عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-08-2009, 10:15 AM   #40
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

28ـ أناس لا صدور لهم

(( أكثر الظواهر شيوعا في العصر الحديث هي أن الإنسان قد فقد كرامته، في عينه هو، الى درجة لا تكاد تُصدق. لقد ظل زمانا طويلاً محور الوجود بصفة عامة وبطله التراجيدي. وكان وقتها على الأقل مصمما على إثبات صلته الوثيقة بالجانب الحاسم والقيم في جوهره من جوانب الوجود. وذلك شأن الميتافيزيقيين الراغبين في التمسك بكرامة الإنسان. مع إيمانهم بأن القيم الأخلاقية قيم أساسية. وأولئك الذين قد تخلوا عن الله يتمسكون أكثر من غيرهم بالإيمان بالأخلاق))

نيتشه: [إرادة القوة]

يقول فوكوياما في بداية مقالته التي بين يدينا: يستحيل إكمال مناقشتنا دون الإشارة الى المخلوق الذي يقال إنه سيظهر عند نهاية التاريخ، وهو خاتم البشر.

يشير فوكوياما الى الصور النهائية التي تنبأ بها كبار الفلاسفة (هيجل، ماركس، نيتشه) التي سيؤول إليها مسار تطور التاريخ، وهو يميز بين هيجل وماركس من ناحية وبين نيتشه من ناحية أخرى، فالأخير لم يكن له أتباع ومدارس واسعة كالفلاسفة الذين تبنوا الفكرة الشيوعية والماركسية.

هيجل وماركس، كانا يريدان أن يتحقق الاعتراف العام بأهمية وكرامة كل أبناء البشرية، وهي التي أشار إليها (ماركس) بنهايات الصراع الطبقي الذي يلغي العبودية والتراتب بين الناس. كانا يريدان تعايشا بين السيد والعبد، فهم لم يريدا إلا أن يُعترف بالعبد كإنسان حر، ويكون واعيا بقدر ذاته.

في حين كان نيتشه يسفه من ذلك الاعتراف، فيقول ما قيمة الاعتراف بشكله العمومي؟ إنه شيء تافه لا قيمة له، وكان نيتشه يريد انتصارا ظافرا للعبيد على الأسياد.

(1)

يدخل (فوكوياما) في تقليب الاحتمالات القادمة، فيقول: بعد أن تحقق لشعوب الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية إزالة نظمهم الشمولية، ووضعوا أقدامهم على أول مواقع الطريق نحو الديمقراطية الليبرالية، هل هذا سينهي كل شيء؟

يذكر فوكوياما نكتة (جروشو ماركس) التي تقول: (إنه لن يوافق أبدا على الانضمام الى النادي الذي يوافق على انضمامه إليه!). وهي إشارة طبيعية الى إمكانية أن يتحول المنتصرون الى صورة شبيهة بمن انتصروا عليهم، رافضين الوفاء بالوعود التي قاموا من أجلها بنضالهم!

ومن جانب آخر، فهل سيسكت من انتزعت منهم مواقع السلطة والسيادة؟ وهم الذين يستذكرون نضالهم القديم ومجد آبائهم وأجدادهم وما خاطروا به بحياتهم من أجل أن تكون البلاد بما آلت إليه؟

(2)

أي احترام واعتراف ينشده الفرد؟ تساؤل مهم ..
إن عالم الفيزياء، يرضى بامتداح زملاءه (علماء الفيزياء) أكثر من تمتدحه مجلة أو جريدة واسعة الانتشار ك (التايم)، كذلك إن ذيوع صيت رجل مهم في مجتمع متقدم ديمقراطي، هي أكثر أهمية من ذيوع صيت رجل قدم نفس الخدمات أو قام ببعض البطولات في مجتمع زراعي ضيق.

من هنا، فيرى البعض أنه لا حياة نبيلة ولا عظمة إلا في المجتمعات الأرستقراطية، وبعبارة أخرى فإن الحرية أو القدرة على الخلق لا يمكن أن تنبثق إلا عن (الميجالوثيميا: أي الرغبة في نيل الاعتراف بالتفوق على الآخرين). ولو أن الناس ولدوا متساوين لما بذلوا جهدا في شيء، إذا كانت الغاية الأساسية من رغبتهم هي التشبه بالآخرين! فهم ـ في تلك الحالة ـ متشابهون فلماذا يتنافسون؟

ولكن الرغبة في التفوق على الآخرين، هي ما تسبب الحروب، والاختراعات والصراعات فيما بين أبناء المجتمع الواحد. وأحيانا توضع أسس لتلك الصراعات وكأنها لعبة كرة قدم، وأحيانا يتم التغاضي عن تلك الأسس، إذا ما شعر أحد الأطراف بتفوقه المطلق ولو الى حين.

والهدوء والطمأنينة والرضا عن النفس والصحة الطيبة تعتبر معوقات للانطلاق نحو احتلال المراتب المتقدمة، (( ينبغي أن تعرف النفس الفوضى داخلها حتى تلد نجما راقصا)).

(3)

إن من يقودوا الناس الى احتلال مركز الصدارة والتفوق يجب أن يكونوا أفرادا متميزين يتمتعون بقدر غير عادي من الصلابة وبُعد النظر والقسوة والذكاء، ومن يرجع للتاريخ القديم أو الحديث سيتعرف على أمثال هؤلاء القادة، فهم لا يؤمنون بالمساواة ولا بالتسامح (هانيبال، هولاكو، هتلر، ستالين، ماو).

أما انتشار الفضيلة والتراحم والتسامح وشيوع المساواة، فهي من سمات المجتمعات الديمقراطية الليبرالية!

(4)

فيما يتعلق بخاتم البشر، يشير (فرانسيس فوكوياما) الى ما قاله نيتشه: الى أن خاتم البشر ((قد خلف وراءه البقاع التي تصعب الحياة فيها، وذلك بالنظر الى حاجته الى الدفء))

ويضيف نيتشه (( إننا لا نزال نعمل. ذلك لأن العمل نوع من التسلية. غير أننا حريصون على ألا تكون التسلية شاقة أكثر مما ينبغي .. لم يعد فينا فقير أو غني. فكل من الفقر والغنى يتطلب بذل الجهد.. من لا تزال لديه الرغبة في أن يَحكم؟ أو في أن يُطيع؟ الأمران يتطلبان فوق ما نطيق من الجهد))..

(( قطيع واحد ولا رعاة! الكل يريد نفس الأشياء. وكل امرئ مشابه لغيره. ومن لا يشعر منا بأنه مختلف يدخل طواعية مستشفى المجاذيب))

لقد قدم فوكوياما في هذا المقام، فلسفة نيتشه في تصور خاتم البشر، لينتهي للقول: إننا نعيش في المجتمع الأمريكي الصورة التي نشدها (نيتشه) فالاهتمام بالصحة والتمارين الرياضية وذم عادة التدخين السيئة والمضرة بالصحة، كلها أمور مسموح بها، لكن أن نعترض على قيام الآخرين في مزاولة طقوسهم الدينية من أرثوذكس أو بوذيين أو مسلمين، فهو أمر يتناقض مع ذلك النهج!

تعليق: من الذي لم يوقع على اتفاقيات البيئة العالمية؟ ومن الذي يذكر لفظ (الحروب الصليبية) في خطاباته؟ ومن الذي يسمح بتلويث أرض العراق وغزة ببقايا اليورانيوم؟ أليسوا هم أتباع هذه المدرسة المتشدقة بالتبشير بهذا النهج؟

(5)

ينتهي الكاتب في هذه المقالة، الى أن من يقبل بعالم خالٍ من الحروب، ومنصرف الى إشاعة الفضيلة (كما هي الحال في الولايات المتحدة) فإنه هو الإنسان الذي يستحق اسم خاتم البشر.

أما من يرفض تلك الصورة المشرقة، فهم الناس الذين (لا صدور لهم) أي أن قلوبهم قاسية وخالية من الرحمة!



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس