عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-05-2008, 12:51 PM   #10
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]بسم الله الرحمن الرحيم

الوصمة!!

لاشك أن برامج الفتاوى أصبحت هي السمة المميزة للقنوات الدينية ..وهي ظاهرة صحية لا ننكرها ولانجحدها..لكن حين تتلخص صورة الدين فى مجرد سؤال وجواب تصبح العلاقة بين المرء وعقيدته يعتريها حالة من الجفاف..فإذا أضفنا محدودية وضيق أفق الأسئلة المطروحة تهتز الصورة أكثر وتصبح غير واضحة المعالم والشخوص..كان هذا رأيي منذ زمن بعيد بالرغم من أنى أتابع بعض برامج الفتاوى لأنى من العوام الذين يحتاجون إلى الخواص لاستجلاء مايستغلق عليهم فهمه من أمر دينه ودنياه..بيد أنى بالأمس صدمت صدمة موجعة رغمرغم تحصني بأختها منذ زمن وأفراز جسدى أجساماً مضادة لمثيلاتهما منذ فترة طويلة..ولكن القدر كتب لي أن أصدم للمرة الثالثة ..ففي برنامج فتاوى يعرض على قناة عربية أحترمها سؤل أحد الشيوخ الأجلاء الذين لانزكيهم على الله هذا السؤال من فتاة عربية :

أنا فتاة أحب العلم والتعلم وكل أملي أن أكمل دراستي وأبى وأمى لا يعارضاني ولكن المشكلة تكمن فى أن لي أخاً يرفض فكرة استكمال تعليمي نهائياً ويهدد أبي وأمى بعدم الإنفاق عليهما إن أصررت أنا على ذلك وكلما أخذت خطوة فى طريق العلم قلب الدنيا رأساً على عقب وأجبرنا على الخضوع لوجهة نظره التى لانتفق معه فيه بطرق وضغوط مادية ومعنوية فماذا أفعل؟؟

بالقطع لم يكن السؤال هو الصدمة فالظلم قضية حية فى كل زمان ومكان إلا من رحم ربي..والعقليات المختلفة المتدرجة الانغلاق والانفتاح أيضاً لاتعيش فى عالمنا العربي فحسب لكن العالم يزخر بها وبسياسة (الاستعباد مقابل الغذاء) ..المصيبة كل المصيبة كانت في الرد على السؤال..وهي:

لست أرى أن تعليم المرأة فيه أى ضرورة لأنه يعرضها للاختلاط والمفاسد...

لم تكن تلك هي المرة الأولى- كما قلت- التى أستمع فيها إلى مثل هذا الرأى بل إن شيخاً آخر من أكابر الشيوخ العرب قال أيضاً أن المرأة لا يجب أن تتعلم أكثر من(فك الخط) لتستعين به في قراءة المصحف ثم تنصرف بعد ذلك لتعلم شؤون البيت وتربية الأطفال ..وشككت في نفسي ساعتها وقلت ربما لم أفهم بيد أن الفتوى الأخيرة ثبتت سابقتها!!

وتساءلت..هل كل التعليم فيه اختلاط..هل لم يجد الشيخ الجليل أى وسيلة لتعليم المرأة إلا عن طريق الاختلاط؟؟وهل الاختلاط هو المصيبة الوحيدة فى السؤال..؟؟ألم يعقّ هذا الأخ أباه وأمه ويعامل رحمه بقسوة تهدد بقطعه..؟؟وهل حرص هذه الفتاة على التعليم دخل فى دائرة المفاسد؟؟؟ألم تحرص سيدتنا أم المؤمنين حفصة بنت عمر على تعلم الكتابة فشجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى ابن حجر فى الإصابة بقوله لمعلمتها الشفاء بنت عبد الله التي اشتهرت بحكمتها ومعرفتها بالرقية:

علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة

ألم تكن السيدة عائشة علامة فى الأنساب والشعر كأبيها وألم تكن حجة فى رواية الحديث حتى نعتها الإمام الذهبي بأنها أفقه نساء عصرها وألم تكن أعلم الناس بالطب الذى أتقنته لتطبب به نفسها ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ المرض يشق طريقه إلى جسده الكريم..؟؟

فإذا قال قائل أنها لم تكن تخرج إلى الجامعات التى امتلأت اليوم بالمفاسد ولم تكن تختلط بالرجال لكان الرد أنها تعلمت من الوفود التى كانت تأتي النبي صلى الله عليه وسلم من دون اختلاط غير مقنن أو تعرض للمفاسد فقد قالت حين سأله ابن أخيها عروة بن الزبير عن تعلمها الطب :

يا بني كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره كثير الأوجاع ، فكانت العرب تفد إليه من كل مكان، يأتونه بما عندهم من وصفات طبية ، وانا اسمع منهم ، واجرب ، حتى تعلمت الطب

ثم أن هناك جامعات نسوية الآن يمكن لأى الانتساب إليها بل لقد وصل التعليم إلى داخل البيوت عن طريق جامعات التعليم عن بعد المنتشرة عبر الإنترنت والمعترف بها دولياً وإن كانت كثيرة التكاليف..هذا يعنى أن العلم فى حد ذاته ليس محرماً على النساء ولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مايفيد منع تعليم المرأة درءاً للمفسدة..وإن كان هناك مفسدة حقيقية تتعرض لها المرأة المسلمة فى زمننا فهي الفراغ والتغييب في حين تتقدم زميلتها العلمانية أو المنتمية إلى أى اتجاه آخر مئات الخطوات تسبقها بها وتكتسب كل يوم مكانة أرفع ومهارات تواصل أقوى وليس أدل على ذلك من الحوارات التى تقام إعلامياً بين من يمثلن الاتجاهات الإسلامية واللواتي تحملن لواءات أى اتجاهات أخرى..حيث تكون المحصلة صورة مشوهة لما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة وصورة ملونة بارزة لزميلاتها الأخريات..ومن ثم اتهام للإسلام بأنه السبب الأساس فى تأخر عقلية المرأة الممثلة له .. والتى تنحصر اهتماماتها فى فتاوى الحجاب والنقاب والطهارة والزواج والطلاق..وهي أمور لا نطالب بتهميشها ولكن بترشيد الحوار حولها فنحن لانشكك في أهميتها بقدر ما نأمل أن تتحول بؤرة تفكير المسلمات لتركز على إنقاذ الأمة مما هي فيه بالفهم والتفاهم والتفاعل الحقيقي مع القضايا المطروحة على كل الساحات والتأكيد على أن قامتهن لا يجب أن تنحني ثقافياً أو حوارياً أمام غيرهن فلديهن نفس الفرصة للتعلم والتحاور والتفاعل البناء المثمر واستسلامهن للجهل إنما يسلمهن لأيدى أعدائهن..وسؤالى لأى شيخ يفتينا هو:

هل هو محتم علينا كنساء مسلمات استيراد الطبيبات وأستاذات الجامعات والمفكرات والخبيرات فى كل المجالات غير المسلمات من الخارج لتوجيه عجلة حياتنا ونحن نحبس أنفسنا في الجهل والضياع المجتمعي وتوسعة الهوة بيننا وبين الفكر المطروح على الساحات المحلية والعالمية مكتوفات الأيدي بدعوى أن ديننا يأمرنا بذلك؟؟؟وهل ديننا فعلاً يأمرنا بذلك؟؟؟

أشك.. وربما –رغم جهلي وعدم ادعائى العلم- أرفض وصم ديني بما ليس فيه !!
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس