عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-01-2011, 11:48 AM   #11
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

في جزيرةٍ مجهولةٍ منك .. تراودك أحلام البقاء .. وصرخات الحنين .. حيث تهودج في رأسك أفكار الرحيل .. ؟
اللاشيء .. نوبةٌ تصطدم دائماً بها .. والغريب في ذلك أن العاطفة تشتد .. فتلغي عاصفة الأفكار .. حينها يكون اللاشيء إجابة الطبيعة الخلابة على هذه الجزيرة .
السمة الملحوظة في هذه الجزئية سيطرة فكرة ما وهي التسارع في نبض الأحداث ، فالأحرف تكاد لا تكتمل بسبب سرعة توالي الأفكار على الذهن ومحاولة المبدع أن يمسكها واحدة تلو الأخرى لذلك تبقى النقاط (..) معبرة عن هذا التسارع بالشكل الذي تشعر فيه بالمتحدث يعدو عدوًا لاهثًا خلف أفكاره ولا يتم كلماته ، ولكل عبارة أمامك تقديرها ولكنها حذفت وتقديرها يستنتجه المتابع ،فعلى سبيل المثال يمكن القول في جزيرة منك نائية عن الوجود ، تراودك أحلام البقاء التي تتسربل الوجود ..وصرخات الحنين المكتومة ...

وهذا الأسلوب في الكتابة جيد ويشعر القارئ أن المبدع من خلاله يسرع في عمليات الولوج إلى البوابات المتراصة أمامه فقد دخل الجزرية بالفعل ووجد فيها أحلام البقاء ثم صرخات الأنين ثم هودجة الأفكار في الرأس ..
هنا كان تعبيرا أحلام البقاء وصرخات الأنين مع فعل المرادوة عبّرا بشكل كبير عن حالة الصراع التي تكتنف الإنسان في مثل هذه اللحظة أيمضي أم يحجم ؟ ويكون الرحيل هو القاسم المشترك الذي يعصف بكل من صرخات الحنين وأحلام البقاء ،أحلام البقاء في حالة الاسترخاء وعدم إرهاق الذهن بالكتابة وصرخات الحنين تلك الكلمة التي أشعر بها تعبر عني في كثير من الأحيان عندما يتعالى المبدع أو يحاول أن يترك الفكرة وينعم بهدوء زائف لا يتحقق .وأفكار الرحيل تأتي تعبيرًا عن هذه الحالة التي يبدأ الحسم فيها لصالح صرخات الأنين ، ليصبح البقاء حلمًا آفلاً .

اللاشيء .. نوبةٌ تصطدم دائماً بها .. والغريب في ذلك أن العاطفة تشتد .. فتلغي عاصفة الأفكار .. حينها يكون اللاشيء إجابة الطبيعة الخلابة على هذه الجزيرة .


بعد الدخول إلى الجزيرة يبدو أن مبدعنا العزيز قد آلى على نفسه أن يدخل إلى أعماق الجزيرة وليس إلى مستوى الظاهر عندما يكون اللاشيء هو النوبة التي تصصدم بها ، وفعلاً عندما يفكر المرء في كتابة فكرة ما أو خاطرة أو عمل ما فكثيرًا ما يجد نفسه في حالة تهيؤ واستعداد ثم إذا راح يكتب وبدأ القلم يطاوع العقل ، وجد اللاشيء صخرة مؤلمة ،ويظل الإعجاب الذي يكتنف الفرد بفكرته مسيطرًا عليه حتى ينسى الأفكار ، فقط هو يجد طلاسم أفكار وأشباح صور ليكون اللاشيء جابة طبيعية على هذه الجزيرة ، إنها لحظة تومض ولعلها تعبر عن الميلاد الأول للفكرة ، حتى يلتقطها القلم ثم يُعمِل فيها الإنسان ما يُعمِله من تغييرات حتى يجد المادة خامًا قابلة للتشكيل في الإطار النهائي المكتوب .
ثمة كلمة أعجبتني لكني أراها خارج نطاق البيئة التشبيهية ، وهي كلمة تهودج ،فالهودج يكون فوق الجمل والجمل لا يعيش إلا في الصحراء ، ولكن أعجبني في هذه الكلمة تعبيرها الشديد عن استحكام الحالة حتى تكون الهودجَ الذي لا يُرى من داخله ، كذلك الفكرة تأتي فلا يكاد يرى الإنسان ما حوله ولا يكاد يرى-حتى نفسه- من تواصل أعمال هذه العاصفة .




فما أجمل الفكرة حين تكون مجهولة .. وما أعظم الطبيعة حين تكون مساحة شاسعة تمتد على مسافاتها تحية المعنى .. تبشر بمولد الرفض القادم على أنفاسك المتناقضة .. فتصبح التحية للقاء .. للقاء ما جمعته مخيلتك في تسعة أشياء ..
*.. حواسك الخمس .. وحاسة المكان السكون .. وصراخ الحبر .. وقدوم النص .. وأوراقك الخلابة ..*
فيكون مولد النص .. إما غريباً أو شريداً .. ويا لها الأفكار حين تراودك فإما أن تعانقها أو تتركك لعناق غيرها .


***
هنا يُحسب للمبدع -بطبيعة الحال- أن يفصح عن جانب من جوانب العمل وهو يدخل إلى بوابة المباشرة حتى لا يرتطم بالإغراق المفضي إلى الغموض التام ، فها هو المبدع يعطيك العمل جاهزًا بيني يديك ولكنه سيغير في محتوياته حتى تكون على علم بما يقصد وإلى أين يسير ، ها هو المبدع قد أظهر الموضوع (ما أجمل أن تكون الفكرة مجهولة) والحديث بطبيعة الحال عن الفكرة وما تعمله في النفس من تغيرات تشعر معها أن دولة تقوم وأخرى تزول !
جميل للغاية هذا الوصف" فما أجمل الفكرة ...لعناق غيرها " وإن كان من الممكن أن يؤخذ على الأسطر هذه أنها لم تستكمل وصف الحالة التي بدأ الحديث عنها في البداية بمعنى أنه انتقل من حالة تكون الفكرة إلى انبلاجها مرة واحدة واستقطع مشهدًا في المنتصف وهو الفكرة لما تكون مجهولة قبل وصولها إلى الشكل النهائي الواضح لها . لكن في رأيي أن المبدع له أن يختار من تراتب الأحداث ما يعبر عن الجزء الذي يختاره .تحية المعنى هو الوجه الآخر لمجهولية الفكرة ، هذا المعنى الذي تكون النفس فيه هذه الطبيعة أو الجزيرة المتسعة ليظل المعنى فيها واقفًا في مكانه حتى تأتي إليه الفكرة لترفعه فوق رأسها . كان تعبير تحية المعنى رائعًا بكل المقاييس ،وبالأسلوب التقليدي يمكن القول بأن المعنى يظل كامنًا واقفًا في مكانه وهذه الأفكار تدور حتى تصل إليه وكأنه تحوم من حوله وتلقي إليه بالتحايا رجاء أن يستجيب لها .
إننا بإزاء حالة جميلة تتغير فيها المعالم كلية ، ليكون المعنى ذلك (الملك) الذي ينتظر تحية الوفود له ، وهذه الوفود هي الأفكار ،تحاول الوصول إليه ، من الطبيعي -لأنه- ملك أن تمتد هذه الأفكار باتساع هذه المساحة الشاسعة من أجل الوصول إليه .
ومرة أخرى تبرز فكرة الصرخات صرخات الحنين تلك التي عبر المبدع عنها بأنها تبشر بالرفض القادم ، والحنين هو في أول الأمر تمرد على البقاء ثم هو في النهاية هذا الشكل النهائي للحالة وهو الرفض القادم ، رفض للبقاء في حالة استرخاء وكسل لذيذين وله الحق في هذا الرفض لأنه -ببساطة-لقاء تُساعي الأطرف أو الأضلاع ، وجميل أن يشاغب المبدع الواقع ويجادله ويصنع له عوالم من ذاته تتمثل في حاسة السكون ذلك السكون الذي هو في واقع الأمر الأرضية التي يُبنى عليها اللقاء فهو سكون ظاهري ولكنه توتر حركي في أعلى مستويات غليانه داخل الذهن . وصراخ الحبر وقدوم النص ، إن هذه الحاسة هي التي مهدت لهذه اللبنة الأولى والتي يبني عليها المبدع بعد ذلك زوارقه لتصيد النفائس ، وإن كنت أرى أن دخول كلمة الأفكار للمرة الثانية في هذا المقطع قد أدت به إلى مباشرة زائدة كان أولى بالمبدع أن يتركها للقارئ وقد دلت القرائن عليها بشكل واضح .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس