عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-03-2008, 02:07 AM   #87
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]5- شعر المديح النبوي في الأدب المغربي والأندلسي:
إذا انتقلنا إلى الأدب المغربي لرصد ظاهرة المديح النبوي، فقد كان الشعراء المغاربة سباقين إلى الاحتفال بمولد النبي (صلعم) ونظم الكثير من القصائد في مدح الرسول (صلعم) وتعداد مناقبه الفاضلة وذكر صفاته الحميدة وذكر سيرته النبوية الشريفة وذكر الأمكنة المقدسة التي وطئها نبينا المحبوب. و كان الشعراء يستفتحون القصيدة النبوية بمقدمة غزلية صوفية يتشوقون فيها إلى رؤية الشفيع وزيارة الأمكنة المقدسة ومزارات الحرم النبوي الشريف، وبعد ذلك يصف الشعراء المطية ورحال المواكب الذاهبة لزيارة مقام النبي الزكي، وينتقل الشعراء بعد ذلك إلى وصف الأماكن المقدسة ومدح النبي (صلعم) مع عرضهم لذنوبهم الكثيرة وسيئاتهم العديدة طالبين من الحبيب الكريم الشفاعة يوم القيامة لتنتهي القصيدة النبوية بالدعاء والتصلية.

ومن أهم الشعراء المغاربة الذين اشتهروا بالمديح النبوي نستحضر مالك بن المرحل كما في ميميته المشهورة التي يعارض فيها قصيدة البوصيري الميمية [4]:

شوق كما رفعت نار على علم
تشب بين فروع الضال والسلـــم
ويقول في قصيدته الهمزية مادحا النبي (صلعم) [5]:

إلى المصطفى أهديت غر ثنائي
فيا طيب إهدائي وحسن هدائي

أزاهير روض تجتنى لعطـــارة
وأسلاك در تصـــــطفى لصفاء
ونذكر إلى جانب عبد المالك بن المرحل الشاعر السعدي عبد العزيز الفشتالي الذي يقول في إحدى قصائده الشعرية [6]:

محمد خير العالميــن بأســرها
وسيد أهل الأرض م الإنس والجان
أما القاضي عياض فقد خلف مؤلفات عديدة وقصائد أغلبها في مدح الرسول (صلعم) والتشوق إلى الديار المقدسة كما في قصيدته الرائية [7]:

قف بالركاب فهذا الربع والدار
لاحـــت علينــــــا من الأحباب أنوار
ومن شعراء الأندلس الذين اهتموا بالمديح النبوي وذكر الأماكن المقدسة لسان الدين بن الخطيب الذي يقول في قصيدته الدالية [8]:

تألق "نجديا" فاذكرني "نجدا"
وهاج لي الشوق المبرح والوجدا

وميض رأى برد الغمامة مغفلا
فمد يدا بالتبــــــــر أعلمت البردا
6- المديح النبوي في العصر الحديث:
من يتأمل دواوين شعراء خطاب البعث والإحياء أو ما يسمى بشعراء التيار الكلاسيكي أو الاتجاه التراثي فإنه سيلفي مجموعة من القصائد في مدح الرسول (صلعم) تستند إلى المعارضة تارة أو إلى الإبداع والتجديد تارة أخرى. ومن الشعراء الذين برعوا في المديح النبوي نذكر: محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد الحلوي وآخرين كثيرين…

فمن قصائد محمود سامي البارودي قصيدته الجيمية التي يقول فيها:

يا صارم اللحظ من أغراك بالمهج
حتى فتكت بها ظلما بلا حـرج

مازال يخدع نفسي وهي لاهية
حتى أصاب سواد القلب بالدعج

طرف لو أن الظبا كانت كلحظته
يوم الكريهة ما أبقت على الودج
وهذه القصيدة هي في الحقيقة معارضة لقصيدة الشاعر العباسي الصوفي ابن الفارض التي مطلعها:

ما بين معترك الأحداق والمهـــج
أنا القتيل بلا إثم ولا حــــــــرج
ومن قصائد محمود سامي البارودي في المديح النبوي قصيدته "كشف الغمة في مدح سيد الأمة" وعدد أبيات هذه القصيدة 447 ، ومطلع القصيدة هو:

يا رائد البرق يمم دارة العلــــــم
واحد الغمام على حي بذي سلم
ومن الشعراء الآخرين الذين نظموا على منوال البردة الشيخ أحمد الحملاوي في قصيدته التي سماها كذلك بـــ "منهاج البردة" ومطلعها:

يا غافر الذنب من جود ومن كرم
وقابل التوب من جان ومجترم
ويحذو أحمد شوقي حذو البارودي في معارضة الشعراء القدامى في إبداع القصائد المدحية التي تتعلق بذكر مناقب النبي وتعداد معجزاته وصفاته المثلى كما في همزيته الرائعة التي مطلعها:

ولد الهدى فالكائنات ضيــــــاء
وفي فم الزمــان تبسم وثناء
ويقول في مولديته البائية:

سلوا قلبي غداة سلا وتـــــابا
لعل على الجبــــال له عتابـــا
ومن أحسن قصائد أحمد شوقي في مدح الرسول (صلعم) قصيدته الميمية التي عارض فيها قصيدة البردة للبوصيري ومطلع قصيدة شوقي هو:

ريم على القاع بين البان والعلـــم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن الشعراء المغاربة المعاصرين الذين مدحوا النبي (صلعم) نذكر الشاعر المراكشي إسماعيل زويريق الذي خصص كتابين لسيرة الرسول (صلعم) تحت عنوان: "على النهج" [9] يعارض فيهما شعراء المديح النبوي. ومن القصائد التي نظمها في المدح نذكر القصائد التالية:

1- قصيدة "بانت سعاد" التي يعارض فيها قصيدة كعب بن زهير:

بانت سعاد فما للحزن تمهيــل
الدمع منسجل والجسم مهزول
2- قصيدة "البردة يا شاكي البان" يعارض فيها قصيدة البوصيري:

يا شاكي البان كم في البين من سقم؟
شكواك تنساب لحنا دافــق الألم
3- قصيدة "المرتجية" كما في مطلع قصيدته الجيمية التي يعارض فيها القصيدة "المنفرجة" لابن النحوي:

إن ضـــاق الأمـــــر فلا تهج
فغدا قد يأتــي بالفـــــــرج
4- قصيدة "في رحاب المدينة" التي عارض فيها قصيدة الهمزية للبوصيري :

هاتها، ما للنفس عنها غناء
جابني الشوق حين عز الدواء
5- قصيدة "السينية في مدح خير البرية"، التي عارض فيها الشاعر سينية البحتري، ومطلع القصيدة هو:

يجهر البين ما تخفى بنفسي
فسقاني كأس الشجا بعد كأس
6- قصيدة "كل مديح فيه مختصر" وهي رائية الروي ومطلعها:

رأيت كل مديح فيه مختصرا
فما تعد سجاياه وتختصر
7- قصيدة "الدالية في الرد على من أساء إلى الرسول برسوماته الكاريكاتورية" عارض فيها دالية أبي العلاء المعري ومطلعها:

أما أعنى الذي رسموا الفؤادا
فما للصمت يلزمني الحيادا.
7- خصائص المديح النبوي مضمونا:
من أهم مميزات المديح النبوي أنه شعر ديني ينطلق من رؤية إسلامية، ويهدف إلى تغيير العالم المعاش وتجاوز الوعي السائد نحو وعي ممكن يقوم على المرجعية السلفية بالمفهوم الإيجابي. كما أن هذا الشعر تطبعه الروحانية الصوفية من خلال التركيز على الحقيقة المحمدية التي تتجلى في السيادة والأفضلية والنورانية. ويعني هذا أن المديح النبوي يشيد بالرسول (صلعم) باعتباره سيد الكون والمخلوقات، وأنه أفضل البشر خلقة وخلقا، وهو كذلك كائن نوراني في عصمته ودماثة أخلاقه. لذلك يستحق الممدوح كل تعظيم وتشريف، وهو أحق بالتمثل واحتذاء منهجه في الحياة، كما أن عشق الرسول (صلعم) في القصيدة النبوية يتخذ أبعادا روحانية وجدانية وصوفية.

ويلاحظ على الغزل الموجود في كثير من القصائد النبوية أو المولدية أنه غزل يتجاوز النطاق الحسي الملموس إلى ماهو مجازي وإيحائي. أي ينتقل هذا الغزل من النطاق البشري إلى نطاق الحضرة الربانية.

ويسافر شعر المديح النبوي في ركاب الدعوة المحمدية وشعر الفتوحات الإسلامية ليعانق التيارات السياسية والحزبية فيتأثر بالتشيع تارة والتصوف تارة أخرى. ولن يجد هذا الشعر استقراره إلا مع شعراء القرن التاسع الهجري مع البوصيري وابن دقيق العيد. بيد أن شعر المديح النبوي سيرتبط في المغرب بعيد المولد النبوي وشعر الملحون والطرب الأندلسي ليصبح في العصر الحديث شعرا مقترنا بالمعارضة في غالب الأحيان.

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس