عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-12-2008, 03:04 AM   #30
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

ظواهر بارزة في مبنى الجملة:-

1- أصداء قديمة.

2 - بين القديم والجديد.

ظواهر أخرى بارزة في مبنى الجملة.

3- أصوات جديدة.



أصداء قديمة


أ‌- مدخل إلى الأصداء القرآنية في شعر السياب:


القرآن بأسلوبه ولغته له تأثير على كل شاعر وناثر، بيد أن السياب يبرز ويتميز بكثرة اقتباساته من الألفاظ القرآنية، بل إننا نرى في كل قصيدة " تحويماتــه " في الأجواء القرآنية: في ارتباطه بالعبارة أو المضمون أو الأسلوب، فهو يطعّم شعره بالروح التراثية مستغلاً ثقافته العربية؛ وفي بروز هذه الظاهرة دعوى للقارئ أن يستقبل الشعر الحديث ويأنس به، إذ أن مثل هذا الشعر المتصل بالشعر القديم والقرآن يستهوي إليه القارئ التقليدي، بالإضافة إلى أن القارئ الحديث يجد بهذه الاقتباسات والانتفاعات ثقافة واطلاعًا.

ففي لغة السياب كثيرًا ما نقع على تركيب أو جملة مأخوذة من القرآن أصلاً، يسوقها في شعره كما هي بمعناها الأول أو في سياق جديد. وليس سبيلنا أن نذكر في كل استعمال كيف كان في القرآن وكيف غدا عند السياب إلا إذا وجدنا ضرورة تحتم ذلك. ومن أساليب القرآن المتنوعة وجدنا بعض الاستعمالات في شعر السياب جمعناها لنشير بأنه استعملها من غير بتّ أنها من القرآن حصرًا وقصرًا.

ونحن هنا لا نتحدث عن مواضيع القرآن في تناولنا المضمون، بل نقف عند الآية ذاتها، وكيف كانت عند السياب، ودليلنا إلى ذلك وجود كلمة أو أكثر توحي لنا بالأصداء القرآنية، فإذا قال الشاعر:"حبل من الليف" (6) فإننا نستذكر قوله تعالى " حَبْلٌ مِنْ مَسَد" (7). فالمسد هو الليف ولسنا نرى وجوب المقارنة، وان قال الشاعر:- " علينا عقاب برئوا منه واقع" (8) فإننا نتذكر "سَألَ سائِلُ بِعَذابٍ واقِع" (9) فالعذاب في القرآن هو العقاب عند السياب. وما من شك في أن الشاعر بكثرة استفادته من القرآن قد حافظ على جزالة اللغة ، واقترب من المألوف اللغوي ، ومهد لاستقبال التراكيب الغربية مما سنعمد إليه .



تأثير القرآن على السياب


1- في الأسلوب.

2- في التعابير.

3- في المضمون.

4- الأجواء القرآنية.

5- ألفاظ قرآنية بارزة.

1- في الأسلوب:

في القرآن أساليب مختلفة من تكرار ونداء واستفهام وتمنٍّ وإيجاز وحذف وغيرها، وإليك بعضًا من هذه الأساليب التي استعملها السياب:

أ- التكرار: ظاهرة تلازم شعر السياب، ولها أصول في القرآن، وعلى سبيل المثال ما ورد في سورة الرحمن، ونحن هنا لا نجزم أنه استفاد التكرار من القرآن مباشرة، بل نؤكد أن أسلوب التكرار وارد كثيرًا في القرآن، وربما كان له تأثيره على الشاعر.

(أنظر موضوع التكرار – ملاحظة 397 وما بعدها ).

ب- التمني: ففي قول السياب " يا ليتني ما زلت في لعبي" (10) يذكرنا بتمنيات مشابهة مبدؤه ب "يا ليتني" وردت في القرآن (11) وحتى المعنى يتطابق أحيانًا ...فالسياب يقول:

" يا ليتني لم أكن رأيتك من قبل ولم ألق منك عطف حنون

آه لو لم تعوديني على العطف وأه لو لم أكن أو تكوني" (12).

فهو مستمد من قوله تعالى: "يا لَيْتني مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًا" (13).

ج- أما الاستفهام والتكرار في أداته فاقرأ قوله تعالى: " قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السماءِ والأرضِ أمْ مَنْ يَمْلُكُ السَّمْعَ والأبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدّبِرُ الأمرَ..." (14).

وهذه الطريقة تتكرر عند السياب ، ولنذكر مثلاً:

" فمن يسمع الروح من يبسط الظل

في لافح من هجير النُّضار

ومن يهتدي في بحار الجليد إليها،

فلا يستبيح السكينة" (15).

د- ومن أساليب القرآن القسم ، فكثيرًا ما نرى - وخاصة في مطالع السور قسمًا مبتدئًا بالواو: " والتين والزيتون" ، "والفجر" ، "والليل" ...الخ.

والسياب في ديوانه "البواكير" استعمل هذا الأسلوب على غرار ما ذُكر في القرآن ، وذلك إذ يقول:

"والعصر مخضوب البنان

وأزاهر الحقل الحسان

والصبح يملأ بالندى عطرًا سلال الأقحوان

والبدر وهو مظلة لليل يمتلك افتتاني

إن الفؤاد لفي ضلال..." (16).

وهو تتبع لأسلوب القرآن - وخاصة في سورة العصر ، إذ تبدأ بنفس الكلمة "والعَصْرِ" ، ثم ما يلبث أن يقول: "إِنَّ الإِنسانَ لفي خُسْر" (17).

وجملة السياب " إن الفؤاد لفي ضلال" جوابًا للقسم جاءت على نـمط الآية وطريقة ترتيب كلماتها.

ه- واستعمال المفعول المطلق عند السياب كثير نذكر بعضها:

" وهي تسفه سفّـا" (18).

" يزحف تحتنا زحفا" (19).

وما أكثر هذه الصيغة في القرآن: "أنَّا صَبَبْنا الماءُ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا" (20).

وحتى أن بعض الكلمات يكررها السياب كما هي:

" قد فتحت فتحًا مبينًا مضاربه" (21).

وقد ورد في القرآن: " إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبيناَ" (22).

و- الأسلوب القصصي- ونورد مثلاً مشابهًا للقرآن نصًا وروحًا من السياب:

" اروي لنا نبأ الطريد فأنت راوية الزمان

أغوته حواء فسد يديه نحو الأفعوان

ذاقا فكانا ظالمين فكيف يُجْزى الظالمان؟

وبدا الموارى منهما فإذا هنالك سوءتان

وعليهما طفقا من الورق المهدل يخصفان" (23).

وهذا السرد الشعري استقى أغلب ألفاظه من القرآن:

" فلمّا ذاقا الشَجرةَ بَدَت لهما سوءاتُهُما وطَفِقا يَخْصِفان عليهما مِن وَرَقِ الجَنّة، ونادَاهما رَبُّهما أَلَمْ أَنْهَكُما عَن تِلْكُما الشجرةِ وأقُلْ لَكُما إنَّ الشيطانَ لكُما عَدَوٌّ مُبين، قالا ربَّنا ظَلَمْنا أَنُفُسَنا...." (24).

ز- استعمال "مِنْ" الزائدة ، وتكون مسبوقة بنفي أو استفهام ، كقوله تعالى: "ما أُريد مِنْكم مِنْ رِزْق" (25) والسياب يستعمل هذا الأسلوب في قوله: " ما لها من مَرْسى" (26) وسنرى في تناولنا لجملة العطف وضمير الشأن أثر القرآن كذلك.
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس