عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-12-2007, 10:59 PM   #46
محمد العاني
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,538
إفتراضي

زينب




أخواتي و أخواني..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

قصّتي اليوم ليست عن شئ حدث لي إنما عن حدث عايشتُهُ. و فيها الكثير من الدموع و الحقد الطائفي الأعمى الذي ألم بالعراق فأحرق الأخضر و اليابس.
قصتي اليوم عن إمرأةٍ أسمها "زينب". زينب كانت متزوجةً من رجلٍ يعمل حارساً في مدرسةٍ تقبع في أحد الأحياء ذات الأغلبية الساحقة لأحد المذهبين المتصارعين على السلطة في العراق. و كانت زينب و زوجها من المذهب الآخر.
قتلُ مسلحون مجهولون زوجها دون سببٍ واضحٍ في وقتٍ عصفت فيه ريح الطائفية المقيتة في العراق و قُتل بين رحاها الكثيرون. و بما أن لزينب ثلاثة أطفالٍ صاروا أياماً أكبرهم بنتُ في الرابعة عشرة و أصغرهم ذكرٌ لم يتجاوز العام و نصف العام، أصرت زينب على البقاء للقيام بعمل زوجها في المدرسة ليتسنى لها أن تُطعم أطفالها من حلال رزقها.
خرجت في يوم زينب لقضاء حاجةٍ في المنطقة القريبة على المدرسة، و تأخرت في العودة لأطفالها. بعد عدة ساعاتٍ خرجت بنتها الكبرى مصاحبةً لأخويها الصغيرين بحثاً عن أمهم. و سأروي لكم باقي القصة بكلمات بنتها الكُبرى:
"في شارعٍ قريب من المدرسة وجدتُ أمي مرميةً قريب الرصيف مضرّجةً بدماءها. هرعنا إليها و الدموع تتساقط منا دون شعور. وجدناها و قد فارقت الحياة و على جسدها آثارٌ لعدد كبير من الإطلاقات النارية. أخذ أخوتي بالبكاء و رحتُ أطوف الشارع أسأل عما حدث. أخبرني صاحب محل قريبٍ أن سيارة فيها ثلاث رجالٍ مسلحون اوقفوها و رموها بالرصاص حتى فارقت الحياة قبل عدة ساعات. و لم يتجرأ أحد من المارة أن يقترب منها أو حتى يغطيها بشئ ما ليستر جثتها.
عدتُ إلى أخويّ و أنا لا زلت لا أصدق أن الشخص الوحيد الذي تبقى لنا بعد أبي قد رحل أيضاً. ماذا سأفعل الآن؟؟ كيف سأطعم أخوتي..؟؟!!
وسط بكائنا و دموعنا، إستمر أخي الصغير بالقول: لا تتركيني يا أمي ..أريدك أن تعودي الآن..!!
ثم أخرج ثديها من ردائها و أخذ يرضع منه و يقول: إني جائعٌ يا أمي..متى ستحضرين الغداء؟؟"

عفواً اخواتي و أخوتي..لا أستطيع إكمال القصة الآن..و أعتقد أن ما قيل يكفي..
__________________
متى الحقائب تهوي من أيادينا
وتستدلّ على نور ليالينا؟

متى الوجوه تلاقي مَن يعانقها
ممن تبقّى سليماً من أهالينا؟

متى المصابيح تضحك في شوارعنا
ونحضر العيد عيداً في أراضينا؟

متى يغادر داء الرعب صبيتنا
ومن التناحر ربّ الكون يشفينا؟

متى الوصول فقد ضلت مراكبنا
وقد صدئنا وما بانت مراسينا؟
محمد العاني غير متصل   الرد مع إقتباس