عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-09-2010, 12:14 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي







من جماليات فن الشعر لا سيما الشعر الحديث أن يقترن بالعديد من الفنون الأخرى خاصة الفنون البصرية كالسينيما والفوتوغرافيا ، وفي هذه القصيدة تطبيق حرفي لهذا المعنى ؛فنحن أمام مشهد عادي أقرب إلى مشهد افتتاحي للحديث عن حضارة العراق العظيمة الأبية ، يتكون المشهد الأساسي فيه من هذه الصورة : الزورق يسير في النهر وعلى ضفتيه الحدائق الغناء والزورع النضرة . هذا المشهد قد يكون عاديًا لك أيها القارئ أن تراه تليفيزيونيًا بمؤثراته الصوتية ، ولكن عندما تشعر به ماثلاً أمامك من خلال الكتابة فإنك لا بد ستشعر بهذه الروعة المتمثلة في كيفية التناول الذي نقل الصورة من دخيلة القارئ إلى دخيلة المتلقي لتكون صورة يشترك الجميع في رؤيتها ويختلفون ويتفاوتون في مدى عمق تفاعلهم معها .
الظاهرة الأبرز في القصيدة هي الإيقاع الحزين الهادئ النابع من طبيعة بحر الرمل والتي تتناسب مع حالة الشجن بشكل كبير، شجن وليس عاصفة حزن وعندما نتناول هذا البحر فإننا نجد أن شاعرًا رومانتيكيًا من أكبر شعراء العصر من العرب وهو إبراهيم ناجي رحمه الله كان قد استخدمه بشكل كبير لتناسبه مع أشجانه لهذا كان هو البحر الثاني من حيث كثرة الاستخدام لا يسبقه غير الكامل .

الصوت الهامس نلاحظه من خلال هذه العبارة (يا صديقي) والتي تبرز مدى ضيق الشاعر بنفسه حتى ألجئ إلى أن يتكلم مع أحد لعجزه عن الاحتمال وكتم الشجن في نفسه . الملحوظة الثانية هي القافية الحلقية المكونة من الهاء المسبوقة بالعين وهما حرفان صعبا النطق ، مما يدل على حالة التأوه والأم (المركّب) بما يشعر القارئ بالضيق ، بسبب الانتقال من حرف العين إلى الهاء .
نأتي للملحوظة الثالثة المتعلق بالصورة الشعرية ، فنجد أن الصورة مركبة بالشكل الذي تختزل فيه العديد من الصور وهي في ذات الوقت ممزوجة بحزن الشاعر ، حيث يوائم بين عالم الشعر وبين البلد المستلب ليكون الشعر هو الملاذ الوحيد لها في ذاته ، وتركيب الصورة الشعرية لديه تتداخل فيه الفانتازيا بالحقيقة والثابت بالمتحرك لتؤتي لنا نبتة اسمها الإنسانية الباكية .
يا صديقي كلّ ما مرّ حديثـي

بضفافِ الشعرِ تحكي الاشرعَهْ
الأشرعة تأتي معادلاً عن الشاعر الذي يلجأ إلى إسقاط بعض خصائها على ذاته وتأتي عبارة ضفاف الشعر ، ربما امتدادًا لضفاف العمر مما يدل على إدراك الشاعر للمكان إدراكًا يتسم بالسعة مستمدًا من البحر الذي هو عالمه المحتوي على الشعر والعمر وغير ذلك من المرادفات التي يبتغي الشاعر بها التعبير عن تناقض فج بين سعة هذا العالم الخارجي وضيق نفسه العالم الداخلي ليستغرب القارئ كيف لهذا العالم الصغير ابتلاع العالم الكبير !!
عن بلادٍ قبل َّ الفجـرُ رؤاهـا
حينَ لاحتْ في الاماني مسرعهْ
لقطة التقبيل للرؤى والفجر الآتية بعد البحر والأشرعة والعالم الداخلي للشاعر المتكامل البيئة من ضفاف شعر وأشرعة تسير فيها كان فاصلاً في القصيدة ، إذ تبدو هذه البلاد إنسانًا يرى ويبصر والفجر كذلك يقبل لكن لحظة الإسراع هي هذه اللحظة التاريخية التي لقطت فيها الرؤى هذه الأماني ليكون ما بعد الالتقاط افتقادًا ، إذ بعد تقبيل هذه الرؤى -ولأنها رؤى- فقد انسلت من عالم الديمومة واستقرت في عالم الماضي ، تلك الرؤى التي بعد تقبيلها عادت كوابيس وحزنًا إنها بلاد الرافدين يسرع فيها الجمال كالبرق ويثوى الحزن فيها كالجبال وهكذا الحياة .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس