عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-06-2009, 09:56 PM   #2
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي

أكتفي بهذه اللمحة السريعة إلى تقلـّبات الموقف الرسمي العربي. فشهادات الوقائع تـُغني عن الإسهاب في الكلام، فضلا عن أنها باتت من وجهة نظري، من المسلمات. لا سيما أن ما يعنينا في هذا البحث، هو مسألة وجود مقاومة في لبنان، تستعد للتصدي لمواجهة عدوان أسرائيلي قد يقع، في أي لحظة. والسبب هو أن المستعمرين الإسرائيليين لا يقبلون بهذا الوجود، كونه يمثـل إحتمالية لإعتراض خططهم، بمستوى إحتمالية الخطر الإيراني عليهم، كما يزعمون، أو بالتواصل معها. مثلما لم يقبلوا بوجود كيان موحد في العراق، ضمن إطار المشترك العروبي. فحرّضوا أصدقاءهم على غزوه وإحتلاله، ليصير ساحة تغلب عليها الرداءة، وتكثر فيها المفاسد والمكائـد والفتن. وهذا يعني إذن، أن هناك، عمليا تقاربا، بين الموقف الرسمي العربي من جهة وبين النهج الذي يسلكه المستعمرون، لإرساء ركائز هيمنتهم من جهة ثانية.
من نافل القول، أن المجتمعات العربية المستهدفة من الإستعمار الصهيوني، أظهرت، حتى الآن قصورا حقيقيا، لا مجال في هذا الموضع للغوص في تفاصيل عـِلـَله، في إنتاج مقاومة تتصدى لهذا الإستعمار وتنجز مرحلة التحرير الوطني الكامل. فكيف تتوفر إذن إمكانية نهوض مقاومة وطنية، في مجتمع كالمجتمع اللبناني، يحكمه مذهب التجاريين، وينخره الفساد والإنحطاط الأخلاقي، البائنان عـِيانا، في معظم ميادين النشاط الجمـْعي، سواء كان بإدارة القطاع الخاص، إو إدارة مؤسسة من مؤسسات الدولة.

لبنان الحر الديمقراطي

لذا فان المنطق يقضي، بحسب رؤية كاتب هذه السطور الذي يزعم بأنه يساري قديم، ولم يزل يساريا رغم إبيضاض شعرِ رأسه، بأن يـُنظر إلى المقاومة في لبنان من خلال الظروف المحيطة بها وإعتمادا على معرفة بالتربة التي حملت بها وولدتها. أو بكلام أوضح، يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار العناصر والعوامل والخيارات، الموجودة في الجنوب اللبناني المتاخم لشمال فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى الضرورة القصوى، لتجنيد الجماهير في تلك المنطقة من أجل خلاص أبنائهم من التعذيب الجسدي ومن برامج الإرتهان النفسي، في معتقل إنصار. كان لا بد من إشعال شرارة تعيد الثقة إلى أنفس الناس الذين خطف الجنودُ الإسرائيليون أولادهم ،ليلا، من أحضانهم. في الحقيقة، ما لبث أهل الجنوب أن إكتشفوا، أن هؤلاء الجنود لم يأتوا فقط لكي يدفعوا الفلسطينيين إلى منفى أبعد، ولكنهم جاؤوا أيضا ليجعلوا منهم حـُطام جمادات يحصنون بواسطتها مواقعهم. فظنوا أن ما يجب عليهم فعله قبل كل شيء، هو تجريدهم من أنسانيتهم.
لم تعلن الحكومة اللبنانية النفير العام، أو التعبئة الشاملة، عندما كان جنوب البلاد محتلا. حتى حروب الميليشيات خارج الجنوب، من أجل السيطرة على الأزقة، وعلى المرافئ غير الشرعية، لم تتوقف. بقيت أبواب الملاهي مفتوحة، والشواطئ والمسابح الخاصة كانت تغص بالمستحمين. وفي زمن الإحتلال، كان للجنوب معابر أيضا، تـُفتح وتـُغلق، دون أنتظام، وكأن الهدف من ذلك، كان زيادة الإضطراب من الكابوس الذي حصل للجنوبيين، دون سواهم، طيلة الوقت، في الليل والنهار. ويتوجب التذكير هنا، بأن القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل الجنوب، لم تجد صعوبة كبيرة في تشكيل 'جيش' من اللبنانيين أنفسهم، تابع لها، أوكلت قيادته، إلى ضباط وحاملي رتب لبنانيين، أنشقوا عن الجيش اللبناني.
هذا هو لبنان 'الديمقراطي'، الذي توالت فيه، الإعلانات في الأيام القليلة التي سبقت إلإنتخابات النيابية في حزيران (يونيو) 2009، عن أكتشاف شبكات تتجسس لحساب دولة المستعمرين الإسرائيليين. ورغم هذا كله، نهضت فيه، مقاومة تشغل بال جميع اللبنانيين، والحكومات العربية المعتدلة ،بالإضافة، طبعا، للدول الإستعمارية الغربية، والسبب أنها، أثبتت قدرتها، على توجيه ضربات موجعة، ردا على أي إعتداء، أو توغل تقوم به القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. وبتعبير أوضح، إن وجود هذه المقاومة يقلب معادلة الحرب غير التماثلية التي يحقق بواسطتها المستعمرون أهدافهم دون أن يتكبدوا أية خسائر.
إن ما قام به، حزب الله، في الحقيقة هو إعلان التعبئة العامة في جنوب لبنان. بمعنى آخر إستنبط هذا الحزب، أدوات فكرية وعقائدية وتنظيمية، واستخدمها في أقناع أوساط واسعة من أهل الجنوب، بضرورة الإلتحاق بصفوف المقاومين. وشيئا فشيئا ًُ، لا سيما وأن القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل الجنوب، كانت تبطش بالناس دون تمييز ،و تخرّب أملاكهم إنتقاما، كلما تعرضت لهجوم، فتداخلت الأمور وضاعت الحدود بين المقاوم واللامقاوم، وصار في كل بيت جنوبي، شقيق أستشهد أو والد أصيب بعاهة دائمة.
كان طبيعيا، أن يستخلص حزب الله، عقيدتة من تراث المذهب الإسلامي الشيعي، لسبب بسيط هو أن الغالبية العظمى من أهل الجنوب، هم من أتباع هذا المذهب. ومن التراث نفسه أيضا إستقى برامج التوجيه المعنوي لإعداد عناصره. وجملة القول، أن المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، هي جيش أخذ أهبته تحسبا لعدوان إسرائيلي قادم، فأستخدم ما بين يديه من وسائل للحصول على أقصى حد من التعبئة في صفوف الطائفة الشيعية، وكـثـّف نشاطه لشرح عقيدته القتالية لرفع معنويات جنوده وترسيخ قناعاتهم بصواب النهج الذي يسلكونه. وهذا ما يحدث في أعتقادي، في كل جيوش العالم، في زمن الحروب .

تجييش مذهبي بفيض

الغريب أن هذه المقاومة أو هذا الجيش، بات يؤرق الحكام العرب. وأغلب الظن أنهم يخافون من النموذج الذي أعطاه للشعوب العربية، في كيفية التصدي للهجمات الإسرائيلية، والذي تجلى خصوصا، في حرب تموز سنه 2006. ولعل الخشية من أنضمام، مناضلين لبنانيين، وعرب إلى هذا الجيش، أو من إتخاذه قدوة، هي التي دفعت هؤلاء الحكام، إلى تجييش مذهبي مقيت، ضد المقاومة اللبنانية. صار الإنتصار لمقاتليها الذين فاجـأوا المعتدين الإسرائيليين أنفسهم بصمودهم، تهمة بالتشيع. وصدرت الفتاوى بالنهي عن المقاومة لأنها تصرف عن العبادات. وعلا الضجيج في مصر، قبل موعد الإنتخابات في لبنان بمدة قصيرة، إحتجاجا على محاولة مناضل لبناني، نقل السلاح إلى قطاع غزة، فاعتبر عمله مسأ بأمن مصر. 'وأخيرا بق أمام سعودي البحصة'، في وسط هذه الزحمة، وأعلن ان الشيعة كافرون. لقد تجمعت الفتاوى، والإفتراءات، والهراء، وأموال النفط، ودروس الولايات المتحدة الأمريكية، والإتحاد الأوروبي، في الديمقراطية وحقوق الإنسان، في المستنقع اللبناني، وزادت من حدة الإصطفاف الطائفي، الذي إفتضح بالإنتخابات الأخيرة.
إذا صح ما سلف، عن المبررات التي قادت إلى، تكتل الشيعة خلف حزب الله، للمقاومة دفاعا عن النفس ضد إعتداءات الإسرائيليين، ينهض سؤال محيـّر فعلا، عن الدوافع إلى تكتل الطوائف الأخرى في لبنان ضد طائفة حزب الله، ما عدا النصارى الذين أنقسموا إلى كتلتين، واحدة سارت خلف رجل دين، وأخرى خلف رجل عسكري. وبما أنه ' لا إكراه في الدين'، فمن الأفضل أن يتعاون الناس لإصلاح شؤون دنياهم، لاسيما وأن الخطر كبير على الجميع. ومهما يكن فلـقد جـُرّت المقاومة الإسلامية إلى مواجهة عسكرية ضد أعدائها في الداخل، فربحت، ثم جـرّت إلى معركة سياسية ضد نفس الأعداء فخسرت. وهذا طبيعي، لان السياسة لا يحين موعدها ألا بعد التحرير والإستقلال هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية إن أدوات السياسة تختلف كليا، عن أدوات المقاومة.
كاتب لبناني
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس