عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-11-2022, 09:12 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,949
إفتراضي

قال النبي صلى الله عليه و سلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه) فانظروا رحمكم الله! إلى هذا التكرار في نفي الإيمان عن الجار المؤذي.
بل أعظم من ذلك أن الجار المؤذي متوَّعَد بعدم دخول الجنة، إذا استمر على إيذائه، أواستحل ذلك، ومات على هذه الحالة السيئة.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)
والبوائق: الشرور. فاتقِ أيها الجار في جيرانك، واحذر الأذية؛ فإنها إلى النار مطية."
ثم أكمل بقية حقوق الجيرة فقال :
"أيها المسلمون، ومن حقوق الجار على جاره:
حمايته من كل سوء يعرض له، والدفاع عنه، وحفظه في أهله وماله حال غيبته، والتضحية من أجله، في حدود المقدور عليه، ما عدا غير المستطاع.
وهذا الحق-إن كان من حق المسلم على المسلم- فالجار من أحق الناس به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)
فمعنى (لا يسلمه) أي: لا يخذله، ولا يتركه لعدوه، بل ينصره وينجده.
وهذا الصنيع الشجاع يدل على شرف الجار المُعِين، وعلو همته ونجدته، وكرم شيمه وسمو أخلاقه. وقد كان هذا الخلق النبيل فخراً وشرفاً يفتخر به العربي في الجاهلية والإسلام، الشاعر:
وإني لأحمي الجارَ من كل ذلةٍ ... وأفرح بالضيف المقيم وأبهَج
وقالت الأخرى تمدح أخاها بحمايته جاره:
وجارك محفوظ منيعٌ بنجوة ... من الضيم لا يؤذى ولا يتذلل
وقالت:
يحامي عن الحيِّ يوم الحفا ... ظِ والجار والضيف والنُزَّلوقال الشاعر:
أنتِ أختي وأنت حرمةُ جاري ... وحقيق عليَّ حفظُ الجوار
إن للجار إن تغيّب غيبياً ... حافظاً للمَغيب والأسرار
ما أبالي أكان للجار سترٌ ... مسبَل أم بقي بغير ستار
وهذا الحق الكبير-عند ذوي النفوس العلية، والخصال الزكية- لا يسقط بالجفاء والأذية، والفعال غير الرضيِّة، بل يبقى ليؤدى، ولعله سيكون سبباً لهداية ذلك الجار البعيد عن إحسان الجوار، وتغيير أسلوبه المعوج؛ فقد كان لأبي حنيفة رحمه الله جار بالكوفة يؤذيه بصوته ليلاً حينما يعود من عمله، ويرفع صوته منشداً وهو في حالة سُكر:
أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسِداد ثغر
فيسمع أبو حنيفة صوته, فاتفق ذات ليلة أن أخذه الحرس وحبسوه، ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة، فسأل عنه في الغد فأخبروه بحبسه، فركب إلى أمير البلد، وطلب منه إطلاق الجار فأطلقه في الحال.
فلما خرج الفتى دعاه أبو حنيفة وقال له:- سراً- فهل أضعناك يا فتى؟
قال: لا، ولكن أحسنت أحسن الله جزاءك، ولن أعود إلى ما كنت أفعل.
وإن من العجيب في حماية الجار ما فعله أحد العرب الذي نزل الجراد حول خبائه فمنع أحداً أن يصيده حتى طار وبعُد عنه.
عباد الله، ومن حقوق الجار على جاره:
الإحسان إليه بكل ما يستطاع من وجوه الإحسان القولية والفعلية. فلا يكفي الجارَ أن يسلم من الأذى، وإنما يضاف إليه الإحسان وإيصال المعروف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)
قال حاتم الطائي لزوجته:
إذا كان لي شيئان يا أم مالك ... فإن لجاري منهما ما تخيّرا
في واحد إن لم يكن غير واحد ... أراه له أهلاً إذا كان مُقتِرا
ومن وجوه الإحسان إلى الجار: تهنئته عند فرحه، وتعزيته عند مصيبته، وعيادته عند مرضه، وبداءته بالسلام والبشاشة في وجهه، والإحسان إلى أهله وأولاده، وتفقد أحواله، وإرشاده إلى ما ينفعه في أمر دنياه و دينه, والإهداء إليه، وإعارته، أو إعطاؤه ما يحتاج إليه ونحو ذلك.
ومن أهم ما يحسن إليه: سد خلّته، وتفقد مطعمه ومشربه؛ لأن قوام الحياة بذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) "
وتحدث عن مراتب الجيرة فقال :
"وينبغي النظر في مراتب الجيران وتقديم الأقرب فالأقرب، والأولى فالأولى في الإهداء وبذل المعروف.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهما منك بابا) "
والحديث باطل فإن الإهداء يكون إلى ألأكثر حاجة وليس للأقرب بابا فقد يكون غنيا وهو يعارض الحديث القادم "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع "
وتحدث عن التهادى وعدم احتقار أى هدية مهما كانت قليلة فقال :
"إخوتي الكرام، لا يحتقر أحدنا هديته لجاره مهما قلّتْ، فهي -وإن لم تكن تُسرُّ العيون، أو تشبع البطون، أو تناسب الأقدار- لكنها تقرِّب القلوب، وتذيب العداوات، وتعمّق الود، وتعمل على مد حبال التعاون والتواصل.
قال الشاعر:
إن الهدية حلوةٌ ... كالسحْر تجتذب القلوبا
تُدني البعيدَ عن الهوى ... حتى تصيّره قريبا
وتعيد مضطغن العدا ... وةِ بعد بغضته حبيبا
تنفي السخيمة عن ذوي الشـ ... شحنا وتمتحق الذنوبالقد ورد الوعيد-
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس