الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-06-2006, 12:24 PM   #27
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مخمن الضريبة ( موسى ) :

ينشغل من يصطف في طابور للانتظار ، في النظر الى من هو أمامه ، فيحفظ طوله ، و ألوان ثوبه ، وعمر حلاقة رأسه ، وان طالت فترة المكوث بالطابور ، فإن طريقة التنفس ستكون معروفة ، هل النفس طويل أو به بحة ، أو أنه نفس متعب ؟

لكن تكون مهمة من يصطف بالطابور ، بالإضافة للانتظار ، مراقبة من يغادر الطابور عائدا ، فمعرفة ذلك تعطي حالة من الطمأنة لمن يقف بالطابور ، بأن وصول دوره قد اقترب ، بما يعادل فترة (شخص مصطف ) .. وهو التوقيت الذي يستخدم في الطوابير .. بعكس طوابير الخبز في المخابز الشعبية ، حيث يكون الرغيف هو وحدة الوقت ، بدل الثانية و الدقيقة ..

إن من يصطف بالخلف ، لا يكون مهما ولا يتم تركيز الإهتمام بتفاصيل ما يقوم به ، وإن حاول تخطي من أمامه ، فإن ثورة ستقوم لإعادته الى مكانه .

في الوظائف الحكومية ، تتشابه العلاقة بين الموظفين في سلم الوظائف ، مع علاقة من يصطف بالطابور ، فالموظف الذي في المقدمة ، يكون محل اهتمام وتركيز من يليه ، حتى يصل أسفل السلم الوظيفي .. لكن لا يهتم موظفو المقدمة بمن يتبعهم ، إلا في إعاقتهم عن احتلال مواقعهم واستغلالهم في أسوأ وجه ..

عندما يكون موظف المقدمة مستقيما وفاضلا ، فإن معايير الفضيلة ، ستسود الطابور الذي يليه ، فلذلك تقاس قوة الحضارات وازدهارها بقوة فضيلة حكامها ، وبالعكس عندما يكون من في رأس الطابور فاسدا ، فإن الفساد سيعم كامل الطابور .. تماما ، كما تفعل ( الأوكسينات) في أغصان الأشجار ، فأعلى برعم بالغصن سيزهر ، و يعطي إشارة للبراعم التي دونه أن تزهر ..

عندما يرى الموظف الثاني في الجمارك ، أن مديره قد ارتشى بسيارة موديل سنتها فإنه يتكيف مع هذا الوضع ، ليحصل على رشوة تتناسب مع مكانته الوظيفية ، محترما وضعه بين الأوضاع الوظيفية ، حتى تنتهي السلسلة بأقل موظفي الجمارك شأنا الذي يكتفي بعلبة ( سجائر ) ..

بالمقابل ، إن المواطنين الذين يفهموا شيئا عما يحصل ، عند هذا النوع من الموظفين ، فإنهم يجيزون لأنفسهم أن يقدموا الرشوة ، ويسمونها هدية ، أو يلقوا لها تبريرا يعتبرونه مخرجا ( فقهيا ـ فتوى ) .. للقيام بعملهم ، فهم يرغبون في تخفيض نسبة الضرائب عليهم ، أو إدخال بعض بضائعهم دون جمرك أو بجمرك قليل .. كما يعطون لأنفسهم مبررا لسرقة مياه الإسالة الحكومية أو الكهرباء إن استطاعوا الى ذلك سبيلا ..

وإن سألتهم لما تفعلون ذلك ؟ وفي بلاد الغرب ، تفضح الجرائد من يتهرب من دفع الضرائب وتسقطه في الانتخابات لأنه قام بعمل خائن .. فيجيبونك : إنهم في الغرب يتصرفون بأموال الضرائب بعدل ، فلا يقدمون بعثة لطالب قد حصل على معدل منحط ، ويتركون الطلاب المتفوقين يتصارعون مع بؤسهم ، إنهم يعالجون الناس وفق قانون يحترمونه .. أما نحن ، فهل ترى أن الأمور لدينا تسير حسب الأصول لدينا ؟؟

موظفو الضرائب ، يحتكمون الى قواعد وضعت لتحصيل الضرائب ، وفق عمليات حسابية ، كذا ناقص كذا يساوي كذا .. و غالبا ما يستندوا الى ظنونهم وتخمينهم ، فلذلك سمي أحدهم ( مخمن ) .

هناك من لو ربح مليونا في اليوم ، لا يظهر عليه أنه ليس فقيرا ، وهناك من لو لم يربح إلا القليل ، لبانت عليه النعمة ، وقاده سلوكه الى أن يكون فريسة المخمنين .. فلو ركب سيارة حديثة ، أو قام بوليمة كبرى دفعته عقده لعملها ، فلا يطول الوقت حتى يزوره المخمنون و يدخلوه في مسلسلاتهم ..

عند مستخدمي الكمبيوتر المبتدئين ، قد يتلف أحدهم جهازه ، نتيجة للإجابات الخاطئة التي يجيبها عن رسائل تظهر له على الشاشة ، فيقول نعم .. نعم .. وما هي إلا لحظات حتى يفقد محتويات جهازه .. وتبدأ رحلة عذابه ..

دخل موسى مخمن الضريبة ، فبان على وجه فالح الارتباك ، فبعد أن رد تحية موسى ، أجابه بصدق عن كل أسئلته ، ولم يكن فالح قد سألها لنفسه سابقا ، أو لم يكن يتدرب لإخراج صدقه بصورة صادقة ، فاختلطت أمانيه بما يجب أن يكون عليه ، مع واقعه الذي لم يكن باستطاعته وصفه وصفا دقيقا ، لا بلغة الحسابات و لا بلغة الأدب ..

قام فالح بجولة مع موسى ، فقطف له بعض ثمار الكمثرى ، و أحضر له بعض البيض ( البلدي ) .. فاعتذر موسى عن أخذها .. لكن فالح أصر أن يأخذها ، قائلا له أنت ضيفي ، وعملك شيء و ضيافتك شيء آخر .. كان يدور بخلده أنه إذا أبدى قدرا من الود تجاه هذا الموظف فإنه قد يكون رحيما ورفيقا معه في تخمين ما يستوجب دفعه كضريبة ..


يسمع أحدنا أن فلانا قد جمع ثروته من التهريب ، وما أن ينجر أحدنا لتلك المهنة ( التهريب) إلا و أن يمسك من أولها ، ويخسر كل شيء جمعه في حياته ، فالخروج من مطبات التهريب و الضريبة و الرشوة وغيرها ، له فقهه وله فقهائه .. وليس بإمكان أي إنسان أن يقتحم تلك الحقول ، لمجرد أنه رغب بذلك ، فكما يقول المثل اللبناني ( مثل ما الفارة ليها البيسي .. القضايا ليها المحامي )

ما هي إلا أسابيع ، حتى تلقى فالح إشعارا من ضريبة الدخل يطلب منه تسديد مبالغ وصلت الى أكثر من نصف رأسماله !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس