الموضوع: *وداعاً أبي*
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-06-2010, 10:28 AM   #8
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة المشرقي الإسلامي مشاهدة مشاركة
أشكرك أختي العزيزة على هذا النقل الكامل والذي جعلني أفهم بعض ما لم أفهمه في التعليق السابق ولم أكن أعرف أن أختنا العزيزة الدرة قد اقتطعت جزءًا دون الآخر ، لكما مني أحر الشكر وأصدق الامتنان على هذا العمل الذي أعدكم بالتعليق عليه بشكل مفصل مستقبلاً بإذن الله.
(اللهم ارحم آباءنا أحياء وأمواتًا .الله انفعنا بدعائهم أحياءً وانفعهم بدعائنا أمواتًا واجمعنا معًا في جنة الخلد ..آمين.)
***
تبدأ القصيدة بأداة النداء للقريب وهي ذكر اسم المنادى دون استخدام حرف النداء للتعبير عن القرب وهو هنا بطبيعة الحال قرب معنوي إذ أن الغياب حقيقي إلا أن فارق المسافات لا يتمكن من القضاء على هذا الارتباط الإنساني العظيم والذي يتكرر في الشطر الثالث مرة أخرى بالنداء أبي ليقطع الشك بأن هناك تغيرًا طرأ على موقف الشاعر من حالة الفقد والتي ما زال يتمسك فيها بالوجود الرمزي للوالد كمعادل للوجود الحقيق بشكل أو آخر. وتأتي الجملة الشرطية إن تُمتع تمتع لتكون مسحة الأسى على رحيله المؤسف مستدعية بذلك فعلاً ربما كان يقوم به ذلك الوالد وهو طمأنة الشاعر إلى أن يعيش حياته التي يريدها ولا يخاف على من بعده شيئًا.فإذ بالشاعر يستخدم نفس الطريقة ليستحث الوالد على التمتع بما بعد الموت ويفترض أنه أي والده قد يتذكر حزن أهله عليه ،ليؤكد عليه مرة أخرى أن عليه أي الوالد الاطمئنان والتمتع بهذا الذي ينتظره من فرح وسعادة بعد هذه الحياة ، وهذه المعاني على إنسانيتها لكنها قد تصطدم بشكل أو آخر مع معتقدات الإسلام لأن الخطاب ها هنا لو كان لرجل غير مسلم فإنه قد يكون مقبولاً على الصعيد الإبداعي لكن على صعيد الدين فإن الجزم بمصير معين يكون محل نقاش خاصة وأن هذا النعيم لا يكون إلا لمن أسلم وجهه لله وهو محسن فقط ، ولعل هذا مقصد الشاعر .
ولا ينفي كذلك أن يكون هذا هو النداء الأخير للوالد قبل الوفاة وهذا ما تسعف به القرائن من خلال "صوت احتضار الأماني" والذي قد يفسر على أنه خطاب ما قبل الرحيل ، والذي أكد عليه الشاعر بعد ذلك بالجملة الفعلية قلبي يراقب موت الثواني ، وعلى هذا المنوال نجد الشاعر قد وجد موت والده هو موتًا لكل شيء الأماني ،الثواني على سرعتها ، وهي رؤية إنسانية حزينة تجد الموت ماثلاً أمامها في كل ما يحيط بالميت. وإلى ذلك فإننا نجد اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة مرسومة بدقة عندما يتحول الشاعر إلى النداء إن كنت تسمع ، مناديًا بذلك اللحظة الأخيرة في حياته والتي يطلب فيها المطلب الأخير وهو لملمة بقاياه إذ يستحيل الشاعر إنسان الجسد ،فقد خبا منه آخر شعاع في الحياة ليصير إنسانًا جثة فاقدة الروح والحيوية.
وإذا كان الشاعر هو الإنسان الذي يشعر بالجمال في كل سكنة وحركة من سكناته وحركاته فإنه ها هنا في هذه القصيدة يجد الموقف من الشعر حاضرًا لديه ، ليكون الشكل الوحيد أو الأمثل ربما للجمال كتمثال جميل اسمه قصيدة شعر أو أي بناء آخر له من وجوه الجمال ما يتمنى الشاعر أن يكون له.وربما يكون لذلك دلالة أخرى وهي أن يكون هذا الشكل المتكون من الرفات قصيدة شعر هو إشارة إلى أن الشعر من بعده سيصير جسمًا لا روح فيه ولن يشعر ولن يتألم ، وهذا هو مطلب الشاعر الذي يتمنى أن يكون تمثالاً لا يحس ولا يشعر وفي هذه الحالة يتساوى الإنسان والقصيدة أو التمثال في أن كلاً له وجه واحد إما الحياة الحقيقية أو الحياة المجازية التي تنبعث من هذا الجمال الأصم المتمثل في شكل التمثال وقد يكون هنا ء الروح ها هنا بتجمدها لتنتفي الأحاسيس عنها ويكون الموت الحقيقي لها إيذانًا بجمال لا متناهي في عنصر الشكل الذي شيده هذا الراحل.
وتأتي هذه الموازاة معبرة عن الصورة الأخيرة للموت بالشظايا التي تجرح إصبع عندما يحاول الأب تشكيل هذا الرفات ولعل مما يؤخذ على هذه الصورة هو إقحام لفظة الشظايا والتي لم يكن لها سابق وجود ولم يكن هنالك حدث يمهد لها لتكون جزءًا منه. وبعد هذا البث للمواجد قبل الموت لا يود الشاعر إلا أن يختم الشطر بما ابتدأ به وهو دعوته إلى المغادرة الهادئة إلى آخر منازل الدنيا من خلال الأمر "تمتع إذًا" فطالما وصلت الثواني إلى آخر خط لها على مسطرة الحياة ،فقد حان وقت التمتع لتبدأ من بعدها صفحة موازية في عالم الدنيا لابن يتقطع قلبه على هذا الرحيل.
وتبرز في هذه القصيدة حالة من التناقض بين الحالتين حال الوالد الذي يبدو وكأنه يقاوم الفرحة حتى لا يشعر من حوله بأنه فرِح لمغادرتهم وبين الولد الذي يشعر بالحزن يعتصر كل خلاياه لطالما رحل والده الذي هو الثواني والأماني وحروف هذه القصيدة ،وطالما وصل الوالد إلى هذه الأمنية وهي الموت فلا عليه بعد إلا أن يفعل بعده ما يود ويأمل.إذًا هنا مقابلة بين الدنيا والآخرة ،الأب والابن ومشاعرهما وهذا ما يضيف للقصيدة بعدًا إنسانيًا في غاية الروعة والسمو.
ويظل الشاعر متمسكًا بهذه الثلاية الشعر والروح والمتعة
من أجل أن يعيد صياغة فلسفة هذه الأشياء مرة أخرى مستدعيًا صوت الوالد الذي يقول له سأرسم قبل الرحيل جروحي ......لتهنأ روحي وكأن صوت الوالد مطبوع على لوح قلب الشاعر والذي يترجمه لنا معبرًا عن اللحظة الأخيرة والتي التقط فيها هذا الصوت الخافت قبل الرحيل، وإن كنت أرى أن من الأفضل في مثل هذه الحالة أن يكون الخط مكتوبًا بحجم أصغر حتى يعبر عن هذا الخفوت وأن يكون بلون مخالف ليكون موضحًا أنه صوت الوالد الراحل ، وتبدو هذه اللحظة الإنسانية سينمائية يسترجع الشاعر فيها أصداء هذا الصوت الدافئ والذي تتبدى فيه قمة الإنسانية من خلال استجاب الأب لآخر طلب يتمناه منه ابنه وهو رسم الجروح قصيدة شعر هذه الجروح هي المعبر عنها في الشطر السابق بالشظايا والرسم المعبر عنه في الشطر السابق بالتشكيل ولعل التخفيف من الشظايا إلى الجراح والتشكيل إلى الرسم هو نتيجة دقة هذا الموقف العصيب الذي يستحيل على الوالد فيه إنجاز المأمول والمتمنى منه على هذا الشكل لكنه يبذل ما استطاع من أجل إرضاء ابنه ، ليأتي الصوت مرة أخرى تمتع تكريرًا لهذا النداء الأخير والذي يوصل فيه الشاعر آخر أحرفه بعد إذ استدارة مزولة الشمس إلى وقت الغروب الأخير.ليقول :
سَأرسُمُ قَبْلَ الرّحيلِ جُروحي
قصيدةَ شِعرٍ
لتهنأ روحي
إذا كنتَ تَسمَعُ صوتَ الأنينِ ...... تَمَتَّعْ


__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس