عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-01-2011, 11:53 AM   #13
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ويعاودك اليقين في جزيرةٍ حملتك إليها أمواج الوقت .. الفراغ .. فإن لم تكن بها رائداً .. لا تحسب نفسك رائداً قد يكون هناك غيرك .. في مكانٍ ما من نفس الجزيرة .. إن مر بها قبلك أخشى أن تمر بها وتصبح مقلداً..
وربما لصاً .. ولكن إن كان يلهمك فلا بأس حتى تشق طريقك .. تلميذاً ..
قد يرى بعض القراء أن المبدع العزيز استطرد في الفكرة وعاود الإلحاح عليها دون أن يضيف عليها شيئًا ولكن في رأيي المتواضع أنه في كل مرة يزيد عما كتبه من قبل شيئًا قليلاً ليشعر القارئ بأهمية التدبر لما يأتي به من شيء جديد يضيف معانيَ ذات أهمية كبرى ، فها هو يكررتقريبًا ما قاله من قبل ولكنه يزيد شيئًا بسيطًا كمًا كبيرًا كيفًا وهو ولكن إن كان يلهمك فلا بأس حتى تشق طريقك .. تلميذًا
إن المبدع العزيز ليس ممن يستهويه السير في أفلاك الآخرين فيأمر وينهى ويعطي أحكامًا مطلقة وإنما يؤمن بأهمية التدرج في الانتقال من فكرة إلى فكرة وأهمية ألا يشعل المبدع نارًا على طريقة يظنها حداثية فتحرق يديه ! رائع أن يضع المبدع نصب عينيه أهمية التأني والتروّي والتدقيق والتمحيص ، فشتان بين المقلد تقليدًا أعمى وبين المتهور الذي يحسب نفسه آتيًا بجديد وبين المتعقل الذي يتخذ من التقليد المستبصر جسرًا يعبر به إلى الاستقلال في العمل والشخصية والهوية الأدبية أو الإبداعية لهذا خفت تسارع الإيقاع عن ذي قبل ليأتي الصوت هادئًا رصينًا يعاود حالة الطمأنينة قبل الانطلاق الجامح نحو الإبداع . ما أجمل هذاا لتعبير فإن لم تكن بها رائدًا لا تحسب نفسك رائدًا ..... إن الشخصية الإبداعية من الضروري أن تكون واعية بأن هناك غيرها ممن يسبقونها إلى نفس الفكرة لكن الشهوة العنيفة في التفرد تجعل الفرد يحسب نفسه أوحد من جاء بهذه الفكرة ، إنها عبارة تحمل في طياتها معاني عدة مثل الاطلاع على موروثات الآخرين ، والتوسع في قراءة نتاج الآخرين الذي قد يكون سابقًا لما جئت به وأنت تظن نفسك متفردًا
إنها نصيحة لا تساق في الأطر التقليدية الآمرة والناهية ولا تأتي في أطر رمزية مغلقة كثيفة ضبابية وإنما تأتي في حالة مراوحة بين الوضعين وبينهما يتربع المبدع بناءً يبني في منزله مصدات تحمي من قيظ الصيف وبرد الشتاء في وقت واحد ! وهنا يكون جميلاً أن نجد المبدع يطرح فكرة عادية للغاية وقد تكون ذات طابع علمي أخلاقي لكن طريقة طرحها أخرجتها عن هذا الإطار إلى إطار أعمق وأبعد شأوًا من ذلك بكثير واقع فلسفي أدبي يجمع بين شتى تيارات وفنون الأدب معًا .

إياك أن تتوه في مخيلتك فلن يأتي إلا الشخص الخاطئ لإنقاذك .. بعاصفة كنت تحلم بها .. ومهما تهت ستوقظك أمطار الضمير داخلك .. حينها لن يكون للحيرة مكان .. إن كانت رؤيتك أوسع .. ستكون لك رغبة أخرى بالعودة
إلى هناك

بنفس الطريقة التي توضح مدى بروز الصورة في ذهن المبدع يبدأ بالتحذير : إياك ان تتوه في مخيلتك ، ولكن العبارة المفاجئة هي لن يأتي إلا الشخصي الخاطئ لإنقاذك ، وهنا من الضروري الانتباه إلى دلالات الألفاظ فالخاطئ هو الشخص الذي يتعمد الخطأ أما المخطئ فهو من لم يتعمد الخطأ ؛ لذلك يقول الله تعالى على لسان إخوة يوسف عليه السلام في هذه السورة :"قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين"..
الجميل هو انعدام دلالة الإنقاذ ، فالشخص الخاطيء لن ينقذك بل سيغرقتك إن تهت في مخيلتك ، ومن جماليات هذا التعبير الرائع إشعاره القارئ بحالة اللاحتمال ، من خلال التعريف لكل من الشخص ـ الخاطئ ،ليكون الشخص الخاطئ هو توصيفًا للعمل الذي لا يكتب له النجاح بسبب هذا التيه في المخيلة لكن التعبير مهما تهت ستوقظك أمطار الضمير أراه كذلك منفصلاً عن العمل بشكل أو آخر ، لأنه نفي لما سبق أن ذكرته (لن يأتي إلا الشخص الخاطئ لإنقاذك) ، فمن أين لي أن أقول لفرد إياك أن تتوه ثم بعدها أقول له ومهما تهت ستوقظك أمطار الضمير ؟
إن كانت رؤيتك أوسع ..ستكون لك رغبة أخرى بالعودة إلى هناك
عبارة جميلة لعلها تذكرنا بما قاله النفري :"إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" وعل عبارة أخينا إسماعيل تكرس معنى اللذة التي كان يحلم بها المبدع وليست العاصفة

ولعل هذه العبارة تأكيد على العبارة السابقة :..
"ويعاودك اليقين في جزيرةٍ حملتك إليها أمواج الوقت"
من هنا نشعر أن اللحظة الإبداعية هي مرحلة تتوسط الرغبة والوقت وهذه رؤية جيدة ومعنى ما أقوله هو أن لحظة الكتابة ليست لحظة من سائر أوقات الإنسان ولا هي لحظة تولدها الرغبة وإنما هي نتاج التمايد بين هذين النوعين
*.. العاصفة لحظة الكتابة .. انفصام شخصية ..*
بنفس التقنية الفيلمية والتي تشبه في بعض صياغاتها العبارات التلغرافية والمذكرات الشخصية يعود المبدع إلى استخدام ذات الطريقة المكثفة الجامعة لكل ما كُتِبَ من قبل ،هنا يوضح المبدع معنى العاصفة التي ذكرها في الأسطر السابقة (عاصفة كنت تحلم بها ) لتكون هي لحظة الكتابة وقوة هذا التعبير في اختصاره للصراع الذي ينتاب النفس في الكتابة أيحجم أم يقدم وكأن كل ما كان من قبل هو نتيجة هذا الصراع الذي بسببه يكتب المبدع هذه النصائح الغالية .

فمنذ ألاف العابرين إلى الحرف .. العواصف إبداع تكتنزه الذات الفردية .. أما تكلفك في الرغبة فهي صاعقة توجهها لنفسك
كان تعبير العابرين إلى الحرف موحيًا وبشدة ، ومحدثًا أثرًا جيدًا يُشعِر القارئ بمدى عمق الصورة الذهنية التي تتخذ من الفنون التشكيلية أداة لها ،فصورة للحرف كأنه خريطة يعبر الناس عليها صورة رائعة للغاية خاصة وأن إعطاء المعنوي شكل المادي يعمق من قوةتأثير هذه التعبيرات ويجعلها منفتحة على آفاق تنأى عن الجانب المعجمي المغلق. وجميل هذا التعبير "تكلفك الرغبة صاعقة توجهها لنفسك" رغم سهولة اللفظ إذ أن النفس مجبولة على التلقائية أما تكلف الرغبة فهو صاعقة وهي من معجم الدلالات النارية ، فشتان بين نار يتدفأ الناس عليها وبين نار تحرق الأخضر واليابس والأروع أنها داخل جزيرة فيكون اشتعال النار في وسط الماء مشوهًا لجمال الطبيعة وإهانة للأخضر الذي يرتوي من الماء والماء عن عونه عاجز .
***
لحظة أخرى بعد منتصف الليل وتبدأ العواصف .. إصابة .. خوف .. تشرد .. توحد .. لحظة ينقطع فيها كل شيء تعود لتراجع من البداية .. ثم تبدأ في فقدان ذاكرتك .. بتصنع النسيان .. وحده التشويش الملقى على عاتق الإجابة .. سؤاله التفرد في الضجيج .. فمن سيهتم لأمرك إن لم تتقن الإجابة .. لسؤال النص المراود لمخيلتك !
*.. السؤال هو مغادرة الواقع عندما ينتابك خلل وتحتاج لإصلاحه خارج إطار المنطق .. والإجابة هي العودة إلى الواقع وقد فلسفت المنطق برؤيتك الخاصة ..*
"التشويش الملقى على عتق الإجابة" تعبير به قدر من الاستخدام المجازي المناسب للموقف إذ يكون التشويش والإجابة مشخصين كإنسان له شيء من سمات الإنسان ، ويكون الرجوع إلى حالة السرعة اللاهثة في التعبير عن الأفكار التي يحاول المبدع حاضرًا مرة أخرى وتبدو لحظات الإبداع والتعبير عنها محمومة وذلك في جملة وحدة التشويش .... وتقدير الجملة هو ما تشعر به أو شيء يناسب السياق وتبدو هذه العبارة الفلسفية الرائعة كتلخيص آخر لما في الأسطر السابقة :
*.. "السؤال هو مغادرة الواقع عندما ينتابك خلل وتحتاج لإصلاحه خارج إطار المنطق .. والإجابة هي العودة إلى الواقع وقد فلسفت المنطق برؤيتك الخاصة" ..*
هذه العلاقة التناقضية بين السؤال والإجابة تلخيص لهذا الوضع وكان فيها قدر كبير من التوفيق في التعبير عن هذه الحالة ،فالسؤال والإجابة هما رجوع إلى نقطة الأصل ليكون ما بين السؤال والإجابة هو الإبداع ،ويتربع الإبداع حينئذ بين هذين الدائمين كالليل والنهار وإن كانت تقريرية نوعًا ما بشكل قد يمل منه القارئ الذي اعتاد حرَفية الاستخدام المجازي للغة من جانب المبدع إسماعيل القبلاني .
فهل نعتب على جمال الروح وهي تحلق بنا بعيداً ؟
سؤال أتى في موقعه وكأن المبدع يطالب القارئ من التحرر من الملاحقة اللاهثة وراء الجمال ، فهو لا يأتي عندما يقع الشخص في كل المحظورات التي حذر منها المبدع كما أن هذا التعبير أعطى انطباعًا للقارئ مفاده أن الأصل إذا كان على شاكلة معينة فالفرع تابع له ولا يتجزأ شيء عن شيء في إشارة إلى وحدة الحالةالإنسانية والمفاهيم التي على الإنسان الوعي بها .فكما أن اللحظة التي هي أم الجمال لحظة نادرة فليس من المنطق أن يتوقع المرء أن يكون الجمال حالة منفصلة عنها . إن الفنون هي التي تهذب النفس أو الروح (مجازًا ) فإذا كانت الفنون والإبداع وليدة اللحظات وجمال الروح وليد الإبداع والفنون فإن جمال الروح بطبيعة الحال هو وليد اللحظات التي هي بطبيعتها نادرة لذا على المبدع أن يكون واقعيًا في نظره إلى هذه الحالة ، ولا يحزن بسبب شحها عليه ،فإنها لا تأتي إلا لمن يستحقها .
ما بين دفتي الأيام وأشرعة الفكر على أمواج الأحداث المتلاطمة في بحر المخيلة .. حينها تكون لحظة الكتابة لذيذة جداً لدرجة الإبحار .. الإتقان .. الترسخ .. أو تسبب أعراضًا جانبية .. أعلاها .. السقوط .. ؟
وما أجمل الإبحار حين يكون القبطان .. مجهولاً .. !
***
نهاية شاعرية تعكس حالة الهدوء التي يختم بها المبدع العمل الذي أبدعه والتي استخدم فيها المجاز استخدامًا قد يبدو عاديًا لكنه يحدث تناسقًا في بيئة التشبيه ويشعِر القارئ بهذا القدر من الافتنان في استخدام اللغة ، إذ تدخل كلمة مفاجئة اسمها الأعراض الجانبية وهذا الاستخدام لأعرض جانبية متميز في انزياحه عن المعنى الأصلي وفي الاستفادة من المصطلحات الحياتية وتشكيلها في إطار العمل الأدبي ، وأخيرًا تكون المفارقة في أن يكون السقوط من الأعراض الجانبية تكون روعة التلاعب باللغة عندما تأتي المرادفات في غير حقولها الدلالية ولا معانيها العادية لتحدث دهشة مردها إلى اتساق المعاني رغم اختلاف دلالاتها المعجمية والبيئية والسقوط ها هنا هو حالة الانتكاس والركود ، ثم يكون القبطان مجهولاً هو الكاتب الذي يعجز المرء عن التنبؤ بما سيكتبه وهنا يكون الاندفاع وراء فضول النفس لما سيكون حالة مثرية للشوق ويكون المجهول مادة تنهي العمل بحالة الشوق المحموم والتوهج الدائري الذي يفضي بعضه إلى بعض حتى يكون لسان حال القارئ بعد القراءة : وما أجمل الإبداع عندما يكون سره مجهولاً !قد يؤخذ على هذه العبارة الأخيرة مأخذ وهو أن العمل الأدبي لا يقاس جماله بجمال كاتبه ومدارس النقد المعاصرة تزيح المبدع تمامًا وتنظر إلى عمله ،لكن عند التعامل مع النص بحالة غير تنظيرية فإننا ننظر إلى متعة من حيث هي واقع يمر به أي إنسان بشكل ذاتي وليس من حيث هي واقع يُرصد من منظور النقد الموضوعي ، لأن المبدع يطرح عملاً وليس أطروحة فكرية أو نقدية .وفقك الله وإلى الأمام دائمًا
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس