عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-12-2005, 04:30 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

فحص العقل العربي من خلال غيره :

قد يكون هذا العنوان به شيء من الغرابة ، ولكون الموضوع به من المادة الجافة التي لا يرغبها الكثير من الناس هذه الأيام ، رغم أهميتها في الاستدلال على ما يجري حولنا ، من خلال تقمص النظر بآلة نظر الغير تجاهنا ..

و تكون متابعة هذه المواضيع ، كمتابعة أثر في الصحراء ، عندما يتقصى أحدهم أثر غيره .. فبين فعل الرياح و تداخل أقدام المارة وهم قلة ، و تشابكها مع آثار بعض الحيوانات البرية و غيرها ، قد يقع المتتبع بالتيه .

ولكي لا نضع أنفسنا بتيه مماثل ، فان مناقشة العقل ستنحصر بالعقل اليوناني والأوروبي ، مقارنة بالعقل العربي ، ليس لأن الآخرين من أهل حضارات في الصين والهند ووادي النيل و العراق القديم ، لن يكونوا أهلا للاستثناء ، بل لأن الصبغة العامة للنشاط العقلي عندهم كانت أقرب للطقوس السحرية و الميتافيزيقة ، أكثر منها في حالات اليونانيين و الأوروبيين و العرب .

****

لنناقش في البدء الثقافة اليونانية ونشاط العقل بها :

يقول كوسدروف ( يتحدد نظام كل ثقافة تبعا للتصور الذي تكونه لنفسها عن الله والإنسان و للعالم ، وللعلاقة التي تقيمها بين هذه المستويات الثلاثة من نظام الواقع ) .

وكان هناك فيلسوفان لهما الأثر البالغ ، في تكوين خط بداية لإطلاق العقل في شرح و تصور تلك العلاقة . وهما (هراقليطس) و ( اناكساجوراس) . فالأول هو من ابتدأ بالقول بفكرة ( اللوغوس) أو العقل الكوني .. فبعيدا عن الأساطير قال بوجود (قانون كلي) يحكم الظواهر ويتحكم في صيرورتها الدائمة الأبدية .

لقد قال هيراقليطس بملازمة (محايثة) العقل الكوني الطبيعة وتنظيمها من داخلها ، فهو بالنسبة للطبيعة كالنفس بالنسبة للإنسان .. وهو أشبه بنار إلهية لطيفة .. أو نور إلهي .. يسري في الطبيعة ويحكمها ..

أما (اناكساجوراس) فقال بشيء مختلف عن هذا العقل الكوني ، اذ أطلق عليه (النوس) .. وقال ان الأجسام تتكون من أجسام صغيرة متناهية في الصغر ، وتسبح في الكون عمياء لا تعلم مصيرها . وان مهمة العقل الكوني (النوس) هي تنظيمها و تحويلها لأشياء لها معنى و فاعلية منظمة ! ونظريته لا تترك مجالا للصدفة . ويقول ان هذا العقل الكوني هو من شكل الكواكب و الكائنات المنتشرة في كل الكون وفق نظام يعرفه هو .

ويختلف هنا عن هيراقليطس ، بان العقل الكوني لا يعيش وسط هذه الأجسام بل خارجها ، وهو الذي ينظمها !

اننا عندما نتتبع هذه الأقوال ، نستطيع تلمس إيمان هؤلاء الفلاسفة الذين عاشوا في أجواء ما قبل معرفتهم بالأديان السماوية ، بأنهم يبحثون عن الله من خلال آثار خلقه .. فهم يرفضون الفوضى في هذا الكون ، ويدركون ان نظامه المستقر ، وراءها قوة لا يدركونها بالحس المادي ، لكنهم يقرون بعظمتها .
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس