عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-12-2006, 06:54 AM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

* موسى بن أبى الغسان *


اقتربت جيوش النصارى من غرناطة لتسقط بذلك آخر ممالك الأندلس .. وكانت المهمة شديدة السهولة .. دولة منهارة وملك ضعيف .. لولا ظهور هذا الفارس .. إحدى الفرسان الملثمين فى تاريخنا المشرق .. فقاد حربا استمرت عامين يقودها ويشعل الحمية في نفوس المقاتلين وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الموت والسقوط عامين كاملين .. وتحملت حصارهما سبعة أشهر ‏.‏‏.

فى لحظات التردى والأفول تتوهج بطولات فردية، لا تأخذ فيما يأخذ فيه الناس،
ولو كانوا ملوكا وأمراء، ولا تستكين للمنطق الجماعى، الذى ديدنه حساب الخسائر والمغانم،
ومن ثم يهبون للحياة معناها .

كانت شمس الإسلام فى الأندلس تؤذن بأفول وإشاحة، صحيح أنها فى غرناطة كانت تبرز من السحاب والعتمة، لكنها كانت آخذة فى سكرات الموت، أحدق اليأس والخيانة الداخلية والمساومات
الخارجية مع عدو يتربص بها الدوائر، ويحاول أن يجد ثلمة يجوس خلالها حتى النخاع،
وبدا للناس منذ سقطت طليطلة ما يتنبأ به الشاعر :

يا أهل أندلس حثوا مطيكم *** فما المقام بها إلا من الغلط ِ
الثوب ينسل من أطرافه وأرى*** ثوب الجزيرة منسولا من الوسطِ

تتحدث تلك الروايات عن موسى ومعارضته الشديدة للتسليم .. قائلا فى إحدى هذه المرات : «نحن لم نفقد كل الأسلحة، لدينا سلاح اليأس»،

وقف موسى بن أبي غسّان رحمه الله في قصر الحمراء ثم خطب خطبة مهيبة قال فيها:
" لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة مَلِكِهم؛
إن الموت أقل ما نخشى (يريد أن هناك ما هو أصعب من الموت)؛ فأمامنا نهب مدننا وتدميرها،
وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي، والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق، أما أنا فوالله لن أراه " .
يريد موسى بن أبي غسّان أنه لن يرى كل هذا الذُلّ الذي سيحل بالبلاد جراء هذا التخاذل والتقاعس،
أما أنا فسأموت الموت الشريف.

لم يركن موسى إلى ما ركن إليه الناس، بل كان رفضه عملياً، حيث أراد الموت الشريف.. غادر المجلس حين رآه خشباً مسندة مخترقا بهو الأسود دون أن يتفوه ببنت شفة، وذهب إلى داره وغطى نفسه بسلاحه، واقتعد غارب جواده، وواجهته سرية مسيحية من خمسة عشر فارساً، عرفوه واشتجرت بينهم وبينه معركة أثخن فيهم حتى أفنى معظمهم حتى أصيب بجرح بليغ فاستل خنجره وظل يطعن به، حتى ابتلعه ماء نهر شنيل، وعرفه الناس بجواده المطعون.

هذا ضرب من البطولات الفردية التى تصنع تاريخها ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس