عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-06-2007, 01:22 AM   #5
يتيم الشعر
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 6,363
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي


وفي مرة من المرات كان الوالد عندنا ويريد العودة للشام (دمشق) يوم السبت.. سألني:

ــ هل ترجعين معي؟ قبلت، فارتدى ملابسه وبدأنا المشوار من مضايا مشياً على الأقدام، لا أدري هل كنا سنكمل الطريق مشياً للشام.. ذلك أن الوالد أخذنا برحلات كثيرة مشياً..وكنا نقوم برحلات لتسلق الجبال..


المهم أننا يومها بدأنا المشي.. مسافة لا بأس بها لبداية سهل الزبداني.. أذكر أن سيارة أمريكية فخمة توقفت وأسرع صاحبها يرحب بالوالد ويدعونا للركوب.. ركبت بالخلف ففتحت النافذة، وبعد أن وصلنا للشام نصحني الوالد بأسلوب ألا أكرر التصرف المرات القادمة وألا أفتح نافذة سيارة أحد، أو أتصرف ببيته كفتح ثلاجة أو نافذة أو... وبقيت عندي قاعدة للآن وأتعجب ممن يدخل غرفة بها كبار وصغار فيفتح الرائي دون اسئذان.أو يغلق المكيف مثلاً.. أتعجب وأتساءل كيف فعل هذا؟!


ثم كان بقائي مع الوالد..وحين أردنا العودة للمصيف، قال لي والدي ما رأيك لو تفاجئين والدتك بوضع الايشارب؟.. لم يكن حجاباً كاملاً بالمعنى المفهوم، لأنه كان ايشارباً مع نفس الملابس، وبحثنا فوجدنا ايشارباً حريراً فخماً وضعته على رأسي وقررت مفاجئة الوالدة.. وكنت سعيدة جدا بهذه الخطوة.


كيف تلقى الشيخ _رحمه الله_ نبأ استشهاد حبة قلبه ومهجة فؤاده ؟وماالأثر الذي تركه هذا النبأ المفجع على حياة الشيخ فيما بعد وما أبلغ ما كتبه الشيخ في تلك المناسبة الأليمة ؟؟


كانت ابنته وكانت أختي، وكانت نبضاً لأسرتنا.. وكانت عاطفة متجسدة بالعطاء.

الوالد كان أباً يندر مثله بين الآباء، حين سافر للهند في رحلته الطويلة؛ كان يأرق ليلاً وهو يفكر ترى هل بناتي دافئات، هل هن مرتاحات؟ كان يصحو بالليل عدة مرات في ليالي الشتاء ليتأكد من غطاء فوق بناته. زوجنا وبقي يأرق لنومنا وأكلنا وشربنا.

صباح حادثة ابنته، كلمها بالهاتف وطمأنته بقي يقول: أنا كلمتها صباحاً!

وكنا نظنه مجازاً لكنه ثبت من فاتورة الهاتف أنه كلمها قبل الحادث بقليل.

ما رأيت أباً فجع بابنته كما فجع الوالد! لكني ما رأيت له دمعة، حتى المعزين الذين كانوا يأتون خلال أيام التعزية لم يروا إلا الشيخ الطنطاوي نفسه محدثاً لبقاً مرحاً. ينادي أمي: أين العصير؟ أين الضيافة؟

تصرف بشكل عادي لا عزاء ولا قهوة.. ولا مراسيم حزن..لكنه كل ليلة بعد ذهاب الجميع، كان يفتح حقيبته الخاصة التي بها كل صورها وهو وحده بغرفته..


كانت كتاباته مؤثرة جدا..قال: ما أنساني جرح أمي .. إلا جرح ابنتي.. وبعدها لم يعد يذكرها.. سنوات..


ثم في سنواته الأخيرة صار كلما اجتمعت بناته الأربع حوله.. ينظر نظرة كلها عاطفة ويقول: ناقصين واحدة أليس كذلك؟..


رحم الله الوالد ورحم الله الأخت الغالية..

ورحم الله الوالدة التي فجعت بابنتها وصبرت واحتملت،وقالت الحمد لله أنني أنا التي فجعت بابنتي وصبرت أفضل من لو فجعت ابنتي بابنها..

رحم الله الوالدين


نود أن نتعرف على خفي عنا في حياة الشيخ الوالد رحمه الله....


حياة الشيخ كانت واضحة، عطاؤه استمر طوال حياته..

يمكن الجانب الخفي .. انفاقه.. كان والدا ليس فقط لبناته.. بل لكل بنت محتاجة..
لكل أرملة فقدت زوجها.. لكل أسرة تمر بظروف صعبة.. كان والداً لكل أفراد العائلة.
في حياته جانب من العاطفة والعطاء وأدعو الله أن يثيبه عليه..


وكانت نظريته التي تعلمتها منه ونشأت عليها.. أن الله عز وجل يرزق أناساً عن طريق أناس آخرين،لذا كان يقول لي لو أوقفت عطائي لأوقف الله عطاءه لي..
رحم الله الوالد .. وأثابه على كل ما قدم.


كيف كان الشيخ الطنطاوي يقضي يومه؟


كان انساناً عادياً لكنه حريص على كل شيء على غذاء الروح، وغذاء الفكر،
وغذاء الجسد...

تهمه الروحانيات.. علمنا المناجاة واللجوء إلى الله في كل أمر من أمور الحياة..
يهمه الفكر حياته بين الكتب دائماً حوله مجموعة كتب وأوراقمع هذا مستعد أن يتخلى
عن الكتاب من اجل أي بنت أو حفيد. . عندي صوره وهو كان يقرأ كتاباً فدخلت ابنتي نسرين وكانت طفلة وقتها، فترك الكتاب وحدثها ثم أجلسها على حضنه وداعبها..


كان يستيقظ للفجر.. ويوقظنا بكل طريقة ممكنة.. ثم يتركنا نعود للنوم..
نستيقظ بعدها لنفطر افطاراً صحياً على رأي الوالد.. بيضاً لحماً، أما الجبن فقد كان ممنوعاً ذكره وأكله، لم يكن يحب الجبن (ربما كان هذا الجانب الخفي!) كان من الممنوعات..لكن نأكل جبناً أصفراً..


بعدها كان الوالد يمارس الرياضة.. كان يمارس رفع الأثقال، والمشي.. ويعلمنا الرياضة،علمنا تسلق الجبال.ز وكان يمشي معنا لمسافات..


أما معظم ساعات النهار فكان الوالد في زاوية يقرأ.. هذا لا يمنع أن يشارك في كل ما يحدثفي البيت.. ويحدثنا ونفتح له قلوبنا وكان لديه لقاءات أسبوعية قليلة..
كما كان له هواية بشبابه بالعناية بالزرع وتشذيبه أيضاً.


ما هي أولوياته ؟


أولوياته،،كانت بعد العبادة التي تخلل كل حياته كما علمنا أن كل فعل ننوي به
رضا الله فهو عبادة..

يليها أسرته..كما أن القراءة كانت جزءا لا يتجزأ من حياته..والدعوة كانت بكل سلوكياته، لم تكن مجرد كلمات تقال فحسب

كيف اهتمامه في الاعلام ؟؟

ما شغل الاعلام حيزا من اهتمامه.. كانت يتصفح الجريدة سريعاً، وحتى الأخبار يكتفي بالموجز!وحتى لم يكن يهتم بمتابعة ما يكتب عنه، حتى لو كان ذماً.


اعطونا من قصصه الطريفة ..

رن الباب يوماً مساء بعد منتصف الليل، وكانت والدتي تخاف على الوالد وتسأل هي من الباب! فقال لها الحارس: فلان يريد الأستاذ علي!
فخرجت أمي ووبخته كيف يأتي بالليل، ووبخت الحارس أن فتح له..

اليوم التالي كان الوالد بالمحكمة، وأتت عمتي لزيارتنا وبينما والدتي تقص لها
ما حصل بالأمس.. رن الجرس ثانية ووالدتي وعمتي منهمكتان بالحديث، خرجت للباب الخارجي وسألت من بالباب؟ فأجابني الطارق بنفس الاسم الذي أتى بالأمس.


سارعت لاخبار عمتي وأمي، وخرجت عمتي بشجاعة لترى الأمر! سألته من أنت؟
قال فلان! قالت: ماذا تريد؟ قال: إما أن تفتحي وإما أفتح أنا. وسمعنا صليل المفاتيح..
فدخلت والدتي للبيت وأغلقت الباب! وبقينا أنا وعمتي وأختي الصغرى بحديقة الدار!
والتصقت عمتي بالحائط، وبدأت تتهاوى.. وصوت المفتاح يدخل بقفل الباب.. ثم فتح الباب فصرخت عمتي وسقطت على الأرض، وصرخت والدتي من الداخل!

وتفاجأنا بأبي عند الباب مبتسماً يقول علمت الآن كيف ستتصرفون لو أتى غري


ماهي أكثر نصيحة كان يكررها على مسمعك ويحرص على تذكيرك بها ؟؟


النصيحة التي يكررها دوماً تبسمي قبل أن تتكلمي حيث كان شعاره دوماً رضي الله عنهم ورضوا عنه



الشيخ الطنطاوي علم من أعلام الأمة رحمه الله وكتاباته مميزة جداً فما الذي ساعد الشيخ على هذا؟؟؟


توفيق من الله حيث يسر له الموهبة والبيئة المناسبة..


أكثر شيء في أبيك تحبينه وموجود فيك أنت أيضا ؟

العاطفة والعطاء هي من أكثر ما أعتز به بالوالد، وقد ورثتها عنه بحمد الله.


-الشيخ كثير الأسفار فقد ذهب هنا وهناك فما اكثر الدول التي ذهب لها؟؟


مصر حيث كان خاله محب الدين الخطيب، ودرس هناك فترة..

والأردن حيث زوج ابنته الكبرى في عمان. وللبنان كان يسافر كثيرا مع الصحب والأهل.

والعراق سكن بها فترة من شبابه وقام بالتدريس بها، وألف كتاب بغداد.


الشيخ يتمتع بالطرافة والدعابة فهل لنا بذكر شيء من ذلك؟؟

زاره مرة أحد الرجال المرموقين وحان وقت الصلاة وقام كل الحضور للصلاة،
وبقي ذلك الرجل دون أن يقوم.. فقال والدي بجدية وقال عنه: الحمد لله الذي وهب
فلانا من المكانة ما لم يبلغه أحد حتى أبو بكر وعمر وكل الصحابة والتابعين، حيث بقوا
بحاجة للصلاة ولم يصبحوا بلا حاجة لها كفلان!
__________________
يتيم الشعر غير متصل   الرد مع إقتباس