عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-06-2009, 08:30 PM   #37
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(25)

المصالح القومية

يبدأ فوكوياما ب : القومية ظاهرة حديثة بالنظر الى أنها تحل محل العلاقة بين السيد والعبد، علاقة من الاعتراف المتبادل على أساس المساواة. غير أنها ليست علاقة عقلانية تماما لأنها لا تضفي الاعتراف إلا على الأعضاء في جماعة وطنية أو عرقية معينة. لكنها أكثر شرعية من ناحية ديمقراطية وأكثر مساواة من الملكية الوراثية مثلا، التي تعتبر شعوبا بأكملها جزءا من تركة. من هنا ترتبط الحركات القومية ارتباطا وثيقا بالحركات الديمقراطية منذ الثورة الفرنسية.

غير أن الكرامة التي يسعى القوميون الى نيل الاعتراف بها ليست هي الكرامة الإنسانية العامة بل كرامة جماعتهم وعرقهم، وقد تؤدي المطالبة بمثل هذا النوع من الاعتراف الى صراع مع جماعات أخرى تريد نيل الاعتراف بكرامتها. ولذا فإن القومية بوسعها تماما أن تحل محل الطموح الديني أو طموح الأسر الحاكمة كما حدث في ألمانيا.

(1)

قد تفسد القومية رونق التحضر الليبرالي عندما تطغى عليها النزعة المتعصبة. وهذا ما حدث مع بريطانيا وفرنسا، حيث كان بإمكانهما إقامة إمبراطوريتين شاسعتين من المستعمرات الإفريقية والآسيوية، لكنهما لم تستطيعا المحافظة عليهما (حتى بالعنف والقوة) لغياب الرضا الشعبي، لأنهما ببساطة، اعتبرتا كرامة الهنود والجزائريين والفيتناميين وغيرهم أقل من كرامتهما.

كما أنه وبأعقاب الثورة الفرنسية وظهور القومية، لم يعد باستطاعة ملك أو أمير قيادة جيوش من الفلاحين والعمال المجندين ومن قوميات مختلفة لخوض حرب ضد ملك أو أمير آخر.

كما أن هذه الظاهرة، جعلت إمبراطوريات متعددة القوميات تتجه نحو التفتت، كما حدث مع إمبراطورية (الهابسبورغ) والإمبراطورية (العثمانية).

(2)

ومع التسليم بالقوة الهائلة للقومية على مدى القرنين الماضيين، نرى لزاما أن نضع هذه الظاهرة في منظورها الصحيح. ذلك أنه من الشائع أن ينظر الصحفيون والساسة، بل وحتى العلماء الى القومية وكأنما هي تعكس تعطشا كبيرا وأساسيا في الطبيعة البشرية، وكأن (الأمم ) التي كانت أساسا للقومية هي وحدات اجتماعية خالدة، قدم الدولة أو العائلة.

ويرى عموم الناس أن القومية متى أطلت برأسها صارت تمثل قوة في التاريخ هي من الضخامة بحيث لا يمكن لأية أشكال أخرى من الانتماء، كالدين أو الأيديولوجية، صدها، ومن المقدر لها في النهاية أن تدحر الأعشاب الضعيفة كالشيوعية أو الليبرالية*1

وقد بدا هذا الرأي مؤخرا يظهر في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفييتي السابق. وقد تغلبت النزعات القومية في جمهوريات يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي السابق على العقائد السياسية والمذهبية، فمعظم دول أوروبا الشرقية والتي سادت فيها العقيدة الشيوعية، وينتمون معظمهم الى المذهب الأرثوذكسي، إلا أن المطالب القومية غلبت كل ذلك.

ونحن نضيف، أنه في العراق ورغم أن الغزاة حاولوا إلصاق الصراع الداخلي وكأنه صراع طائفي، فقد تحالفت القيادات الكردية والتي تنتمي الى المذهب السني مع أعداء العراق من مذاهب مختلفة وقوميات مختلفة على هامش الحراك القومي لا أكثر، ولم تُجر القيادات العربية الشيعية في العراق لمثل ذلك الصراع من نفس المنطلق، فاستعاض الأعداء بأشخاص غير عرب يدعون أنهم كذلك لتأجيج الصراع وصبغه بالطائفي.

(3)

يقول (فوكوياما): أنه لا يجب تضخيم دور القومية، رغم أهميتها، ورغم أن البعض قد توقع لها بعد الحرب الباردة أن تحل محل الصراعات الأيديولوجية، فالقومية (بنظره) ليست لها جذور عميقة جدا في النفس لبشرية*2

هنا، يذهب (فوكوياما) الى أن التكتلات القومية تكون قائمة ما دامت مصالحهم قائمة، وقد زادت أهمية التكتلات القومية عندما ربطت باللغة والثقافة والشخصية العامة لأبناء الدولة/الأمة/القومية.

لكن قبل ذلك، كان ارتباط النبيل الروسي بالنبيل الفرنسي أكثر من ارتباط النبيل الروسي بالفلاح الروسي ، وقد كانت الوحدات السياسية لا تعتني بالقومية، فالإمبراطور شارل الخامس من أسرة (الهابسبورغ) كان يحكم أجزاء من ألمانيا وأسبانيا وهولندا، كما حكم سلاطين العثمانيين الترك والعرب والبربر ومسيحيين أوروبيين في نفس الوقت.

إن الكاتب يريد أن يومئ الى مسألة لها علاقة بالعولمة، فيريد القول إن المؤمنين بالليبرالية في عموم العالم ممكن أن تربطهم روابط فيما بينهم أكثر من التي تربطهم مع شعوبهم، هذا إذا فوض أمر الحكم لهم!

(4)

يربط (فوكوياما) النزوع للقومية مع التخلف، فيقول: إن ألمانيا وإيطاليا وهما الدولتان اللتان تأخرتا عن اللحاق بركب الصناعة، هما من فجرتا الصراعات في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأن الصراع في (إقليم الباسك) الإسباني آت من تخلف أسبانيا عن دول أوروبا المتقدمة، التي لا تعني كثيرا بالقوميات.

وأن ما يحدث في أوروبا الشرقية (يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا) ومناطق مختلفة من العالم آت من أنها دول متخلفة ولم يكتمل بها التطور الصناعي، وكان الكاتب يتوقع أن تتفجر صراعات على هامش القومية في مناطق كثيرة في آسيا وإفريقيا، ولكنه يستبعد حدوثها في العالم الراقي.

تعليق

عندما حدثت الحرب بين ألمانيا وفرنسا، في عهد (بسمارك) لم يتخلف الماركسيون الألمان ولا الفرنسيون عن الالتحاق بجيوش دولتيهم. كما فعل بالضبط من هم غير الروس في الحرب العالمية الثانية عندما تعاونوا مع هتلر. ففرنسا المتقدمة كروسيا وألمانيا المتخلفة.

كذلك، فإن مشكلة إقليم (كويبك) الكندي (على افتراض أن كندا مع المجتمع الراقي في نظر فوكوياما) لا زالت قائمة، كما هي قائمة مشكلة (ايرلندا) مع بريطانيا (المتقدمة).

ولا ننسى التصويت من البريطانيين والفرنسيين ضد الاندماج مع أوروبا، وهي مطالب يفترض أنها تتماشى مع نظرية (فوكوياما)!



هوامش (من تهميش المؤلف)
*1ـ الكثير من هذه النقاط أورده (أرنست جلنر) في كتابه Nations and Nationalism (إيثاكا، نيويورك، مطبعة جامعة كورنيل 1983).
*2ـ المصدر السابق صفحة 34

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس