عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-06-2008, 06:40 AM   #9
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

خالد ومخزوم





ظهرت على خالد مخايل الفروسية منذ صباه الباكر إذ رشحه أبوه لقيادة الخيل ولم يكن أكبر أبنائه وقد أسلفنا أن بنى مخزوم كان لهم فى الجاهلية أمر القبة والأعنة فالقبة هى خيمة عظيمة يضربونها ليجمعوا فيها عدة القتال والأعنة هى الخيل وفرسانها .

كان خالدا طويلا بائن الطول وكان عظيم الجسد والهامة مهيب الطلعة ويميل إلى البياض .
وفى إشارتنا إلى قصة مصارعته لعمر فى الطفولة صغيرة تنبىء عن إدراكه المبكر بفنون الصراع والكفاح وعن قوته وشدته .

راض خالد نفسه على الخشونة فى البادية والصبر والتعود على الشظف ومع وفرة الأطعمة الحضرية فقد راض نفسه على أكل الضب وتعلم أن يشتهيه ويستسيغه كما تشتهيه الأعراب كما فى حديث ابن عباس عندما دخل خالد مع الرسول على خالته ميمونة بنت الحارث فقدمت إلى رسول الله لحم ضب جاءها مع قريبة لها من نجد وكان الرسول لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو فاتفق النسوة ألا يخبرنه حتى يرين كيف يتذوقه ويعرف إن ذاقه ، فلما سأل عنه وعلم به تركه وعافه فسأل خالد أحرام هو ؟ قال : لا ولكنه طعام ليس فى قومى فأجدنى أعافه " فأكل منه خالد .

ومثل هذه التربية لقائد من قواد الحرب نموذج يحتذى به فى المدارس العسكرية وحتى يومنا هذا ، وعلى سنتها كتب نابليون تقريره وهو طالب فى المدرسة الحربية يعيب على النظام يومها أنه يسمح لأبناء الأعيان بمعيشة الترف واستصحاب الخدم بين جدران المدرسة وهم أحرى بخدمة أنفسهم فى مدرسة يتعلمون فيها الصبر على شدائد الحروب .

أما عن أسرة خالد فقد تخللت فيها عوارض العبقرية تمثلت ذروتها فى خالد ، ولم تعفه العبقرية من ضريبتها التى لا مناص لها وآية ذلك أنه مات على فراشه فى نحو الخامسة والخمسين وليست هى بالسن الغالبة حينها فيمن يموتون بداء الشيخوخة من غير علة أخرى .

وذكر أن الوليد بن الوليد كان يروع فى منامه كما كان خالد نفسه يعانى الشىء نفسه عندما شكا إلى رسوال الله فقال له :" إن عفريتا من الجن يكيدك "

وبذلت هذه الأسرة الممتازة ضحيتها الكبرى فى شخص عمارة بن الوليد وعمارة هذا هو صاحب عمرو بن العاص فى رحلة الحبشة وكانا رسولين إلى النجاشى لتسليم المسلمين الهاربين إلى قريش . والقصة طويلة لا تعنينا إنما كان هو ضحية افتتانه بالمرأة ، وفى المقابل نرى خالدا لا تفتنه المرأة كما فتنت أخاه ولم تصرفه قط عن عبء من أعباء البطولة على أنه لامه أبو بكر وعمر فى موضعين والسبب إمرأة ، وسنأتى على ذكرهما فى مكانهما .

وقيل أنه فقد أربعين ولدا فى طاعون الشام ولما يجاوز الخمسين بكثير .

وظهرت هذه العوارض فى لون من ألوانها على أخيه الوليد ، فقد كان مع المشركين فى بدر وأسره المسلمون وعرضوا عليه الإسلام فأبى ولما ذهب خالد وافتداه وعاد به إلى أهله أعلن إسلامه فعجبوا لأمره وقالوا له هلا أسلمت قبل أن تفتدى ؟ فقال : كرهت أن يظن بى أننى جزعت من الأسار وصبر على التعذيب والحبس بين أهله حتى أفلت بعد جهد وحيلة ولحق بالنبى مشيا على قدميه .

هذه أيضا نفحة خالدية من نفحات تلك الأسرة القوية التى تأبى لخلائقها إلا أن تحير الناس وهى فى أطوارها المتباينة منجم العبقرية .

كانت أعمال النبى محور الأحاديث فى منزل الوليد ، فكان الوليد يجلس مع أولاده كل مساء يستعرضوا أحداث النهار وما تفعله قريش لصد محمد . وقد سمع خالد وإخوته أباهم وهو يصف ما تم بين وفد قريش الأول وبين أبى طالب وبعد عدة أسابيع إستمعوا إليه وهو يتحدث عن الوفد الثانى الذى باء كالأول بفشل محقق ، كما سمعه وهو يتحدث عن لقاءه بالنبى وإستماعه إلى كلامه وسمع وصفه له وإعجابه به ، ولا شك فقد ترك كل هذا أثرا فى نفسية خالد تبرز كلها إلى السطح فى لحظة ما .

بعد مغادرة النبى مكة بثلاثة أشهر ، إستدعى الوليد أبناءه وهو على فراش الموت وقال لهم :" أوصيكم بثلاثة أشياء ، الأول هو نزاعى مع خزاعة فاثأروا لى وأقسم بالله أننى أعلم أنهم ليسوا مذنبين لكننى أخشى أن تلاموا بعد اليوم .. أما الثانى فهو مالى لدى ثقيف فحصلوه ، والثالث هو أننى أستحق التعويض أو الدم من أبى أزيهر ، لقد تزوج هذا الرجل إبنة الوليد ثم تركها دون أن يعيدها إلى منزل والدها "

بعد أن أنهى الوليد وصيته لفظ أنفاسه الأخيرة ، ودفن بموكب مهيب يليق بزعيم كبير وابن شريف من قريش .

لقد أنهيت المشكلة الأولى بدون صعوبة تذكر حيث دفعت خزاعة الدية وأسدل الستار بدون عنف . أما المشكلة الثانية فقد ظلت معلقة لعدة سنوات بدون حل ، وأما الثالثة وهى النزاع مع إبنة الوليد فقد قرر هشام شقيق خالد أن لا يرضى بديلا عن دم أبى أزيهر وقد إنتظر أكثر من عام إلى أن واتته الفرصة ثم قتل هذا الرجل وتعقدت الأمور حتى تدخل ابو سفيان وعقد الصلح بين العائلتين .

لقد عاش خالد فترة هدوء فى مكة خلال السنوات التى تلت موت أبيه وتمتع بحياة هنيئة من جراء الثروة التى كان يملكها وسافر إلى سورية مع قافلة تجارية ووصل إلى مدينة بصرى ، هذه المدينة التى سيزحف إليها بعد عدة سنوات كهدف عسكرى .

إننا لا نعلم كم زوجة وكم ولدا كان لدى خالد فى هذا الوقت لكننا نعلم عن ولدين أكبرها يدعى سليمان وكان يكنى به والثانى وهو عبدالرحمن وسيأتى ذكره لاحقا كقائد عسكرى حقق شهرة فى فتوحات سورية .

مرت قريش بفترة هدوء عادت فيها التجارة إلى النشاط واستقر الأمر بعض الشىء حتى حدثت حادثة خطيرة أثارت القلق والتوتر بين قريش والمدينة وبات الأمر وشيكا على مواجهة عسكرية أولى .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس