عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-05-2010, 12:55 AM   #2
عبد الكريم الفاسي
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2010
المشاركات: 5
إفتراضي تنبيه و تعريف بما وقع في أخبار و أشعار أبي العتاهية من تحريف -تتمة-

و سأسوق لكم الآن بعض الأمثلة عن هذه التحريفات مستندا إلى تحقيق الدكتور شكري فيصل رحمه الله :
1- إن الراهب لويس شيخو طمس معالم عمل الإمام ابن عبد البر رحمه الله ,رغم أن كتاب هذا الأخير كان المرجع الأساس الذي استقى منه الراهب.

2- سكت عن وصل الروايات و المقابلات بمصادرها ,مكتفيا بهذه القالات الصماء :روي له و يروى ,و في الرواية ....

3- و هو الأهم : ما يتعلق بتحريف النصوص ,و الذي يبدأ بتحريف شكل الكلمات إلى أن يصل إلى بتر الأبيات ذوات العدد ,و هذا التحريف يطال في الغالب كل ما له علاقة إما بألفاظ قرآنية أو بالتوحيد أو بالرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم ,و سأضرب على ذلك أمثلة إن شاء الله :

- مثال عن تحريف الشكل : كلمة " أَوَّاب " ,و هي كلمة قرآنية عربية معروفة تصبح " َأوْآب " و ذلك في البيت :

طوبى لكل مراقب *** و لكل أوّاب شكور

- مثال عن تحريف الكلمة : كلمة " نشور" أصبحت " نزول" ,و هذا بنية مبيتة لأن خصوم أبي العتاهية الذين اتهموه بالزندقة قالوا إنه لا يؤمن بالنشور ,فجاء شيخو ليغذي هذه القالة فأبدل كلمة نشور بكلمة نزول في البيت التالي :

أسقامٌ ثم موت نازل *** ثم قبر و نشور و جلب

و كذلك العبارة القرآنية " سائق و شهيد " تحولت إلى "سابق و شهيد " في البيت :

ليت شعري و كيف حالك يا نف *** س غدا بين سائق و شهيد

-و نأتي الآن إلى بيت القصيد ,فكما قال الدكتور رحمه الله : " و أبعد من هذا أن الأب شيخو كان لا يطيق فيما يبدو أن يرى لفظة " محمد " الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم في شعر أبي العتاهية ,فإنه يحرف هذه اللفظة ماصادفها التحريف " و مثالا على ذلك :

يتحول البيت من : و إذا ذكرت محمدا و مصابه *** فاذكر مصابك بالنبي محمد
إلى : و إذا ذكرت العابدين و ذلهم *** فاجعل ملاذك بالإله الأوحد

و كذلك تتحول أبيات من :

و احمدوا الله الذي أكرمكم *** بنبي قام فيكم فنصحْ
بنبي فتح الله به ***كل خير نلتموه و شرحْ
مرسَل لو يوزن الناس به *** في التّقى و البر شالوا و رجحْ
فرسول الله أولى بالعلا *** و رسول الله أولى بالمِدَحْ
إلى :

و احمدوا الله الذي أكرمكم *** بنذير قام فيكم فنصح
بخطيب فتح الله به ***كل خير نلتموه و شرح
ابن من لو يوزن الناس به *** في التقى و البر شالوا و رجح
فنذير الخير أولى بالعلا *** و نذير الخير أولى بالمدح
وهنا ملحوظة صغيرة تدل على أنّ بضاعة أولئك المحرفين في اللغة العربية مزجاة ,ذلك لأن العرب تقول عادة " بشير الخير" لا "نذير الخير ",فإنما النذير للشر ,و يصح العكس و ذلك بأن نقول " بشير الشر" استهزاء ,كما جاء في غير ما موقع من كتاب الله كقوله تعالى << فبشرهم بعذاب أليم >>.

- حذف شطر بيت :

فحرف من : الحمد لله الواحد الصمدِ *** هو الذي لم يولد و لم يلدِ
إلى : الحمد لله الواحد الصمد *** فهو الذي به رجائي و سندي
وقصد التحريف هنا واضح لكل ذي لب .

- حذف كل البيت : و غالبا ما يطال هذا النوع من التحريف أبيات التوحيد ,أو مدح الرسول صلى الله عليه و سلم كما هو الحال في :

الحمد لله لا شريك له *** حاشى أن يكون مشتركا
أو :

أين أين النبي صلى عليه الله من مهتد رشيد و هاد

- حذف الأبيات ذوي العدد : علق عليه الدكتور رحمه الله بقوله " و يمضي التحريف و كأنما ليست هناك حرمة للنصوص ,و لا رعاية للصدق ,و لا اعتبار لأي واحدة من هذه القيم التي لا يكون العالم عالما إلا بها ,فإذا ناشر الديوان يطوي أبيات برمتها " و كمثال على ذلك :

سلام على قبر النبي محمد *** نبي الهدى و المصطفى و المؤيّدِ
نبي هدانا الله بعد ضلالة *** به ,لم نكن لولا هداه لنهتدي
فكان رسول الله مفتاحَ رحمة *** من الله أهداها لكل موحِّد
و كان رسول الله أفضل من مشى *** على الأرض إلا أنه لم يخلّد
شهدت على ألّا نبوّة بعده *** و أن ليس حي بعده بمخلّد


هذه بعض الأمثلة على التحريف المبطّن ,الذي طال شعر شاعرنا أبي العتاهية ,الذي و صفه المنصفون بشاعر الزهد و الحكمة , و ذلك متوقع من أولئك ,و كيف لا و هم من حرفوا كتاب الله –الإنجيل- و رسالته التي أنزل على عيسى عليه و على نبينا الصلاة و السلام ,فصدق فيهم قول ربنا جلّ و علا :<<فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين >> المائدة.


و في الأخير أريد أن أنبّهكم إخواني إلا أن النّسخة المحرَّفة من ديوان أبي العتاهية لا زالت تطبع و تنشر ,فتتغير الطبعات و أسماء المحققين لكن يبقى المحتوى المحرّف هو هو ,و هي و لا حول و لا قوة إلا بالله النسخة الإلكترونية الأكثر انتشارا على الشبكة العنكبوتية ,و هي من إصدار دار بيروت للطباعة و النشر و تحقيق كرم البستاني ,أما عن الديوان الذي قام بتحقيقه فضيلة الدكتور شكري فيصل السوري رحمه الله فقد أسماه " أبو العتاهية أشعاره و أخباره " و هو من إصدار جامعة دمشق سنة 1965 .
و سأحاول إن شاء الله تعالى في موضوع قادم التعريف بالشّاعر و إيراد بعض أشعاره .


جزاكم الله خيرا على هذا المنتدى الطّيب النّافع ,و لمن أراد من إخواني و أخواتي نقل الموضوع إلى منتديات أخرى لتعم الفائدة فله ذلك ,و أجره على الله


و الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ,و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
عبد الكريم الفاسي غير متصل   الرد مع إقتباس