، فأخبرني أن الأراضي القطبية واسعة، وليست محصورة في الأراضي التي يسكنها قبائل (إسكمو) وأنه هو نفسه زار الأراضي القطبية في شمال النرويج، وأن سكانها متمدنون، وأنه أقام هناك نحو اثني عشر يوما لم ير فيها ظلمة ولا ليلا، بل كلها كانت نهارا ومن ذلك الحين عزمت على زيارة هذه الأراضي في أقرب وقت ممكن فلما أشرفت السنة الدراسية على نهايتها ذهبت إلى السفارة النرويجية في الرباط، وسألتها عن الأراضي القطبية التي لا تغيب فيها الشمس بضعة أشهر، فأخبروني أن الأمر كذلك، وأن هناك نواحي تابعة للحكومة النرويجية تبقى الشمس فيها مشرقة مدة ثلاثة أشهر من أول مايو (أيار) إلى آخر يوليو (تموز) فتأهبت للرحلة وتوجهت من مكناس في سيارتي يسوقها الحاج أحمد هارون في اليوم الثاني من يوليو، وسرنا متوكلين على الله من مكناس إلى تطوان، ثم عبرنا البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، ثم سرنا عبر إسبانيا ففرنسا فألمانيا، فالدانمارك، فالسويد فالنرويج، وتركنا السيارة في مدينة (أوسلو) عاصمة النرويج، وركبنا القطار والسيارات مدة يومين، فوصلنا مدينة (ناروك)، وشاهدنا الشمس مشرقة مدة أربعة وعشرين ساعة
أوقات الصلاة في الأراضي القطبية كنت عازما قبل أن أصل إلى تلك البلاد أن أصلي خمس صلوات في مدة اثنتي عشر ساعة، ثم أترك الصلاة اثنتي عشر ساعة، فتكون خمس صلوات في أربع وعشرين ساعة فلما وصلت إلى تلك البلاد تغير رأيي، وظهر لي أن تتبع أوقات الصلاة في تلك البلاد الأراضي الجنوبية من البلاد النرويجية، فيصلي المصلي صلاة الصبح وقت طلوع الفجر في الجنوب، ويصلي الظهر حين تزول الشمس في الجنوب، وهكذا الشأن في جميع الصلوات، بناء على قاعدة: "ما قرب من الشيء يعطي حكمه"، وكذلك يفعل الصائم في رمضان إذا جاء في وقت الشمس، أو في وقت الظلام"

هذه حكاية الرجل مع الليل والشمس وقد أظهر حكما فى المسألة وهو ما قرب من الشيء يعطي حكمه وهى قاعدة لا دليل عليها فمثلا ال،عام التى تعيس بالقرب من الخنازير لا تعطى حكم الخنازير والحى الذى يسكن بجوار الأموات لا يعطى حكم الموتى والذى يعيش فى جزيرة أو أرض بالقرب من البحر أو النهر لا يعطى حكم الحياة فى الماء والذى يتواجد فى الكعبة من الكفار لا يعطى حكم المسلم مع أنهما فى مكان واحد قبل منع الكفار من دخول الكعبة كما قال تعالى "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله"
القرب الزمانى او المكانى لا يوحد الحكم
وقد طرح تقى الدين السؤال التالى وأجاب عليه فقال :
"هل في الأراضي القطبية فصول؟
ينبغي أن يعلم أن في تلك البلاد ما يشبه الفصول الأربعة، وقد تقدم أن الشمس تستمر مشرقة من أول مايو (أيار) إلى آخر يوليو (تموز) ثم تغيب غيابا جزئيا في أول غشت (آب) في كل يوم تبقى غائبة أكثر من اليوم الذي قبله، فيكون الليل قصيرا والنهار طويلا، ولا يزال الأمر كذلك، يزداد الليل طولا والنهار قصرا إلى آخر أكتوبر (تشرين الثاني) فتغيب الشمس وتبقى ثلاثة أشهر غائبة وفي أول فبراير (شباط) تطلع الشمس، ثم لا تلبث أن تغيب، فيكون النهار قصيرا والليل طويلا، ولا يزال النهار يطول، والليل يقصر إلى آخر إبريل (نيسان) ثم ينعدم الليل فهذه مدد تشبه الفصول الأربعة في البلاد التي يكون فيها الليل والنهار طول السنة وقد عرفنا حكم أوقات الصلاة في الأشهر الثلاثة الشمسية، ومثلها الأشهر الثلاثة المظلمة بقي حكم أوقات الصلاة في ربيع تلك البلاد وخريفها، وهما مدتان، يكون فيهما ليل جزئي ونهار جزئي، فكيف الحكم في أوقات الصلاة والصيام؟
لا يمكن أن نفكر في هذه المسألة ثم نبدي رأينا فيها إلا إذا أحطنا علما بليلها ونهارها، كيف يطول وكيف يقصر، فالليلة الأولى بعد انتهاء مدة الشمس، وهي أول ليلة من غشت (آب) كم طولها؟ فإذا كان طولها نصف ساعة أو أقل، فهل يحكم عليها بأنها ليلة تصلى فيها المغرب والعشاء والصبح عند نهايتها، ويفطر الصائم ويتسحر فيها، ويصوم نهارها، ويصلي الظهر والعصر في وسطه، أم يستمر على اعتبار توقيت العاصمة ( أوسلو) ويعتبر الليل ليلا، والنهار نهارا؟ وما مقدار الساعات التي يبلغها الليل طولا حتى يعتبر أنه ليل، وإذا مضى أكثر الأشهر الثلاثة وقصر النهار جدا يعود السؤال نفسه وهكذا يقال في المدة الثانية التي تبتدئ من شهر فبراير (شباط) وتنتهي في آخر إبريل (نيسان)"

الغريب فى الفقرة من عالم أصول الدين هو اعتقاده بوجود سنة شمسية مع أن كتاب الله جعلها سنة واحدة لا ثانى لها وهى القمرية فقال :
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم"
والغريب أن يقول الرجل فى الفقرة:
"فإن قيل: أنت أول من بدأ هذا البحث، فعليك أن تجيب عن أسئلتك، وتبدي رأيك؟ قلت: يمنعني من ذلك أنني من أهل الحديث المتبعين للسلف الصالح المتجنبين للرأي، المعتبرينه كالميتة لا يجوز الأكل منها إلا بقدر الضرورة فما نزل من المسائل وتحقق وقوعه، وسئلنا عنه أفتينا فيه بالرأي قائلين: إن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمنا، والله بريء منه، كما قال عبد الله بن مسعود"
الرجل هنا يزعم كونه أول من طرح المسألة مع ان المثل الشعبى معروف منذ عصور طويلة وهو :
"سأريك النجوم فى عز الظهر"
وقد وردت المسألة فى العديد من الكتب القديمة ويحضرنى منها رحلة بن فضلان ومنها قوله:
" قال: ودخلت أنا وخياط كان للملك من أهل بغداد قد وقع إلى تلك الناحية قبتي لنتحدث فتحدثنا بمقدار ما يقرأ إنسان أقل من نصف سبع ونحن ننتظر أذان العتمة فإذا بالأذان فخرجنا من القبة وقد طلع الفجر فقلت للمؤذن :أي شيء أذنت قال: أذان الفجر قلت: فالعشاء الآخرة قال: نصليها مع المغرب قلت: فالليل قال: كما ترى وقد كان أقصر من هذا إلا أنه قد أخذ في الطول وذكر أنه منذ شهر ما نام خوفا أن تفوته صلاة الغداة وذلك أن الإنسان يجعل القدر على النار وقت المغرب ثم يصلي الغداة وما آن لها أن تنضج.
قال: ورأيت النهار عندهم طويلاً جداً وإذا أنه يطول عندهم مدة من السنة ويقصر الليل ثم يطول الليل ويقصر النهار فلما كانت الليلة الثانية جلست خارج القبة وراقبت السماء فلم أر من الكواكب إلا عدداً يسيراً ظننت أنه نحو الخمسة عشر كوكباً متفرقة وإذا الشفق الأحمر الذي قبل المغرب لا يغيب بتةً وإذا الليل قليل الظلمة يعرف الرجل الرجل فيه من أكثر من غلوة سهم.
قال: ورأيت القمر لا يتوسط السماء بل يطلع في أرجائها ساعة ثم يطلع الفجر فيغيب القمر وحدثني الملك أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوم يقال لهم ويسو الليل عندهم أقل من ساعة قال: ورأيت البلد عند طلوع الشمس يحمره كل شيء فيه من الأرض والجبال وكل شيء ينظر الإنسان إليه حين تطلع الشمس كأنها غمامة كبرى فلا تزال الحمرة كذلك حتى تتكبد السماء وعرفني أهل البلد أنه إذا كان الشتاء عاد الليل في طول النهار وعاد النهار في قصر الليل حتى إن الرجل منا ليخرج إلى موضع يقال له إتل بيننا وبينه أقل من مسيرة فرسخ وقت طلوع الفجر فلا يبلغه إلى العتمة إلى وقت طلوع الكواكب كلها حتى تطبق السماء فما برحنا من البلد حتى امتد الليل وقصر النهار."
ومع ـن الرجل فى الفقرة أعلن أنه لا يفتى برأيه فقد أفتى فقال :
"أما مدة الشمس فقد وجب علينا أن نجتهد في حكم أوقات الصلاة فيها، لأن ذلك وقع ونزل، وقسنا عليه مدة الظلام، لأنهما سواء أما المدتان الأخريان فندعهما حتى يحتاج بعض المسلمين إلى معرفة الحكم، فييسر الله له من يفتيه وقد كان السلف الصالح، إذا سئل أحدهم عن مسألة استحلف السائل بالله، أنها وقعت، فإن حلف له أفتى فيها برأيه، وإلا قال: دعها إذا نزلت ييسر الله لها من يفتي فيها وما زعمه بعض المتقدمين من أن بلاد بلغار يقصر فيها الليل والنهار جدا وهم، وقد لاحظت أن الليلة الأخيرة التي مضت قبل وصولنا إلى بلاد الشمس في نصف الليل، كما يسمونها، لم تكن مظلمة، حتى أني مع ضعف بصري، وأنا راكب في السيارة كنت أرى الأشجار، وأغصانها ولا توجد ظلمة أصلا، إلا أن الشمس مختفية، ومن حين يتوسط الإنسان بلاد النرويج متوجها من الجنوب إلى الشمال تقل ظلمة الليل شيئا فشيئا حتى تنعدم بانعدام الليل نفسه فسبحان الخلاق العليم
ولاحظت أيضا: كما لاحظ من معي أن الشمس في نصف الليل تكون قريبة من الأرض كأنها تريد أن تغيب، لكنها لا تغيب، بل تأخذ في الارتفاع وتدور في السماء، فتشكل دائرة من نصف الليل إلى نصف الليل قال الله تعالى في سورة الحج: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فأخبر سبحانه وتعالى أن السير في الأرض يزيد في العقل والعلم المكتسب بالتجارب،
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس