ابن السبيل
عبد الله البردوني
سـار والـدرب ركامٌ من iiغباء كـل شـبر فـيه شيطان بدائي
كـان يـرتدٌ ويـمضي iiمـثلما تـخبط الريح، مضيقاً من iiعناء
بـين جـنبيه، جـريح iiهـاربٌ مـن يد الموت، ومسلول iiفدائي
يصلب الخطوَ على ذعر الحصى وعـلى جـذعٍ مـديدٍ من iiشقاءِ
وعـلـى مـنعطفٍ أو شـارعٍ مـن دم الذكرى وأنقاض iiالرجاءِ
مـن يـعي يـسأله: أيـن iiأنا؟ ضـاع قدّامي، كما ضاع iiورائي
وإلـى لامـنتهى هـذا iiالسرى فـي المتاهاتِ، ومن غير iiابتداء
إنـني أخـطو على شلوي وفي وَهْـوهَات الـريح، أشتم iiدمائي
مـن يـؤاويني؟ أيصغي iiمنزلٌ لـو أنـادي، أو يعي أي iiخباء؟
الـمـمرات، مـغـاراتٌ iiلـها وثـبة الـجنّ، وإجـفال iiالظباءِ
وهـناك الـشهب غـربان، iiبلا أعـين، تـجتاز غـيماً iiلانهائي
وهـنا الـشمس عجوز، iiتحتسي ظـلها، تصبو إلى تحديق iiرائي
مَـنْ دنا منّي؟ وكالطيف iiالتوى ونـأى، خـلف خيالات iiالتنائي
مـن وراء الـتلّ عـنَتَّت غابةٌ مـن أفـاعٍ، وكهوف من iiعُواء
وعـيـون، كـالمرايا، لـمعت فـي وجـوه، من رمادٍ iiوانحناء
إنـه حـشد، بـل اسـمٍ iiوجههُ خـلفهُ مـرآهُ تـزوير iiالـطلاء
مَـنْ يـرى؟ أي زحـام iiودرى إنـه يـرنو إلى زيف iiالخواءِ؟
وبــلا زادٍ ولا دربٍ iiمـضى كـالخيالات الـكسيحات iiالظماءِ
تـخفُقُ الأحـزان، فـي أهدابه وتـناغي، كـعصافير iiالـشتاءِ
يـنحني، يستفسر الأطراق iiعن وجهه الذاوي، وعن بابٍ iiمضاءِ
عـن يـد، صيفيةِ اللّمس iiوعن شـرفةٍ جذلى، وعن نبض iiغناءِ
وتـأنت نـجمةٌ أرسـى iiعـلى جـفنها طـيفٌ، خريفي iiالرِّداءِ
فـتـملاها مـلـيّاَ وارتــدى جـوّ عـينيه، أصيلاً من iiصفاءِ
والـتظى بـرق، تـضنَّى iiخلفه ألـف دنـيا، من ينابيع iiالسخاءِ
وبـلا وعـي دنـا، مـن كوخه كـغريقٍ، عـاد من حَلقِ iiالفناءِ
فـأحسَّ الـبابَ يـلوي iiحـولهُ ساعدي شوقٍ، وحضناً من iiبكاءِ
أيــن مـن يـسأله، iiيـخبرهُ عـن مـآسيه فيحنو أو iiيرائي؟
وجـثا، يـحنو عـليه iiمـنزلٌ سـقفه الـثلج، وجدران iiالمساءِ
وكـمـا تـنـجرّ أمُّ iiضـيَّعت طـفلها، يـبحث عن أدنى iiغذاءِ
يـجتدي الـصمت نـداءً أو iiيداً أو فـماً يـفترُ، أو رجـع iiنداءِ
ويـداري الـسُّهْدَ أو يـرنو iiإلى ظـله، يـختال في ثوبٍ iiنسائي
فـتـعـاطيه مـنـاهُ iiأكـؤسـاً مـن دخانٍ، واحتضاناً من iiهباءِ
تـحـتسي أنـفـاسَه iiأُمـسـيةُ عـاقر، تـمتص ألـوانَ iiالهواءِ
هـل هـنا لابن سبيل الريح من مـوعدٍ؟ أو هـاهنا دفء iiلقاءِ؟
عـاد مـن قـفرٍ دُخـاني، إلى عـامرٍ، أقـفرَ مـن ليل iiالعَرَاءِ
وغـداَ يـبتدئ الأشـواط iiمـن حـيث أنـهاها، إلى غير iiانتهاءِ
يـقطع الـتيه، إلـى التيه، iiبلا شـوق أسـفارٍ، ولا وعد iiانثناءِ
وبـلاذكـرى، ولاسـلوى iiرؤىً وبـلا أرض، ولا ظـل iiسـماءِ
عـمـره دوَّامـةٌ مـن iiزئـبقٍ وسـهادٌ، وطـريقٌ مـن غـبَاءِ
|