الموضوع: مقتطفات نقدية-
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-05-2009, 12:37 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

قصيدة غريب على الخليج



الشاعر هو بدر شاكر السياب ،أعظم الرواد واشهرهم لحركة التجديد التي أصابت القصيدة العربية ، ولد الشاعر ، عام 1926 في إحدى قرى مدينة البصرة( جيكور) ، ماتت أمه / وهو في السنة السادسة من عمره ، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية ، في أبي الخصيب ، والبصرة ، ثم التحق بقسم اللغة العربية ، أولا ، وغير بعد ذلك نوع الاختصاص الى اللغة الإنجليزية ، في دار المعلمين العالية ( كلية التربية حاليا) ، وحين تخرج من الجامعة ، عين مدرسا في الرمادي ، ثم فصل من عمله لأسباب سياسية ، مما اضطره أن يشتغل في عدة أعمال بعيدة عن مجال اختصاصه ، وأصيب بمرض عضال عز شفاؤه ، توفاه الله وحيدا في مستشفى الكويت عام 1964 ، بعيدا عن العراق ، الذي عشقه ، شيعه قليل من أصدقائه ، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير
أصدر عدة دواوين : منها ( أزهار ذابلة ) و ( أنشودة المطر) و ( المعبد الغريق ) جمعت دواوينه كلها في مجلدين بعنوان ( ديوان بدر شاكر السياب)
تعد قصيدته ( غريب على الخليج ) من أهم القصائد التي قالها ،، ومن أكثرها جمالا وروعة ، يتغنى فيها بالبلد الجميل ،، الذي عرف أقدم الحضارات( العراق الحبيب)
يقول فيها (اقتطعت جزءا من القصيدة الطويلة )

أحببت فيك عراق روحي او حببتك أنت فيه
يا أنتما مصباح روحي أنتما
وأتى المساء
لو جئت في البلد الغريب إلي ما كمل اللقاء
الملتقى بك والعراق على يدي هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه
كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة
الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام
- حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسر تاه متى أنام
فأحس ان على الوسادة
من ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة
غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه
إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة
أقصى مناي
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع : متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
×××××××××××××××××××××
في هذه القصيدة الطويلة المشهورة ، التي ظلت نشيدا عذبا يردده العراقيون
في جلساتهم ، كلما طال بهم الحنين الى البلاد الساحرة ، وأهلها الطيبين ، الذين امتازوا بالدفء والحنان وطيب الكلام ، والمواقف الجميلة التي تربطهم بالأصدقاء والمحبين ، نلاحظ في القصيدة الوحدة الموضوعية المتمثلة في وحدة الإحساس ، يظل الشعور المسيطر ، نحو الوطن الحبيب ، يتكلم عبر هذه القصيدة التي هي ،، من مطولات الشاعر ، والقصيدة من شعر التفعيلة الحديث الذي يتميز بتنوع القوافي ، والموسيقى الجميلة التي منحها استعمال إيقاع البحر الكامل
( متفاعلن ) أضاف لها جمالا باهرا وانفعالا يتناسب والجو النفسي العاطفي الذي أحاط بالقصيدة
يستهل الشاعر قصيدته بمخاطبة امرأة مجهولة ، لا ندري من هي ؟ قد تكون الزوجة ام الحبيبة ام الاخت ام الصديقة ، وكانت علاقة الشاعر بالمراة وطيدة ، فقد حرم من الأم وهو صغير ، لكنه أحب العديد من النساء ، وقد يكون وجد في حبه لهن ،، تعويضا عن حب الأم المفقود ، وقد تكون المراة المخاطبة هي الأهل الذين أرغم الشاعر على الابتعاد عنهم ، وقد تكون الوطن ، ذلك الساحر العجيب والأليف الذي يضطر شاعرنا الى هجره الى ضفاف أخرى قد تقيه حينا من حرارة الشوق المستعر ، ويربط الشاعر بين المراة والوطن بعلاقة قوية ،،لا انفصام بها ، فالحب بلا وطن ، لا يمنح الوصال ،، والدفء المنشود ، والوطن الذي يخلو من الحب ، هو مكان ظالم لأهله ، فالمراة والوطن كلاهما ، مصباحان ينيران طريق الشاعر ، الوعر المظلم والذي تحيطه المحبطات ، فقر طويل مهلك ، يتم وحرمان من حب الأم ، نشاط سياسي غير متواصل ، وشكل غير جذاب ، مرض عضال أقعده عن العمل ، وتذبذب بين اليمين واليسار في مسالك السياسة ، كل هذه الأمور جعلت منه شاعرا عاطفيا رقيقا رومانسيا ، والقصيدة الجميلة هذه ،، قد أبدع الشاعر في ان ينقل لنا بأسلوبه الرائع ،، معاناته الطويلة وهو متغرب في بلاد أخرى ، حتى وان كانت شقيقة ، لهذا يخبرنا ان الوطن وحده ،، يحلو به اللقاء بالحبيبة ، وان أي لقاء آخر بحسناء ،، بعيدا عن تربة العراق المعطاء ،، سيكون مبتورا ناقصا عديم الجدوى ، لا يمنح الدفء الذي ننتظر من الحب ان يمنحه
يزدحم الشوق الى الحبيبين معا ،، في نفس الشاعر ، المرهف الحس ، فيخض دمه خضا ، ويظل يحلم بان يرى العراق ، حيث يعيش هذا الحلم الجميل في دمه ، وتتحول الدماء فيه إلى اشتهاء ، لكل ما في الوطن من جمال وقبح ، ويأتي بطرق أسلوبية كثيرة ،، لتبيان ذلك الشوق ( حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق) ، وتظهر الروح الوطنية لدى السياب في هذه القصيدة بأحلى صورها ، فكل شيء رائع الفتنة والجمال ، ويتحسر الشاعر وهو غريب مريض على أمنيات ،، ميسورة سهلة متواضعة ، ولكنها بعين الغريب عن وطنه ،، مستحيلة وبعيدة التحقيق ، وهي رغبته في النوم في العراق ،، ليالي الصيف ،، حيث تتساقط قطرات الندى المنعشة ، معطرة العراق دون غيره ، وهو لم يجد أجمل من العراق ،، بعد أن جرب كل بلدان الدنيا ، ويختتم قصيدته ،بان يأتي ،، بحلم مؤثر وهو ان يجد قبرا صغيرا في العراق ، يضم رفاته ، بعد ان شعر انه سيموت بعيدا ،، عن الوطن الحبيب ، وتلك الأمنية رغم بساطتها ،، تظل حلما يراود قلوب المبعدين عن الأوطان ، والذين يعيشون بحبهم لأوطانهم رغم اضطرار الابتعاد وتوالي سنين المعاناة



صبيحة شبر



http://shrooq1.com/vb/showthread.php?t=7809
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 13-05-2009 الساعة 05:55 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس