عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-09-2022, 08:53 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,969
إفتراضي

من خلال زيادة الياء التي توحي بالخضوع والانكسار، بل إن فتنتهم هذه ليست سطحية، بل فتنة عميقة ممتدة فالأمر أمر عقيدة، وفتنتهم بعقيدتهم هذه فتنة عميقة آخرها الانكسار والذل، ألا تري أنه لا يناسب هذا المعني من حروف المد إلا هذا الحرف."
بالقطع المسألة بعيدة عن حكاية الحرف فالآية تتحدث عن المفتون وهو المعذب فى الأخرة وليس عن حقارة أو غيرها
الرجل دأب فى بحثه على جعل حرف الياء هو من تدور حوله المعانى وكما سبق القول مرارا الكلمة تتكون من حروف متعددة وليس من حرف واحد والكلمة لا يظهر معناه إلا إذا اتصلت بكلمات أخرى
ثم حدثنا عن مواضع حذف الياء فقال :
"مواضع الحذف
الموضع الأول
- (فإن حآجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)
والشاهد في الآية هو حذف الياء من الفعل اتبعن، والمعهود في كتابتها اتبعني، حيث أن الياء ضمير عائد علي متكلم.
- ومثلها قول الحق: (قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري)
نجد السياق العام يشارك في حل هذه القضية أيضا، وقبل التوجيه نري بعض السياقات المشابهة.
- (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)
- (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري)
ثم ملاحظة أولي وهي أن السياق في الآيتين - موضعي الشاهد - سياق عقيدة ووحدانية، فالاتباع معنوي علي العكس من الاتباع في الآيتين الآخريتين فهو اتباع حسي، اتباع جوارح في صلاة وزكاة وحج ....... فحذفت الياء العائدة علي متكلم له وجود حسي لتنزع هذه الصفة من السياق فيتحول إلي اتباع معنوي، هذه هي الأولي.
أما الثانية فنلاحظ أن السياق الأول خال من ذكر الله بمعني أن الأمر منصرف كله إلي الشخص العائدة عليه الياء، في حين أن السياق الثاني يسبقه ذكر الله وإصراف الاتباع في نهاية المطاف إليه، فحذفت الياء في السياق الأول لتمنع انصراف الاتباع كلية إلي هوي المتبع، فهو وإن كان متبوعا فهو تابع لله، أما السياق الثاني فواضح فيه ذلك وأن التابع والمتبوع كلاهما تابع لله.
الموضع الثاني
- (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)
والشاهد في هذه الآية لفظ (تسألن) حيث حذفت منه الياء والمعهود في كتابته (تسألني) فما السر في ذلك؟!
نلاحظ أن الآية فيها سؤال عن شيء، وهذا الشيء ليس شيئا عاديا بل إن شيء غيبي، فحذفت الياء دلالة علي ذلك، وقد وضحنا مثل هذا الأمر فيما سبق، وهذه هي الأولي.
أما الثانية فتكمن في أن الله وعد عباده الصالحين بإجابة سؤالهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)
فالله - عز وجل - هنا لن يجيب فقط، بل يستنكر علي السائل أن يسأله في مثل هذا الأمر وهو نجاة كافر، ولو كان ابنه، فلا دخل للأنساب هنا، فحذفت الياء من أجل ذلك، يساهم أيضا السياق العام بنصيب كبير في فهم هذا النظم، فمن ذلك قوله تعالي: (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتي أحدث لك منه ذكرا) فالمسئول في هذه الآية لا يستنكر السؤال، بل يجعله مشروطا فقط، علي العكس من الآية الأولي.
الموضع الثالث
- (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا)
الشاهد في الآية هو حذف الياء من الفعل (يهدين) والمعهود في كتابته يهديني.
فهل هذا لا يوجد له نظير في القرآن
يقول المولي تبارك وتعالي: (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)
إن المتأمل في الآيتين يلاحظ الآتي:
الآية الأولي ... الآية الثانية
الياء ضمير متكلم ... الياء ضمير متكلم
الياء عائدة علي سيدنا محمد (ص)... الياء عائدة علي سيدنا موسى (ص)
السياق سياق طلب للهداية ... السياق سياق طلب للهداية
طلب الهداية من النسيان ... طلب الهداية إلي طريق مدين نجاة من القتل
الهداية هنا هداية معنوية ... الهداية هنا هداية حسية
فحذفت الياء في الآية الأولي دلالة علي أن الهداية المقصودة في الآية هداية معنوية، ووضحنا هذا الأمر سابقا، وهذه هي الأولي
أما الثانية فسياق سيدنا موسى (ص) سياق إفراد أي أن سيدنا موسى (ص) وحده هو الذي فعل وقتل ويطلب الهداية إلي طريق مدين من ربه فهذا أمر خاص به وحده لا يوجب الاقتداء، أما الحبيب فطلبه للهداية والتذكير فواجب الاقتداء فحذفت الياء من سياق الحبيب لمنع توهم الخصوصية، ووضعت في سياق سيدنا موسى (ص) وهي عائدة عليه لتدل علي الخصوصية، وهذه هي الثانية.
أما الثالثة فالنسيان شيء معنوي داخلي لايمثل كيان الانسان بأكمله، والهداية تكون علي قدره، أما الآية الثانية فطلب الهداية طلب حسي أن يهدي الله كيانه وجسده إلي طريق مدين، فالهداية هنا حسية، ولا يتساوي الحسي بالمعنوي ومن أجل ذلك جعلت الياء مع الحسي وحذفت مع المعنوي، وهذه هي الثالثة.
أما الرابعة فالياء عائدة في الآية الأولي علي حبيبنا محمد وهو القائل عندما سئل عن سبب إرهاق نفسه في العبادة وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر أفلا أكون عبدا شكورا، فحذفت الياء العائدة عليه هنا إيحاء منه (ص)بما في نفسه من عدم تميزه، فهو في العبادة والطاعة مثل الأمة بأسرها، (ص)
الموضع الرابع
- (قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا)
والشاهد في الآية حذف الياء من الفعل (نبغ) والمعهود عليه (نبغي) ولا تحذف الياء منه إلا في حالة جزمه. فما السر في حذفها هنا؟!.
نلاحظ أن السياق الواردة فيه هذه الآية سياق حواري، حوار العبد الصالح مع سيدنا موسى (ص)وموضوع الحوار عبارة عن أشياء غيبية، بل إن سيدنا موسى (ص) لم يطلب مصاحبة العبد الصالح إلا طلبا لما عنده من علم امتن الله به عليه.
فحذفت الياء دلالة علي غيبية هذه الأمور، بل إن المعروف عن حرف الياء أنه حرف مد، وكما عرفنا من سياق تبرئة العبد الصالح نفسه أن ما فعله ليس بغيا، فحذفت الياء حسرا لما ظنه سيدنا موسى (ص) بغيا، فالامتداد في الصوت يعطي اليقينية والتأكيد، أما حسره فيخففه كما بينا.
الموضع الخامس
- (فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)
والشاهد في الآية هو حذف الياء من الفعلين (أتمدونن و آتان) والمعهود في كتابتهما (أتمدونني و آتاني) فما السر في ذلك؟!.
نلاحظ أن السياق هنا سياق استفهام، بل إنه ليس استفهاما عاديا بل استفهام إنكاري توبيخي، فسيدنا سليمان يستبعد نفسه عن أن يقبل مثل هذه الهدية، وما يحمله قبوله لها من معان لا يرضي بها أبدا لنفسه، إضافة إلي المعاني التي تحملها هي في ذاتها، فهو يستبعد نفسه عن كل ذلك، فحذفت الياء العائدة عليه موحية بذلك وعن مدي استنكاره الشديد.
أما الفعل آتان فوجه الحذف فيه استبعاد سيدنا سليمان نفسه عن الفردية، فالله – عز وجل - أعطاه، فهذا لا يعني أنه الوحيد والمميز، بل قد يوجد من هو أفضل منه في الطاعة ومن ثم أفضل منه في هبة الله – عز وجل له - بل إن المعني قد يتعدي أكثر من ذلك بكثير، فالسياق سياق مقارنة بين عطائهم له وعطاء الله له فعطائهم زائل ومن ثم سيكون خاص به هو فقط، أما عطاء الله فهو عطاء باق حكم وملك، فمن الممكن أن يورث فلا يقتصر عليه هو فقط.
وبهذا نكون قد وصلنا إلي نهاية بحثنا هذا الذي دللنا من خلاله أن لكل حرف من القرآن إعجازه الخاص به، بالإضافة إلي إعجازه في نظمه"
كما سبق القول حرف واحده سواء ذكر أو حذف لا يؤثر فى المعنى الذى قاله الله طالما فهمه السامع أو القارىء فهو لا يزيدنا معانى ولا ينقصنى معانى فكل الناس يعرفون أن تتبعن تعنى تتبعنى وأن تسألن تعنى تسألنى وهكذا
بل إن الحذف الذى يتحدث عنه لو تحدثنا عنه من جانب أخر فسيكون اتهام لكتاب الله بالنقص وأنه خالف الكتابة الصحيحة وغير هذا من المشاكل التى يثيرها الحذف الكتابى وهى مسائل طالما جعلها الكفار شبهات واتهامات تكال لكتاب الله
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس