عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-12-2022, 09:09 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,949
إفتراضي

و منها:
انه علي العناية الأولي كان الوجود الاعتباري للعين قبل أداء الضامن إياه ملك الضامن حقيقة إذ هو حينئذ عين بدله الذي هو قبل أدائه ملك الضامن، غاية الأمر عناية كونه عين ما أخذت موجب لاستحقاق مطالبة المالك إياه الذي هو روح ضمانه الراجع الي استحقاق المالك علي الضامن ما هو الميسور من مراتب وجود ماله و هو ليس الا البدل وهذا بخلاف العناية الثانية إذ وجود العين بالحقيقة في أي مكان كان هو ملك المالك فرجوع المالك الي الضامن من جهة سلطنته علي أخذ ماله غاية الأمر حيث لا يتمكن الضامن لا يجب عليه الا بدله، و حينئذ فما علي اليد ليس ملك الضامن وانما هو ملكه هو البدل المسقط للعين، والا فما علي اليد كما في اليد ليس الا ملك المالك .
ومن تبعات هذه الجهة من الفرق بين العنايتين يتولد نتيجة أخري،وهي أن بمقتضي العناية الأولي عند كون اليد اللاحقة الواردة علي ما فيها بأخذها يصدق انها واردة علي وجودي العين الذين هما في اليد وعلي اليد، ففي الحقيقة استيلاؤه علي العين استيلاء علي وجود العين لجميع أنحائه وشؤونه، فكان اليد الثانية بمنزلة كاس آخر قائم علي الكاس الأول الحاوي للعين بشؤونها، ولازمه احداث ما أخذت عينا اعتباريا علي اليد الثانية للمالك وعينا اعتبارية أخري علي اليد الثانية للضامن.
كل ذلك لعموم علي اليد ما أخذت غاية الأمر ما أخذ في اليد الاولي وجود عين واحدة و في اليد الثانية وجودان للعين من حقيقي واعتباري و كل منهما علي اليد الثانية، وبهذه الملاحظة يقال: ان اليد الثانية أيضا مشغولة بمال الضامن فعلي يده أيضا وجود هذه العين، غاية الأمر ليس للضامن السابق مطالبة اللاحق إلا في ظرف أدائه ما عليه من البدل لأن أدائه موجب لتلف ماله فله الرجوع الي اللاحقة بما عليه من ماله أيضا.
ك ما أن للمالك أيضا الرجوع الي اللاحقة في ظرف تلف ماله بيد اللاحق أو حيلولته، غاية الأمر يك ون مطالبته في ظرف أدائه ما علي يده برجوع المالك اليه و هذا واضح في فرض تلف العين، ك ما أن من بيده التلف ليس له يد لاحقة فلا مقتضي لرجوعه بأداء البدل الي غيره، ولذا كان قرار الضمان عليه.
واما فرض بقاء العين في يد اللاحقة
فإن طالب المالك من السابقة شخص العين فهو بمنزلة الإذن بأخذها من اللاحقة واعطائها للمالك فلا اشكال فيه، وان طالب البدل ولو بملاحظة حيلولته بين المالك والمال فلا شبهة في انه بأداء البدل يسقط سلطنة المالك عن مطالبة العين عن اللاحقة لظهور حتي تؤدي في سقوط استحقاق المالك ، ولا أقول بأن العين تخرج عن ملك المالك بأخذ بدلها، كيف والبدل وجود ناقص للعين فكيف يوجب ملكه خروج الوجود الكامل من شخص العين عن ملكية المالك .
ولئن شئت قلت إن المالك أخذ بدل مالية العين والا فشخصها باق علي ملكه ولا ينافي ذلك أيضا مع مالكية المالك للبدل حيث انه بدل مرتبة من مراتب العين فلا قصور في الجمع بين ملكية البدل والمبدل، نظير الجمع بين طلب البدل وطلب مبدله في الابدال الناقصة في العبادات، وانما لا يتصور الجمع بين الملكية والطلب في البدل التام لا الناقص وحينئذ لذي اليد السابقة بعد أدائه البدل استحقاق مطالبة العين التي هي باليد اللاحقة ببعض مراتبها التالف من ماله بأدائه مع سقوط سلطنة المالك بأخذه البدل عن حقيقة العين فإذا أخذ السابقة العين من اللاحقة يرجع سلطنة المالك عليه لخروجه عن الحيلولة ويصير مستحقا للعين و يرجع بدله المأخوذ إلي المأخوذ منه فيعطي الأخذ العين للمالك ويأخذ ما أعطاه من بدل العين.
ثم بهذه النسبة نقول بالنسبة إلي سائر الأيدي فبتعدد الأيدي يتعدد اعتبار وجودات للعين عليها علي وجه موجب لرجوع السابقة عند تلف العين أو حيلولتها إلي اللاحقة، نعم كل سابقة بالنسبة إلي اللاحقة ليس له الرجوع مع عدم إعطاء ما علي يده للمالك أوالسابقة، كما انه مع إعطائه إياه أيضا ليس له الرجوع الي اللاحقة بالنسبة الي ما علي يده مع وجود العين تحت يده بل حقه حينئذ ليس إلا مطالبة العين بإخراجها من الحيلولة إذ السابقة بإعطائه بدل العين مستحق للعين أولا ومع حيلولته مستحق لبدلها، لا أقول: انه حينئذ يصير مالكا للعين كما لا يصير بإعطائه البدل عند التلف أو الحيلولة مالكا لما علي اللاحقة من البدل، بل انما يملك البدل بأخذه ومع وجود العين أيضا يستحق المطالبة بأداء بدله غاية الأمر هنا بأخذه العين أيضا لا يملك العين من جهة أنه بأخذه العين ترتفع الحيلولة فيرجع استحقاق المالك أو السابقة عليه للبدل المأخوذ، حيث إن ملكيته مراعي بالحيلولة فيستحق المالك العين فيرجع البدل ويأخذ العين.
و من هذا البيان ظهر أيضا حال بدل الحيلولة
وان المالك مالك للبدل المأخوذ ومالك للعين مع كون المأخوذ أيضا بدل نفس العين، غاية الأمر حيث انه بدل ناقص وواف ببعض مراتب العين فلا مانع في ملكية المالك له عند أخذه البدل مع بقاء ملكيته لشخص العين دون جهة مالية علي حالها.
و حينئذ فصح لك أن تقول
إن ما يأخذه المالك مثلا بدل نفس العين ببعض مراتبها فيملكه بهذه الملاحظة مع بقاء العين بمرتبتها الأخري علي ملكية المالك ومن هنا ظهر أن بدل الحيلولة كبدل العين التالفة بدل نفس العين وغاية الأمر في بدل التالف حيث لا مجال لعود العين فيستقر ملكية المالك للبدل المأخوذ بخلافه في بدل الحيلولة حيث انه ممكن العود فلا محيص عن كون ملك ية المالك للبدل المأخوذ مراعي بعدم ارتفاع الحيلولة والا فبمجرد ارتفاعها يرجع ملكية البدل و يستقر ملكية المالك في العين.
ولئن شئت قلت: إن البدل مطلقا في التالف أو الحيلولة حيث انه بدل ناقص للعين بمقتضي وفائه ببعض مراتب وجودها لا يوجب بنفسه ملكية مستقرة له ولذا لو فرض عود التالف علي خلاف العادة يعود ملكية البدل المأخوذ فيرجع التالف العائد إلي المالك و يرجع البدل الي الضامن، وانما استقراره من جهة عدم عود التالف لخرق العادة بخلافه في بدل الحيلولة.
و علي أي حال لا مجال للفرق بين بدل التالف وبدل الحيلولة بجعل الأول بدل العين والثاني بدل السلطنة الفائتة بخيال أن شأن البدل في باب الضمانات أن يكون جابرا للتالف ومع عدم تلف العين لا يكون في البين تالف قابل للجبران إلا السلطنة علي العين فيكون بدل الحيلولة بدلا وجابرا للسلطنة لا لنفس العين.
و توضيح الدفع هو ان شأن البدل وان كان جبران التالف، ولكن نقول:
ان دائرة التلف أعم من انعدام العين مطلقا أو انعدامها في الجملة ولو في زمان الحيلولة بالنسبة إلي يد الضامن، فإنه في هذه القطعة من الزمان ولو بملاحظة فقد العين في يد الضامن يصدق أيضا نحو مرتبة من التلف القابل للجبران بالبدل بمقدار تلفه، ولذا كان جبرانه ما دام العين تالفا في يد الضامن و بمجرد عودها اليه يرتفع ملكية البدل ويرجع الي الضامن كما أن العين تعود وترجع الي المالك .
ولئن شئت قلت ليس قوام البدلية بجبره للفائت بل قوامه بقيامه مقامه في الوفاء بلوازمه واثاره عند فقده ولو في الجملة، غاية الأمر لا يكاد يستحق المالك المطالبة بالبدل مع وجود العين تحت يده، إذ مع إمكان الوصول الي عين ماله لا يبقي مجال عناية البدلية للمرتبة الناقصة منها لعدم استحقاق الإنسان أزيد من عين ماله.
و كيف كان نقول إن شأن البدل جبران الفائت الحاصل بالتلف تارة وبالحيلولة أخري، و حينئذ لا يقتضي في تصحيح الجبران المزبور جعل البدل في الحيلولة بدل السلطنة الفائتة، إذ لا قصور في كونه بدل عين المال الفائت في الجملة ولو في حال الحيلولة، مضافا الي أنه لو كان البدل بدل السلطنة الفائتة لزمه عدم عود البدل برجوع العين لأن السلطنة الفائتة غير قابلة للرجوع ولئن قيل بان البدل بدل تمام السلطنة قلنا بأنه ليس بفائت ليجبر.
ولو قيل بان البدل في الحيلولة بدل العين في السلطنة لا الملكية كي برجوع العين يرجع البدل كان أولي، ولكن لازمه عدم ملكية المالك للبدل المأخوذ بل في حكم ملكه في السلطنة علي جميع التصرفات فيه، نظير القول بالإباحة في معاطاة البيع مع حفظ حقيقة البيع من المبادلة بين المالين فيها، ولكن ذلك خلاف ظاهر ك لماتهم من كون المأخوذ بدلا ملك للأخذ غاية الأمر مراعي ببقاء الحيلولة فتدبر فيه حيث لا يأبي ك لماتهم من الحمل علي هذا المعني لولا دعوي ان البدل في مورد التلف أيضا بحك م بدل الحيلولة من ك ونه مرجوعا أيضا برجوع العين علي خرق العادة والحال ان المرتكز في الأذهان فيه هو الملكية، ولم يتوهم أحد فيه انه بدل السلطنة فليكن ك ذلك في بدل الحيلولة أيضا إذ هما من هذه الجهة يرتضعان من ثدي واحد كما لا يخفي.
وعلي أي حال نقول ان ترتيب هذه الآثار واللوازم إنما هو من تبعات كون ما علي اليد ملك الضامن قبل أدائه الذي هو من تبعات العناية في الوجود واما علي العناية في المحل لا في الوجود، فلا شبهة في ان اليد الثانية الواردة علي العين بجميع شئونها قائمة علي عين المالك بلا قيام يده علي مال الضامن وحينئذ من قبل هذا العام لا مقتضي لرجوع السابقة علي اللاحقة عند إعطائه البدل، لان يده حينئذ بالنسبة الي ما هو تحت اليد الاولي يد علي مال المالك وغاية ما تقتضيه يده جواز رجوع المالك عليه، لا جواز رجوع الضامن عند خسارته علي اللاحقة، فإثبات مثل هذا الحكم حينئذ من عموم علي اليد فقط دونه خرط القتاد.
ونظيره في هذا الاشكال لو قلنا بان مفاد علي اليد تعهد الضامن والتزامه برده بلا اعتبار وجود عين علي اليد، إذ مجرد العهدة لا يصلح أن يقع تحت اليد و موردا للضمان كيف وهو من شئون الأموال عينا كانت أم منفعة أو حقا، واما الأحكام الوضعية والتكليفية فهي أجنبية عن مقام التضمين بيد أو غيرها.
واعجب من ذلك توهم آخر
وهو انه مع التزامه بعدم تعدد العين في الأيدي وان الإضافات متعددة التزم أيضا برجوع السابقة علي اللاحقة قضاء لحق البدلية، إذ لنا حينئذ حق السؤال بان بدلية الشيء عن الفائت بقيامه مقامه لا تقتضي أن يقوم الضامن أيضا مقام المالك إذ هو من تبعات المعاوضة القهرية، وليس كذلك خصوصا في بدل الحيلولة، و بالجملة كلماتهم في المقام في نهاية التشويش حيث لم يلاحظوا دقة المطلب ولم يعتنوا به والله العالم. "
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس