عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-10-2007, 12:46 AM   #6
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]وتلى ذلك روائع القيسين قيس ليلى (المجنون) وقيس لبنى,.
واشترك حتى الخلفاء في هذه الوليمة الرائعة فتغنى المغنون بقصيدة الخليفة يزيد بن معاوية:



وامطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العناب بالبرد


أرأيت كيف ابدع في هذا البيت فأجاد، ثم جاء صاحب فوز العباس ابن الأحنف وتوالى الشعراء بروائعهم في المشرق والمغرب.
ثم جاء بشار بتوليداته العجيبة وتلاه مسلم بن الوليد مبتكر البديع وصاحب مدرسة صناعة الشعر وأبو نواس في جمرياته وأبو العتاهية في زهدياته ثم جاء ملك البديع ابن المعتز الذي رسخ فن البديع في الشعر وتلاه الثالوث المعروف أبو تمام والبحتري والمتنبي,, ولو ان أبو فراس جاء في زمن غير زمن المتنبي لكان له شأن آخر لكن عبقرية المتنبي القت عليه بظلها ومع ذلك فإن رائيته تعد أروع روائع تراثنا الشعري:



اراك عصى الدمع شيمتك الصبر
اما للهوى نهي عليك ولا أمر


ثم نام الشعر نومة أهل الكهف واطال عندما ساد حكم الترك دولة الاسلام وأصبح العرب تبعا بعد ان كانوا على رأس القيادة,, ومرت خمسة قرون أو أكثر أصاب الشعر جمود وانحلال إلا من بعض الفلتات هنا وهناك واضمحل دوره وتراجع القه وقل اهتمام الناس به فقد كان العرب مكروبين بأحوالهم وهمومهم الكبرى,.
ومع ان أبا تمام قد اتجه بشعره وفنه وطاقته كلها إلى البديع والتصنيع إلا انه تجاوز طبعه وفطرته وراح يمارس صناعة البديع حتى افرط وعندما افرط كثر تكلفة ومج كثير من شعره لوضوح التكلف والصنعة فيه ثم جاء العبقري المتنبي الذي سار مع طبعه وفطرته فجاء شعره في اكثره مطبوعا لا تكلف فيه إلا في القليل الذي اضطر اليه اضطراراً وساقته اليه رغبة المديح طلبا للصلة,, فقد كان الشعر هو مصدر رزقه الوحيد ولم يكن يعينه طبعه لمدح اشخاص كان يؤمن في قرارة نفسه بأنهم ليسوا أهلا لمديحه فكان يقول من وراء طبعه شعراً ممجوجا متكلفا لا روح فيه ولا حس، وكان ذلك يرضي الممدوح طالما انه صادر من المتنبي,, او متوجا باسمه الكبير.
لقد كانت العرب تتذوق البديع عندما كانت القصيدة بكاملها يتخللها بيت او بيتين من البديع الذي كان يأتي بقوة الطبع وفطرة الملكة بلا تكلف او افتعال فلما فاض وزاد ودخل عليه التكلف والتصنع وأدخلت عليه مفردات جافة خاصة في شعر أبي تمام لم يستسغه الناس وان كان الجيد من السهل الممتنع يكاد يخلب عقول الناس بحلاوته وطلاوته حتى في شعر أبي تمام,.
ولقد أدرك اكثر الشعراء ان للشعر لغة خاصة وان المفردة الجافة الجافية إذا جاءت في البيت اذهبته واضاعت طلاوته ورونقه ولا يجدي في الشعر شهرة الشاعر ايا كان إذا لم يحسن اختيار المعنى وصياغة المبنى فهذا الاعشى يقول:



وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني
شاو مشل شلول شلشل شول


وقد كان في إمكانه الاستغناء بواحدة من هذه المفردات الاربعة فمعناها جميعها واحد.
ويقول جرير في قصيدته:



بان الخليط برامتين فودعوا
او كلما جدوا لبين تجزع


أرأيت حلاوة المطلع,, ثم قال في نفس القصيدة:



وتقول (بوزع) قد دببت على العصى
هلا هزئت بغيرنا يا بوزع


فافسد القصيدة بهذا البيت لاحتوائه على هذه المفردة (بوزع) الشاذة,.
وأنشد رجل الخليل ابن أحمد (ترافع العز بنا فارفنععا) فقال ليس هذا شيئا قال كيف جاز للعجاج ان يقول (تقاعس العز بنا فاقعنسسا) ولا يجوز لي، وهو تكلف لا معنى له والشعر في غنى عنه وهكذا بدأ الشعراء يدركون حلاوة السهل الممتنع الذي يأتي مع الطبع وبالفطرة وبلا تكلف وبدأوا يكثرون من ترديد المفردات الشاعرية التي كانت في بدايات تسلل البديع إلى الشعر العربي تأتي بين الفينة والأخرى في شعر هذ الشاعر أو ذاك غير مقصودة لحسنها ولكنها تساقطت على مخيلة الشاعر بحكم طبعه وفطرته فكان لها حلاوة وطلاوة لا يطاولها أي حلاوة ولاتبزها اي طلاوة: فعرف الشعراء بسليقتهم (الترصيع) كقول ابي صخر الهذلي:



سود ذوائبها بيض ترائبها
محض ضرائبها صيغت على الكرم


لاحظ انه في البيت (ذوائبها، ترائبها، ضرائبها) كيف أنهى الثلاث كلمات بالحروف ب,ه,أ, في الثلاث المفردات على التوالي وهذا هو الترصيع وما أحلاه إذا كان على البديهة وبلا تصنع,.
ومنهم أبو المثلم وقد قال:



حامي الحقيقة نسَّال الوديقة
معتاق الوسيقة جلد غير ثنيان
رباء مرقبة مناع مغلبة
وهاب سلهبة قطاع اقران
هباط اودية حمال الوية
شهاد اندية سرحان فتيان


وأنت تلحظ كيف استعمل في البيت الاول المفردات (الحقيقة، الوديقة، الوسيقة) وهي على وزن واحد لا تختلف وتلاها في الثاني بالمفردات (مرقبة، مغلبة، سلهبة) ايضا على وزن واحد تلتها في البيت الثالث وعلى وزن واحد المفردات (أودية، الوية، اندية) ثم انظر كيف قسم البيت باستعماله اربع مفردات على وزن (فعال) وهي رباء، مناع، وهاب، قطاع، ولم يتوقف بل استمر في البيت الثالث هباط، حمال، شهاد، سرحان، مما أضاف الموسيقى الداخلية وهي موسيقى اللفظ على الموسيقى الخارجية وهي موسيقى الوزن وكما قلت فان البيت او البيتين في القصيدة من فن البديع وعلى الفطرة لها في القلب حلاوة وفي السمع طلاوة ولو ان مقطوعة ابي صخر الهذلي تكاد تحس فيها الطبع والصنعة مع عدم التكلف على رغم كثرة الابيات في قطعته ثم اكتشفوا خلال رحلتهم مع الشعر التقسيم واستظرفوه ومنه على سبيل المثال قول بشار وقد استوفى كل التقسيم الممكن,.
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس