الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-07-2006, 02:25 PM   #30
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

سعادة النائب أبو فايز

النائب مذكر للنائبة .. والنائبة هي المصيبة .. ولكن ليس بالضرورة أن يكون مذكر مصيبة مصيب ، بل يبقى مصيبة في معظم بلادنا العربية ..

عندما وضع (مونتسكيو ) وثيقته المشهورة قبل أكثر من قرنين ونصف ، بأنه لا يجوز القتل إلا بقانون و لا يجوز استملاك أموال الغير ، إلا بقانون ، ولا يجوز سن قانون إلا بحضور ممثلي الشعب . من هناك انطلقت فكرة الديمقراطية الحديثة .. ومن هناك تم تطوير فكرة الانتخابات الحديثة .. ووضعت لها التشريعات وفق دساتير و قوانين تنظم عملية الانتخابات ..

يكون النائب نائبا عن الشعب إذا كان يمثل إرادة الشعب ، ولن تكون للشعب إرادة إلا أن يكون له ممثليات قائمة تتصل بالنائب بعد الانتهاء من وصوله (توصيله ) الى البرلمان ، لكي تجسد تلك الصلة العضوية به ، فلو كان النائب قد حصل على عشرة آلاف صوت ، فلا يعقل أن يعود في كل مرة يتخذ بها موقفا تجاه ما يطرح في البرلمان الى العشرة آلاف ناخب ، يسألهم عن موقفهم ، فيقوم بإجراء فرز لآرائهم ، حتى يحدد موقفه ..

لذا كانت التجارب الديمقراطية المتقدمة في العالم ، تربط الانتخابات بنظام متكامل ، وهو نظام تكوين مؤسسات المجتمع المدني ، فعندما تكون هناك مسألة وطنية ، يكثر الخلاف حولها ، يعود النائب الى مؤسسته التي انطلق منها ، والعودة هنا لا تكون الى الناخبين بل الى قياداتهم التي وقفت وراء الناخب ، فيكون الرأي هو رأي تلك القيادات ..

ثم لو كان النائب طبيبا ، فإنه سيناقش بكفاءة ما سيطرح في البرلمان حول قضايا الصحة ، لكنه سيكون غير مؤهل لمناقشة ما سيطرح من مشاكل زراعية ، ولا ما سيطرح من مشاكل المرأة وغيرها .. فلذلك يكون المتخصصون من مساعدي النائب و الذين يشكلوا قيادة المؤسسة الاجتماعية التي انطلق منها ، هم من يناقش بإسهاب ما هو مطروح في البرلمان ، ويقاربوه مع رؤى مؤسستهم في تلك المسألة ، ويبلغوا النائب خلاصة موقف تلك المؤسسة .

أبو فايز ، كان معلما متقاعدا ، ليس له بالسياسة ولا بالاقتصاد ، ولم يرأس يوما من الأيام أسرة صف مدرسي .. كان إنسانا مغمورا ، يميل للعزلة ، يميل للبخل ، لدرجة أنه لم يتسامح عن كسر (غماز ) سيارته الأوبل (موديل ال 1974) .. وبقي يصرخ حتى وصلت الشرطة ، وأقنعت من كسر الغماز أن يدفع له ما قيمته (عشر دولارات ) .. كان ذلك قبل أن يعتمد كمرشح عشائري بيومين فقط !

لقد اعتمده مجموعة من الرجال الماكرين ، كمخرج لخلافاتهم في تسمية مرشح متفق عليه من جميع الأطراف .. وكانوا يراهنوا أن يقوم أبو فايز بأي لحظة بالتنازل عن تلك المهمة لأي من الطرفين المتذاكيين ، وقد عملا لذلك ، لكن نجح أبو فايز ، دون أن يخسر فلسا واحدا في حملته الانتخابية ، لا بل طالب بعض المتبرعين في دعمه بتسديد ما عليهم بعد ظهور النتائج ، لعمل وليمة لمحبيه و أنصاره !

لقد بهر أبو فايز ، بأجواء الولائم ، و اتصال رجال ذوي أهمية استثنائية به في التنسيق لحملات انتخاب رئيس لمجلس النواب ، أو لمنح الثقة بالحكومة ، أو لتمرير قانون ما . وكان عندما يعود من نشاطاته المفاجئة ، يسرد من التقى بحضرتهم من هؤلاء ، دون ذكر شيء عن القوانين أو المواقف ، فقد كانت المسألة الأهم أنه قد جلس في حضرة فلان الوزير المعروف أو رئيس الوزراء .


كانت طلباته ثمنا لمواقفه ، لا تزيد عن طلبات ذاك المعدم الذي سأله صاحبه ذات يوم لو أنك تحصل على مليون دينار ، ماذا ستفعل ؟ ، فأجاب : أشتري رطلا من اللحم .

لقد اكتشفت الجهات التي تراقب نشاط النواب خصائص كل نائب ، خلال أسبوعين ، وإن كانت تعلم عن تلك الخصائص منذ اليوم الأول لاعتمادهم كمرشحين ، فتفننت في ربطهم بها من خلال تلبية طلباتهم الساذجة ، بالإفراج عن اثنين من أقارب الناخب قد تشاجرا في حفل عرس ، أو عن مهرب ل(كلوز سجائر ) .. أو تعيين فراش في مدرسة في أحسن الأحوال ..

لقد انقضت سني برلمان أبو فايز ، وقد حصل فيها على أنه كان في الخصومات ، قد حظي بوضع فنجان القهوة أمامه في فض الخصومات ، أو خطبة العرائس . كما حظي بزيارة بعض الدول ، و نال بعض الهدايا التي كتب عليها اسم حاكم الدولة التي زارها أبو فايز ، كما أن الصفير الذي كان يرافق لفظ السين قد اختفى ، كما حظي بخط للحافلات تم صرفه له كجزء من أعطيات تمنح في المناسبات !

لكنه لم يحظ باحترام حقيقي من لدن من حوله ، فلم يستطع أحد أن يتذكر مداخلة واحدة لأبي فايز ، داخل مجلس النواب الذي كانت جلساته تبث على الهواء الطلق !

وعندما تنادى الناس لاختيار مرشح للانتخابات التالية ، حضر أبو فايز مع بعض أقاربه ، دون أن ينبس ببنت شفة تدل على رغبته في المنافسة مع المتنافسين ، لكنه ترك تلك المهمة لأحد أقاربه ، الذي ما أن أبدى رأيه في ترشيح أبي فايز .. حتى رد عليه أحد المسنين بالقول : ( إبن الخوثة ما يصير مرياع )
والخوثة هي الهبلة من النعاج و المرياع هو الكبش الذي يقود القطيع .
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس