عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-02-2008, 10:11 PM   #1
علي عبدوس
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2008
المشاركات: 5
إفتراضي أول ابتسامة على الأرض /أقصوصة ومجموعة قصص لعلي عبدوس.

*الآمر بصــــرف البحـــــر *
ركبت جثتي كآبة فظيعة أدركتني من أخمص قدمي إلى رأسي... إلى السماء... سرت بين الكائنات... أبحث عن السلام... قلت في مكان ما في نفسي:" لماذا لا أصب دونيتي واضطهادي في أعماق البحر؟؟"
الجو خريف، الدنيا تسير، تتخللها دمدمة الرياح، و الأوراق الميتة تتطاير في كل اتجاه، اخترقت "ملاح المدينة"، أمام الأبواب العتيقة المتسخة، شيوخ ابيضت رؤوسهم، واحدودبت ظهورهم، يتخافتون... وأنا متجهم دامس، كان الشاطئ فارغا، يؤثثه بعض السكارى والقناني الفارغة... أسراب من طيور البحر تحلق عاليا، أزواجا، فــــي اتجاه مجهول...
انتزعت حذائي، سويت سروالي إلى ما فوق ركبتي، أفزعني هدير البحر، دنوت من اللجة الغضبى، وضعــــــت قدمي اليمنى في الزبد، تنمل رأسي و اقشعر بدني، وضعت اليسرى، فقدت التوازن حينا... تابعت المسير، توهمت أن البحر يتراجع مرتعدا كلما خطوت.. أحسست بأن وزني يخف و عرقي يجف، و هالني هلع البحر، قال لي رأسي:
ٌلقد عظم الفتى القميء و صغر اليم ! أنا الرجل العظيم أو العظمى ! لا فرق… " كلما نظرت خلفي امتدت اليابسـة الآهلة ببقايا الحياة، و شماتة البحر وإحجامه، وإقدامي … من فرط النرجسية العنترية و الغرور … أصبحت مهاجما، طاردا اللجة، إلى أن وصل السيل الزبـــى… ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أوقفني جدار زجاجي هائل... توقف المد والجزر... و مات الحوت والبحر... وراء السد المنيع عسس مدججون بالسلاح... أمرني كبيرهم بالتوقف و عدم الحركة و رفع اليدين إلى السماء... جف ريقي وأحسست بعطش صقر... أخرج رأسه الأشقر من كوة في الزجاج العظيم و سألني بعنف:" هل لديك تأشيرة الدخول إلى البحر ؟ لقد انتهكت منطقة محرمة مقدسة"…اعذرني سيدي، لم أكن أعرف.. التهور.. لقد غسلت كآبتي وهويتي في الشاطئ، و هرب مني البحر.. فتبعته إلى أن وقعت..
" أنا متفرد بكآبتي، متفرد بصبابتي، متفرد بعنائي*.... " من أي جنس أنتم ؟ "
قاطعني مزمجرا " سيدنا الآمر بصرف البحر" في حالة هيجان، داعبته موجة عذراء مدللة وهو نائم، وهو المتحكم في مد البحر … و زلازله … وعواصفه…
وبراكينه … البحر لنا نغتسل فيه، نتكاثر فيه، نتنفس فيه، نستعمله وقودا و نأكل ما فيه نيئا … و جميع الكائنات الدقيقة والعظيمة والطحالب وأنواع الحيتان و الحيوانات لنا… لا لغيرنا
واستطرد وهو يتنفس تحت الماء - جئت لتسرق اللؤلؤ والمرجان والأحجار الكريمة... وعرضنا... و أسرارنا، انتظر مجئ سيدنا ليبث في أمرك... "
ـــــــــــــــــــــــــ
في مشهد يشبه القداس؛ حمل غلمان عراة، إلا من ورق التوت، على رؤوسهم رجلا قوي البنية حاد العينين... أدى له الجنود التحية في احترام بالغ، لخص له كبيرهم أمري، سألني بحدة و هو ينظر إلى اليابسة:
" أنت يهودي ؟ "
رفعت سبابتي اليمنى و صوتي: " لا اله إلا الله، محمد رسول الله "
أمر الآمر بصرف الأرض و البحر بصوت يشبه الرعد:
" فجروا رائحته"
تداخلت طلقات البنادق برائحتي و هدير البحر والزبد و الظلام في رأسي...

وجدة في 29 /5 / 1999
من مجموعة ."قرية أبريل والفراشة" علي عيدوس

آخر تعديل بواسطة علي عبدوس ، 08-02-2008 الساعة 10:17 PM.
علي عبدوس غير متصل   الرد مع إقتباس