عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-11-2007, 12:02 AM   #1
الفارس
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: مصـر
المشاركات: 6,964
إفتراضي الملك فاروق.. ضحية التوريث, ومصر ضحيته :: أ.د.محمد المهدى

التوريث مقابل الحب


كان الملك فؤاد يقترب من العقد السادس من عمره وليس لديه وريث للعرش, وبما أن غريزتي التملك والخلود هما من أقوى الغرائز في هذا السن (تسبقهما غريزتي الجنس والعدوان في مراحل المراهقة والشباب), فإنه كان يتطلع إلى إنجاب مولود ذكر يضع مصر بأهلها بين يديه, لذلك تزوج نازلي وهي فتاة مصرية من أسرة عريقة وكانت مرتبطة بعلاقة عاطفية مع أحد أقربائها لذلك كان الزواج قهريا ضد إرادتها وتم في 24 مايو 1919 لتلد فاروق يوم 11 فبراير 1920.

ولم يكن فاروق بالنسبة لفؤاد ولدا يسعد به ويدلله على أنه جاء على كبر وأنه ذكر جاء بعد أربعة أخوات له, وإنما كان مشروعا للتوريث, والدليل على ذلك أن فؤاد لم يكن مهتما بمداعبته أو تدليله بل وحرم أمه نفسها منه فترات طويلة وعهد بتربيته إلى مربيتين إحداهما أيرلندية والأخرى إنجليزية. وكانت المربية الإنجليزية "مسز تايلور" هي التي تمسك بزمام الأمور في كل ما يخص الطفل فاروق وكانت امرأة قوية وحازمة ومتسلطة, واتسمت معاملتها مع فاروق بالقسوة, فكانت تطبق عليه أقصى العقوبات على أقل الأخطاء, وكان فؤاد يشجعها على ذلك ويكافئها عليه.

وربما يستغرب بعضنا هذا السلوك من أب يقترب من السبعين تجاه طفل ذكر جاء بعد شوق طويل إليه, ولكن فؤاد كان يبالغ في قسوته وشدته نحو فاروق كرد فعل لرغبته في تدليله ولخوفه من التورط هو وأمه في هذا التدليل, في حين هو يريده أن يبلغ مبلغ الرجال سريعا حتى يكون قادرا على تسلم التركة (مصر ومن عليها), وكان فؤاد يستشعر قرب الأجل ويعرف أنه ربما لا يعيش حتى يبلغ فاروق سن الرشد فكان متعجلا في أن يجعل منه رجلا قبل الأوان.

وقد ترك هذا النموذج التربوي المتشدد والمتعجل آثارا عديدة في نفس فاروق ظهرت بعضها في طفولته وظهرت بقيتها في مراحل مختلفة من حياته, فهو قد حرم استشعار حنان الأب, وحرم أيضا حنان الأم, فالأب مشغول بقضية التوريث وهي بالنسبة له في ظروفه أهم لديه من تبادل مشاعر الأبوة مع ولده, وقد يكون لديه الحنان الفطري الأبوي تجاه ابنه ولكنه كان حريصا على إخفائه وإبداء عكسه كي يعد ابنه للمهمة الصعبة التي تنتظره, خاصة وأن فؤاد نفسه كان يجد صعوبة في التوفيق بين متطلبات الشعب ومتطلبات الأحزاب ومتطلبات الإنجليز ومتطلباته هو وأسرته, أما الأم نازلي فكانت تعيسة في زواجها حيث تزوجت ضد رغبتها وتركت حبيبها, وزوجها رجل طاعن في السن, مضطرب المزاج, مقامر مزمن (أطلق عليه وحيد باشا سيف أخو زوجته الأولى شويكار النار بسبب انغماسه في لعب القمار واضطراب سلوكه مع شويكار), وإهماله لها ولاحتياجاتها وربما احتقاره لها كمصرية (رغم انتمائها لأسرة بها أكثر من باشا).

هذه التعاسة التي كانت تعيشها الملكة نازلي مع زوجها الملك فؤاد جعلتها في حالة نفسية سيئة تحول بينها وبين أن تعطي ابنها المشاعر الأمومية المطلوبة, خاصة وأن المرأة حيت تكون تعيسة مع زوجها أحيانا ما تسقط مشاعرها السلبية نحو ابنها منه وترى فيه صورة من أبيه الذي تبغضه, علاوة على ذلك فإن الملك فؤاد لم يمكن نازلي من تربية فاروق, وكأنه كان يرى أنها بجنسيتها المصرية غير جديرة بتربية ملك المستقبل. وفي هذا الجو حرم فاروق من الحنان رغم الاحتفاء الرسمي والشعبي غير المسبوق بمولده, فقد عاش في قصور باردة خالية من الحب تحت قبضة مربية تعرف أن قسوتها شيء يباركه ولي نعمتها ووالد الطفل, وأم مشغولة بمشكلاتها النفسية واحتياجاتها المحبطة وشبابها المدفون.

وكانت مسز تايلور تمنع فاروق من اللعب مع أقرانه من الأطفال حتى ولو كانوا من أبناء الأمراء أو الباشوات, لدرجة أن المندوب السامي البريطاني كان ينتقد هذا الأسلوب في التربية ويحذر من عواقبه, وكان فاروق يستغل أي لحظة غفلة لمسز تايلور ليتسلل إلى الخدم ويجد لديهم ما يفتقده في حياته الجافة والصارمة, وقد عاش فاروق في هذا الجو الصارم حتى بلغ اثني عشرة سنة ينتقل من قصر إلى قصر لا يرى غير مربياته وأخواته فوزيه وفايزه وفايقه وفتحيه.

وفي هذا السن بدأت علامات التمرد على هذا النظام التربوي تظهر على فاروق, وكان أول تلك العلامات رغبته الشديدة في الأكل (كتعويض عن حب مفقود واحتياجات محبطة) وظهر استعداده للسمنة فانتبه له مربوه ووضعوا له نظاما غذائيا صارما, ثم ظهر ولعه باللهجة العامية المصرية تعلمها من أمه ومن الخدم واستوعب التعبيرات المصرية وأطلق النكات والقفشات مما أضفى عليه روحا مرحة, وكان شغوفا بانتهاك البروتوكولات الملكية في كثير من أمور حياته وهذا ما جعل المصريين يحبونه في بداياته على أنهم رأوا فيه شخصا متواضعا يتحدث لغتهم ويحاول الاقتراب منهم.

ولم ينل فاروق حظا وافرا من التعليم في مصر على الرغم من تعيين عدد من المعلمين الأكفاء له, فلم يتمكن من إجادة اللغة العربية الفصحى, ولكنه تعلم الإنجليزية والفرنسية بدرجة ما.
وحين بلغ الخامسة عشرة من عمره أرسله والده لانجلترا لاستكمال دراسته تحت إلحاح من المندوب السامي البريطاني والذي عين له أحمد حسنين مرشدا ورائدا, وكان هذا الرجل قريبا جدا من الإنجليز فقد تخرج في جامعة أوكسفورد وعمل سكرتيرا خاصا للقائد البريطاني العام أثناء الحرب العالمية الأولى. ولقد عين الملك فؤاد مربيا مساعدا ومرشدا عسكريا لولي العهد وهو عزيز باشا المصري, ولكن يبدو أن أحمد حسنين نجح في استقطاب فاروق بعيدا عن عزيز باشا المصري, خاصة وأن الأخير شخصية عسكرية صارمة وفاروق كان في مرحلة المراهقة يحتاج إلى درجة عالية من السماح والمرونة وربما الأبوة وقد وجد ذلك في أحمد حسنين, والذي قام بدور الأب لفاروق وملأ تلك المنطقة الخالية في نفسه, فقد حالت بروتوكولات الملك والطبيعة الشخصية المضطربة للأب والطريقة الجافة في التربية والرغبة المحمومة في إعداد الوريث دون إحساس فاروف بأبوة الملك فؤاد فكان دائما في احتياج لأب, وكان أحمد حسنين يتفهم هذا الإحتياج ويقوم به بذكاء شديد مع الإحتفاظ لفاروق بمكانته الملكية. ومكث فاروق في انجلترا ستة أشهر ليعود اضطراريا قبل أن يكمل دراسته هناك.



يتبع ,,,
__________________
فارس وحيد جوه الدروع الحديد
رفرف عليه عصفور وقال له نشيد

منين .. منين.. و لفين لفين يا جدع
قال من بعيد و لسه رايح بعيد
عجبي !!
جاهين
الفارس غير متصل   الرد مع إقتباس