عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-02-2008, 03:37 PM   #1
youcefi abdelkader
كاتب ساخر
 
الصورة الرمزية لـ youcefi abdelkader
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 223
Post نزهة خارج البلدة

نزهة خارج البلدة

خرجت للنزهة ذات يوم شديد الحر من أيام الصيف ، و قد أصابني فيه همٌ و حزن كان وقت الهاجرة ،و الناس في قيلولة و قد خلت أزقة البلدة من المارة، فصارت خاوية على عروشها، لا ترى فيها راكبا أو مترجلا ، اللهم إلا قططا متشردة، و عصافير أضناها العطش، تبحث عن الماء ، تطير من سقف بيت لآخر، تتحاشى حجارة غلام أشعث أغبرلفحت الشمس
جلده . سرت نحو الجبل و الشمس تشوي الضٌب ، أخذ العمران يختفي عن ناظري رويدا رويدا ، حتى غاب .
نزلت الى جانب وادي مظلل بالشجر، ينحدر من الجبل و يتصل شمالا بالبلدة ،لكن لا ماء فيه و لا عشب يحف جنباته، غير حجارة ملساء لا تصلح إلا للتيمم، تتخللها بعض الأشواك اليابسة، و الشجيرات الصامدة، صمود ذاك الجبل في وجه الرياح العاتية. تستظل بظلها أنواع من الزواحف ، خفيفة الحركة لا تدركها الأبصار، و هي تنساب بين الأحراش في سرعة البرق . كنا و نحن صبية نتسلى بصيدها في البادية، فنقضي النهار و زلفا من الليل في ملاحقتها و اقتفاء أثرها، فإذا ظفر أحدنا بواحدة منها، بعد كد و جهد ، قطع ذيلها فاستمتع بحركة ذاك الذيل لحظات .
تراءى لي شيء يتلألأ في الأفق البعيد، كأنه الماء فقصدته لأستنقع فيه، حتى إذا أتيته لم أجده شيئا، غير السراب فوق التراب.اشتد بي الطريق، و ليس يصحبني فيه أخ أو صديق.قلت لما لا أخلد للراحة تحت ظل شجرة وافرة الظل ،عرتها الرياح من اوراقها ، فالمكان آمن .
بسطت ردائي، و اضطجعت لآخذ قسطا من الراحة، فتهدأ نفسي و تستريح من ضجيج البلدة و غوغاء ها . أخذتني سنة من النوم،و الله ما أيقضني إلا حرارة الشمس تلفح جبيني و قد استدارت نحو المغيب .قمت و توضأت بما كان في القربة من ماء، ووجهت وجهي لله الواحد الأحد، فصليت العصر ،
مر بي أحد الرعاة على ظهر حمار ، يسوق عنزات عجاف، يتقدمها تيس يمشى في خيلاء كأنه قائد يقود عسكرا ، دنى منى فإذا عليه عمامة سوداء و فروع شعره تنال كعبه ،.ألقى السلام فرددت بأحسن منها .فلت لو لو نزلت وشاركتني طعامي و لم يكن لدي غير حفنة من التمر و قنينة حليب و رغيف يستعصى على الأضراس سحقه.أقبل و جلس فوضع ركبته حذو ركبتي ،فشممت رائحة كريهة تنبعث من بين جوانحه ، تنفر منها الكلاب .كأني به لم يستحم منذ أمد بعيد . جعل يحدثنى عن حياة البدو و عن حبه المبرح لابنة عمه و قد ابى عليه اباها ان يزوجها اياه حتى يجمع قطيعا من الماشية ، لم يكن يكبرني سوى بعام واحد ،لكنه يبدو في الثلاثينيات من العمر ،قضى جل أيام عمره في الأودية و الشعاب، تحت حر
الشمس صيفا و برد الصقيع شتاءا .لا علم له بما يجري في البلاد بين العباد حاكمهم و محكومهم .
نظرت إليه بعين الشفقة و قلت أين تقيم يا أخا العرب ؟أشار إلى الأفق البعيد و قال : أترى ذلك الحوض من اشجار السدر ؟ قلت نعم ، قال : فالخيمة خلفه، و إن كان نظرك حادا مثلي ،فذاك جانب منها يبدو على اليمين .تظاهرت برؤيتها فقلت نعم رأيتها بالرغم من أنني لم يتراء لي غير السراب يحيط بنا من كل مكان .قلت: كم أحلم بالعيش تحت خيمة من الشعر مثلكم معشر الأعراب الرحل .
التفت إليه و قد أزعجتني رائحة جسده النتنة و قلت ناصحا : منذ متى لم تستحم يا رجل ؟ اندهش من هذا السؤال وخجل و احمر وجهه ، فطأطأ رأسه و قال:منذ ستة أشهر أو أكثر بقليل .قلت و لما ؟ قال عجبا لكم يا أهل المدن ، الا تعلمون اننا معشر البدو نجلب الماء من الآبار البعيدة على ظهور الحمير و لا ننال منه إلا ما يكفي للشرب و طهي الطعام .حتى الماشية لا تشرب إلا مرة في الأسبوع .أخذ رداءه و نهض غاضبا ،فأقسمت عليه إلا أن يجلس فجلس و قال: لا عليك سأهرق على جسدي سبع قرب من الماء حين يمتلا هذا الوادي .قلت مازحا: سأخضر معي بعض الصابون و نستحم و نرقص هنا معا تحت المطر إن شاء الله ، قهقه ،.كان ذالك الفتى من اظرف فتيان أهل البادية طبعا و منطقا ،اهديته ثوبا ففرح به كثيرا ،قبل رأسي ثم تركني و قام يعدو إلى العنزات ليجمعها و قد تشتت شملها و انتشرت في بطن الوادي و على
youcefi abdelkader غير متصل   الرد مع إقتباس