عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-03-2010, 02:27 PM   #1
transcendant
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2008
الإقامة: الجزائر DZ
المشاركات: 2,785
إفتراضي فقدان الثقة بالنفس في العالم العربي

مقال يرد فيه حبيب راشدين على تقرير صدر مؤخرا ..


هل العالم العربي أصبح فاقدا للثقة في النفس حيران كما يراه تصنيف غربي جديد، أم أن التقارير الدولية حول الحالة الصحية للعالم العربي هي جزء من عمل منهجي يعمل على زرع بذور الشك في النفس، وجلد الذات على أيدي فريق محترف من النخب العربية التي تقول كبنت الصدى عن سماع، وتقوم بدور أخطر من الدور الذي لعبته الفئات العميلة زمن الاستعمار، وتمنعنا من إنجاز التقييم الموضوعي لأحوالنا استنادا إلى المبدأ القرآني، حيث لا تكلف نفس إلا وسعها، فنبدأ باستكشاف سعة هذه الأمة قبل الحكم على مواطن التقاعس والتقصير؟
المتتبع لما يصدر موسميا عن دور الدراسة الغربية، ومنظمات متخصصة تابعة للأمم المتحدة، من دراسات وتصنيفات للعالم العربي، لا يسعه إلا أن يخرج بانطباع واحد، وهو أن العالم العربي ليس فقط عالما متخلفا في جميع الميادين، يحتل ذيل القوائم التي تحتفل بتفوق الأمم والشعوب، وصدارة قوائم الدول والشعوب الفاشلة الجاهلة البائسة المعتدية على حقوق الإنسان فيها، وعلى أمن واستقرار بقية الشعوب والأمم، وقد أضيف إليها تصنيف جديد استشهد به العالم المصري الحائز على جائزة نوبل أحمد زويل، يعرف الشعوب العربية كشعوب فاقدة للثقة في النفس.

إحالة العقل العربي إلى عيادة فرويد
فإلى جانب الشعوب الغربية، التي انتقلت من مرحلة الثقة المطلقة في قدراتها وتفوقها، إلى مرحلة الشك والخوف من دخول أمم جديدة حلبة التنافس على الكعكة العالمية، صنفت بقية الشعوب إلى فريقين:
- شعوب استعادت الأمل في المستقبل والثقة في النفس، ونراها تدخل ساحة المنافسة بلا تردد، وبجرأة تستفز اليوم الغرب المهيمن، وتدفع به إلى الشك والخوف على ما بين يديه من مقومات السيطرة والهيمنة، وأكثر هذه الشعوب هي من آسيا، ومعها بعض شعوب أمريكا الجنوبية.
- وشعوب فاقدة للثقة في النفس، فاقدة للأمل، لم تحسم خياراتها، متذبذبة، تشتغل خلف زجاج معتم يحجب عنها الرؤية، تتشكل أساسا من الشعوب العربية، وبعض الشعوب الإسلامية من غير العرب.
هذا التصنيف، مثل كل تصنيف، فيه كثير من الصواب وكثير من الأخطاء والمغالطات، حين لا يكون جزءا من حملة خداع، يراد بها زرع بذور الشك والريبة عند الشعوب في مقدراتها، وهو يحرمنا عادة من إنجاز البحوث والدراسات الموضوعية للوقوف على مواطن القوة والضعف الحقيقية.
من كل الدراسات الموسمية، والتصنيفات التي تصدر عن منظمات تابعة للأمم المتحدة، أو عن هيئات غير حكومية ودور للدراسات، نكتشف بكثير من الحيرة، كيف تتعمد هذه الدراسات صياغة لوح أسود عن العالم العربي تحديدا، وتصنفه في الغالب في ذيل قائمة الدول، حين يتعلق الأمر باستقراء العوامل الإيجابية عند الدول والشعوب، وتجعله على رأس القوائم، عند إحصاء العناصر السلبية، حتى أن العالم العربي هو على رأس القوائم في مجال نسبة الأمية والفقر، وسوء التغذية وتفشي الأمراض، وسوء الرعاية الصحية، وهو الأول في مجال البطالة، وبطالة الشباب وهجرة العقول، وضعف نماء الموارد البشرية، وهو الأول في حرمان المرأة من المشاركة في التنمية وفي الحياة السياسية عموما، والأول في معدلات الفساد، وقس على ذلك. وهو الآخر في القياسات الموسمية، حين يتعلق الأمر باحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وفي حصة الشعوب من الابتكار والاختراع وخلق الثروة، وقس على ذلك.

حق يراد به باطل
هذا لا يعني أن كثيرا من المعطيات التي تساق حول العالم العربي غير صحيحة، وقد نكون أكثر قسوة على الأنظمة العربية من هذه الدراسات، عندما نضعها في سياقها الطبيعي، أي حين ننظر إلى المقدرات الهائلة من الموارد الطبيعية والبشرية التي تتوفر للعالم العربي، والتي تتركها الأنظمة الفاشلة عرضة للنهب والضياع ، قبل أن نصل إلى بيت القصيد: فليس المقصود بهذه الدراسات، التي ترسم لوحا أسودَ عن العالم العربي، تحفيز الدول والشعوب العربية على حسن استغلال ما بين أيديها من الموارد والمقدرات، بقدر ما يراد زرع روح اليأس والاستسلام، وفي الحد الأدنى الدفع بهذه الشعوب والدول إلى خيارات انتحارية، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الشعوب والدول.
وقد أوكل هذا الدور اليوم إلى فريق محترف من المثقفين العرب، المرتبطين بدور دراسة مشبوهة، غالبا ما تعمل لصالح الدوائر الاستخبارية الغربية، نراهم يتداولون الأدوار بالفضائيات العربية وكبريات الصحف، لزرع روح الاستسلام عند العرب، وفي الحد الأدنى حملهم على الشك في الذات حد اليأس.

طابور الأقلام السود بياقات بيضاء
ولع القارئ يكون قد تابع منذ أيام قليلة، تلك المناظرة البائسة على قناة الجزيرة، في حصة الاتجاه المعاكس، تولّى فيها مثقف ليبي يحمل جنسية إحدى الدول الأوروبية، على مدار ساعة من الزمن مهمة الدفاع بكل وقاحة عن أسطورة أفضال الاستعمار الغربي على الشعوب العربية، تمهيدا لزرع فكرة استعمارية خطيرة، تدعي أن الشعوب العربية ترزح اليوم تحت احتلال داخلي من أبناء البلد، هو من البشاعة بالقدر الذي يشفع لدعوات استدعاء الاستعمار الغربي من جديد. ولا تكاد تخلو مناظرة من حضور لافت ومنظم ومدرب لمثقفين عرب، يتولون مهمة ضرب النفسية العربية والوجدان العربي في الصميم، بترديد كم هائل من الأكاذيب والأساطير، بعد تغليفها في خطاب ملغم مخادع، يدعي الدفاع عن الشعوب العربية مما تلاقيه على أيدي جلاديها من الحكام، ويكون في الغالب “كلام حق يراد به باطل” بل يتحول إلى باطل صرف، حين يجنح إلى تزوير الحقائق، ويحاول تبرئة ذمة قوى الاستكبار الغربية من جرائمها في العراق وفلسطين ولبنان.
ولعل القارئ يذكر أعمال التخريب النفسي، وضرب الجبهة الداخلية التي قام بها فريق المارينز العرب، المشكل من مثقفين وإعلاميين عرب، ومن خبراء في التحليل العسكري والاستراتيجي، تم اكتتابهم من قوائم كبار الضباط المتقاعدين من جيوش عربية مهزومة، أداروا على طريقتهم حربا نفسية حقيقية، خلال حروب الخليج، والعدوان الصهيوني على لبنان وغزة، واستمروا في ليّ ذراع الحقيقة، بل وكسر عنقها حتى بعد أن وضعت الحروب أوزارها، واعترف الطرف المعتدي بهزيمته، استمروا في إدارة حرب استنزاف تريد أن تحول انتصارات المقاومة العربية إلى هزيمة.

حمالات الحطب لدور “الأجيت بروب”
لست متأكدا من أن العالم المصري أحمد زويل كان يتعمّد زرع مشاعر اليأس عند العرب، حين استشهد بذلك التصنيف الغربي، الذي وصف العرب بأنهم أمة فاقدة للثقة في النفس دون أن يخضعه للنقد، ولا أظنه ينتمي إلى هذه السلالة من المثقفين العرب التي تقوم بأدوار ألعن من دور الحركة والعملاء زمن الاحتلال، لكنه سقط في نفس الخطيئة التي ينساق إليها كثير من المثقفين العرب الشرفاء عن غير قصد، حين لا يتحرّون الحذر في التعاطي مع الصور النمطية التي تصنعها آلة “الأجيت بروب” الغربية بحق العرب، دون إخضاعها للنقد والتمحيص.
فعلى أي قرينة موضوعية، وبأي مقياس علمي وضع هذا التصنيف، الذي يحكم على الشعوب العربية بفقدان الثقة في النفس؟ فهل كان بوسع أمة فاقدة للثقة في النفس أن يدخل أحد أطرافها في مغامرة مواجهة آلة عسكرية كانت تصنف وقتها كرابع قوة في العالم، ويدخل معها في مواجهة عسكرية غير متوازية، وبوسائل بدائية، ثم ينتزع منها بالقوة أكبر مستعمراتها، وياقوتة تاجها الإمبراطوري، كما فعل الشعب الجزائري؟ وهل كان بوسع شعب فاقد للثقة أن ينتج مقاومة مثل مقاومة حزب الله، أو المقاومة الإسلامية في غزة؟

من فقد الثقة في ماذا؟
فالتصنيف خاطئ ومخادع، لأنه يكتفي بالقول أننا أمة فقدت الثقة في النفس، دون أن يوضح من هي الجهات داخل هذه الأمة التي فقدت الثقة في النفس، هل هي جميع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، أم بعض الشعوب العربية؟ وهل هي الشعوب أم نخبها؟ وهل هي جميع النخب أم جانب من النخب؟ وهل فقدان الثقة مردّه لعوامل داخلية، ثقافية دينية حضارية أو سياسية، أم أن فقدان الثقة كان محصلة طبيعية لضغوط خارجية، تجتهد لزرع مشاعر فقدان الثقة في نفوس أبناء هذه الأمة حتى تمنعها من العودة، وقد نمضي بهذه المساءلة بعيدا بلا طائل، لأن حالة وأوضاع الشعوب والأمم لا تقاس هكذا بمفردات علم النفس، بل المقاربة برمتها هي محض خدعة، وأداة للتضليل.
لم يعد بوسع العقلاء من شعوبنا الثقة بمصداقية كل ما تنشره حول أحوالنا، كأفراد وشعوب دور الدراسات الغربية، مثلما نحتاج إلى إعمال العقل الناقد حيال كل ما يصدر عن حكوماتنا من مدح ذاتي لا يقل خداعا، حتى حين تشفع له أسماء أكاديمية مرموقة، وقد رأينا الكثير منها يسقط في الكذب، ويسخر في الدجل على الشعوب، ثم إنه لو لم تحفزنا تجارب سابقة إلى التشكيك في النوايا والدوافع السياسية التي تقف خلف هذه الدراسات، فإننا لن نستفيد كثيرا منها، بالنظر إلى طبيعة المقاربات الغربية الفاسدة، التي تعتمد على مقاييس فاسدة ومضللة، وإلا كنا صدقنا على سبيل المثال أن حال دول وشعوب العالم العربي بخير، بالنظر إلى مستويات الدخل الفردي التي تضعها على مسافة محترمة من مستويات الدخل الفردي عند شعوب ودول تصنف اليوم في خانة الدول الصاعدة مثل الصين والهند.

... يتبع

الرابط
__________________


transcendant غير متصل   الرد مع إقتباس