الموضوع: شقاء السعادة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-04-2010, 12:51 PM   #17
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


(43)

عندما شرع البناءون بتشييد مخازن (أبي مناور)، تساءل بعضهم: لماذا يبني أبو مناور خمسة مخازن بطول عشرة أذرع للواحد وعرض سبعة أذرع؟ والكل يعرف أن الحركة التجارية البسيطة في بلدتهم لا تحتاج مثل تلك المخازن. وتساءل آخرون: من أين أتى (أبو مناور) بالأموال اللازمة للبناء؟ وبعضهم قال: إنه عثر على كنز .. وآخر قال: إنه رهن أرضه عند (النصراني) ليمده بالمال. نادراً، ما يعتذر أحدهم عن تفسير أي شيء، حتى لو كان ذلك الشيء يخص علوم الفضاء.

كان بعض الرجال، يجلسون منذ الصباح يراقبون كيفية تثبيت ألواح الخشب، وكيفية تثبيت قضبان الحديد، ويدققون النظر بحجم الطوب، ويسألون البنائين عن كل صغيرة وكبيرة، وكأن أحدهم مُكلفٌ في وضع تقرير أو دراسة عن هذا النمط الجديد من طرق البناء، والمغاير لطريقة الحجر والطين القديمة.

كان بعض الفتية، يستغلون غفلة البنائين، ليلتقطوا بعض المسامير الملتوية أو قطعٍ من أسلاك رفيعة، ويذهبون بها بعيداً ليستحدثوا أداة يلعبون بها، كمصيدة للعصافير أو لعمل مركبات من الأسلاك يدفعها الأولاد أمامهم متخيلين أنهم يقودوا سيارات حقيقية.

لم يكمل أبو مناور (تشطيب) مخازنه، بل تركها مسقوفة ووضع لها أبواباً، ووضع على الأبواب أقفالاً متينة، ولكنه لم يترك أي نافذة، ولم يغطِ الطوب بما يصقل الجدران، ولكنه صب أرضيات المخازن بصبة إسمنتية ناعمة.

برر أحدهم أن أبا مناور لم يكمل البناء، لأنه يريد أن يوهم الآخرين بأن المال الذي وجده بالكنز قد نفذ! وقال آخر: ربما اكتشف خطأه بأنه لا نفع من ذلك المشروع.

(44)

حضر قائد الدرك مع مدير الناحية، واتفقا مع أبي مناور لاستئجار مخازنه على الحال التي هي فيه، ليتم تخزين المساعدات الأمريكية من القمح على المواطنين.

وصلت عشر شاحنات محملة بالقمح الأحمر الداكن والأرفع من القمح المحلي، وضع في كل كيس خمسون كيلوغراماً من القمح. وكُتب على الكيس (هدية من شعب الولايات المتحدة الأمريكية) ثم وضعت (صورة) ليدين متصافحتين، وكتب أسفل الصورة (ليس للبيع أو المبادلة).

تجمهر الناس حول السيارات التي بُدء بتفريغها في مخازن أبي مناور، ووقف بعض رجال الدرك محيطين بقائدهم ومدير الناحية، وكان هناك من يسجل بعض المعلومات (عدد الأكياس في كل مخزن) (اسم السائق) (حالة العبوات الخ).

كان بعض الفتية يتهيئون للصعود الى السيارات الفارغة، بعد أن تفرغ حمولتها لجمع ما تساقط منها من حبات القمح. ولكن كان هناك أكثر من صوت يزجرهم، سواق الشاحنات، وبعض رجال الدرك، فأفشلوا أحلام أولئك الفتية.

لم يُعين من يحرس المخازن أو قمحها، بل اكتفى مدير الناحية بأخذ مفاتيح الأقفال، بعد أن وضع شمعاً أحمراً على كل قفل.

(45)

استمرت دعوات مدير الناحية لوجهاء البلدة أكثر من ثلاثة أسابيع قبل أن يشرعوا بتوزيع القمح على المواطنين. فكان كل وجيه أو (مُختار) يحضر قائمة بأسماء العائلات وأعدادهم.

كثر اللغط بين الناس، عن نزاهة التوزيع المقبلة، وكانوا يتناولون الحديث عن ذلك أمام دكان (أحمد الرشيد) والذي لم يخفِ قلقه، فقد استورد من العراق سيارة كاملة من تمر (العجوة) الذي كان يستخدمه الناس غذاءً بديلاً عن غذائهم الرئيسي والمكون غالبه من القمح، فخشي أن يقل الطلب على تلك المادة.

كان أستاذ التاريخ وصابر من بين الذين يتناولون ذلك الموضوع، فكانا يسميان تلك الهدية بأنها (رشوة سياسية) لربط القرار السياسي الوطني بالإرادة الأمريكية. لكن لم ينتبه أحدٌ لما كانا يتحدثان به.

(46)

حضرت خيول الدرك مع سيارة شرطة من العاصمة، فقد اكتشف مدير الناحية أن أكثر من نصف القمح المخزون قد سُرق. ولم يكتشف الخبراء من سرقه، فالأقفال لا زالت في مكانها ولا يوجد ما يدل على أن أحداً قد اقتحم المكان.

جُمع سبعة (زُعران) من البلدة، وتم ضربهم ضرباً مبرحاً، وحجزهم في (نظارة) الدرك، والتناوب على ضربهم، دون فائدة.

ولم ينتبه أولئك الخبراء لركض طفلٍ من أمامهم كان يرتدي (دشداشة) مكتوبٌ على مؤخرتها ( ليس للبيع أو المبادلة).

لقد اختار (الزعران) السبعة من بينهم واحداً رقيق البنية، أزالوا واحدة من الطوب فيدخل من خلال الفتحة ويرفع الكيس حتى تبقى فتحته العليا فارغة، فيوجهها نحو مكان الطوبة المُزالة، ثم يلاعب محتويات الكيس حتى تصبح خارج المخزن، ورفاقه يأخذون الكيس ويذهبوا به بعيداً الى مكانٍ لا يشك به أحد، ثم يحملون القمح ويبيعونه بسعر زهيد في قرى مجاورة.

سُجلت القضية ضد مجهول. وتم الإفراج عن الزعران الذين برروا عملهم بأنهم أولى بسرقته من القائمين على توزيعه!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس