عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-07-2010, 01:09 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

تجديد المفاهيم القومية: هل يكون ممكناً؟

لا يعترض سكان قارة أمريكا على اسم قارتهم المنسوب الى (أمريكو فسبوشي) الذي يُعتقد أنه أول من مر بتلك البلاد الشاسعة، كما لا يعترض سكان كولومبيا على اسم بلادهم المنسوب الى (كولمبس) ولا سكان الصين التي يشكل عرق الهان (Han) 94% من السكان ويطالبوا بتغيير اسم الصين الى (هان) رغم أن اسم (صين) هو لحاكم حكمها لمدة 11 سنة بين 221 ق م ـ 210 ق. م. والأمثلة كثيرة في كل بقاع العالم.

في بلادنا يتطير الكثير من لفظ (الوطن العربي) أو الأمة العربية، رغم أن أثر اللسان العربي والدور العربي في صهر ثقافات الحضارات التي عاشت على بقعة الوطن العربي (فرعونية وبابلية وكنعانية ويمنية جنوبية الخ) واستحضار فنون وعلوم وثقافات حضارات أخرى كاليونانية والهندية والرومانية وتوليفها وتقديمها بنكهة جديدة في وقتها حافظت عليها من الزوال ومهدت للإضافة عليها من قبل كل الجهود العالمية التي أوصلت العالم الى ما وصل إليه الآن.

ليس من العيب أن نتنازل عن التسمية الى أن تكون أمتنا أمة (أمازيغية) أو (أمة كردية) أو غيرهما، إذا كانت ستؤدي رسالتها التاريخية بوصل حضارات شعوب تلك المنطقة مع حاضرهم ومستقبلهم الذي ينشدون. لكن علينا أن نتحرى الدقة في البحث عن تسمية جديدة منصفة، إذا كان إلصاق العربية بتلك الشعوب يشكل عائقاً، فجهود العرب تفوق كثيراً جهود (أمريكو فسبوشي) و (كولمبس) و(صين) وغيرهم.

لم يكن العرب متزمتين في قبول الآخر الذي يحسون أنه يتألم بآلامهم ويحلم بأحلامهم، فقد احتل كثير من غير العرب مكانة بارزة في صفحات تراثهم، سواء كانوا حكاما، أو قادة أو علماء، وارتباطهم بهم كان مزيجاً من الارتباط الديني والمواطني والإنساني.

كما لم يكن العرب متمسكين بالتسمية، فكانت الدول تأخذ أسماء عائلات (الدولة الأموية، العباسية، العثمانية، اليعفرية، الفاطمية الخ) فإن تم بحث التسمية فإن من يقبل باسم عائلة أو شخص لا يتوانى عن قبول اسم جديد يضم ويجمع ويحشد وسائل القوة ويفتح أبواب المستقبل.

لكن من زاوية أخرى، هل التسمية هي التي تقف عائقاً أمام تقدم تلك الأمة، أو بطريقة أخرى للسؤال: هل وراء رفض الفكر القومي هو التسمية فقط؟

قومية متمددة وقومية حالمة بإثبات الوجود

عندما يشيع الشعور القومي، فإنه لا يختص بقومية دون أخرى، ولا يعني القومية أو العرق ذا العدد الأكبر فقط، بل بالعكس فإن هذا الشعور سيكون أقوى عند من هم أقل عدداً، فلو كانت هناك مدينة كلها من لون ديني وطائفة وقومية متشابهة، فلن يكون للشعور الديني أو العرقي وجود، مثلما تكون تلك الجماعة الدينية أقلية، فنحن لا نحس بعروبتنا في بلدٍ كل أبنائه من العرب، ولكن في حالات الاغتراب في بلد غربي، سيكون الكلام مختلفاً، كذلك يفعل الشيعة في منطقة أغلبيتها من السنة، أو البروتستانت في منطقة أغلبيتها من الكاثوليك.

عندما انتشر الفكر (الطوراني) في الدولة العثمانية والذي كان ينشد تجميع الأتراك، من تركمانستان الشرقية (في الصين) مروراً بأذربيجان وانتهاء بتركيا الحالية، استفز ذلك الرعايا من قوميات أخرى ليبحثوا عن أطرٍ قومية لهم، وكان الأرمن والعرب وغيرهم من بين تلك الرعايا.

وعندما انهار الاتحاد السوفييتي، ظهرت دعوات من العرق (السلوفيني) لتجميع بقايا يوغسلافيا وضمها لروسيا وظهرت دعوات من قوميين روس للهجوم على تركيا وإحياء القسطنطينية (مركز بيزنطة القديمة).

تلك الدعوات، لا تختلف كثيراً عن دعواتنا بتحرير الأحواز وإقليم الإسكندرونة وحتى الحنين لاسترجاع الأندلس.

قد يستحي أبناء القومية الصغيرة من إثارة مطالبهم، عندما يروا دولة القومية الأكبر أو دولة الحاكم، دولة مزدهرة، قوية، أحلامها بالتمدد والتوسع يصيبهم نعيمها وتؤذيهم خسارتها. بل وأكثر من ذلك، فإن الكثير من أبناء تلك القوميات يتزلفوا ويتقربوا من أبناء القومية الحاكمة، ويجتهدون في نحت نسبهم ليثبتوا أنهم أبناء حقيقيون لتلك القومية، وقد ظهر مثل ذلك عندما غير الكثير من أبناء (الشبك في قرى تليارة وباريمة وأبو جربوعة والدراويش وأورطه خراب وغيرها من أبناء محافظة نينوى/ العراق) بأواسط السبعينات من القرن الماضي، في تغيير أسماء عائلاتهم ووضعوا على رؤوسهم اليشماغ العربي.

رابطة الدين والطائفة أم رابطة القومية؟

من بين من ينتقد الفكر القومي، هم من يدعون الى أن يكون الدين الرابطة التي تجمع أبناء الأمة، لن نبتعد كثيراً في الكيفية التي ستجعلنا نتعامل مع الهنود المسلمين أو النيجيريين المسلمين، حيث يخضعوا لدساتير وقوانين هي ملائمة لأوضاعهم، فيكون مفهوم الأمة الإسلامية بالنسبة لهم لا يغدو أن يكون مفهوما مشاعرياً لا يمكن تحويله لإجراء. لكننا سنناقش حالتنا نحن في البلدان العربية حيث الجوار وتشابه المشاكل وتشابه الحلول وتشابه الثقافة وتداخلها.

عندما اجتاحت قوات هتلر أراضي الاتحاد السوفييتي، تعاون أبناء القوميات غير الروسية والذين يشتركون مع الروس في المذهب الأرثوذكسي، تعاونوا مع القوات الغازية. وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية، خففت الحكومة العراقية خدمة العلم (الإجبارية) للشباب الأكراد من سنتين الى ثلاثة شهور يقضونها في الدفاع المدني أو الأعمال المدنية، تحسباً لاعتبارات تتعلق بعدم وقوفهم بجدية مع الجيش العراقي، رغم أن الحكم محسوب (أنه سني!) والأكراد (سنة) والإيرانيون شيعة! فكل ذلك لا وزن له، وهذا ما يمكن أن يُقال في حالة العراقيين الشيعة العرب من أهل الجنوب والذي كانت سوح المعارك معظمها في مناطقهم، فكانوا أبناء العرب العراقيين ولم يتأثروا بقرب طائفتهم من طائفة الحكم في إيران.

الأيديولوجية السياسية العقائدية أم القومية

تشكل الجماعات التي تنتمي لجدٍ واحد أو لعرق واحد أو لدينٍ واحدٍ أو لبلدٍ واحد، صنفاً أو نوعاً واحداً، هو النوع الطبيعي، في حين يشكل أعضاء الفرق الموسيقية أو الرياضية أو النقابية أو الحزبية نوعاً صناعياً. والصناعي قد يتصف بالديمومة وقد يتصف باللحظية الراهنة، فركاب الطائرة جماعة صناعية تنتهي صفتهم بمجرد مغادرتهم الطائرة.

في حالات الأحزاب، ذات الصفة الدائمة، يكون امتحان اصطدام الطبيعي بالصناعي هو المحك الأهم في حياة المنتسبين الى اللونين معاً، فالشرطي (الصناعي) عندما يُكلف بإطلاق النار على ابنه أو أخيه، سيتقاعس ـ لا محالة ـ ويرجح ولاءه للعائلة (الانتماء الطبيعي) على ولاءه لوظيفته (الصناعية).

في الحرب التي وقعت بين ألمانيا وفرنسا (أيام بسمارك) انخرط الماركسيون من الفرنسيين للدفاع عن بلادهم ضد الجيش الألماني بما فيه (الماركسيين) وقد سجلت حالات اصطدام فعلية. وفي أعمال المقاومة الشعبية يختبئ ماركسيون عند أقارب لهم يكرهون الماركسية، ويتعاون بعثيون مع إسلاميين متشددين في أعمال المقاومة في العراق. وكذلك الحال في فلسطين (أطياف أيديولوجية وديانات متعددة في محور واحد هو: معاداة الصهيونية).

المواطنة أم الإنسانية؟

المواطنة، كما تعبر عنها الأدبيات الفرنسية: هي الحصول على كافة الحقوق الاقتصادية ـ الاجتماعية والمدنية في بلد الإقامة، حتى لو كان الفرد لا يحمل جنسية.

قد يحمل أحد الأفراد، عدة جوازات سفر، وحق الترشح والانتخاب في هيئات متعددة بالبلد الذي يُعتبر فيه مواطناً، ولكن في أي لحظة قد تكون إنسانيته مهددة تهديداً صارخاً، فلا تستطيع المغربية ارتداء الحجاب في أكثر من بلدٍ أوروبي، رغم أنه جزء من خصوصياتها الإنسانية التي ورثتها من خلال معابر معقدة. ولن يستطيع الفلسطيني في الأردن أن يحمل علم فلسطين في مظاهرة ضد ممارسات الكيان الصهيوني، رغم أن له حق الترشح والانتخاب.

في تركيا، قبل عشرين عاماً لم يكن للعربي أو الكردي من مواطني تركيا أن يدندنوا في أغنية من أغاني قوميتهما. وبالمقابل فقد تتفاخر بعض الحكومات أنها أعطت ساعات للبث باللغة الأمازيغية، لسكان البلاد الأصليين، أو أن تمنح حكومة ترخيصاً لجريدة كردية، لكن هذا الترخيص مكبل بعشرات العوائق.

إنهم مواطنون حقاً، لكن الحاكم القومي (الآخر) هو من يحدد شكل مواطنتهم، ضمن مسطرته هو، وليس مهماً أن تُسحق بذلك إنسانيتهم!

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس