عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-01-2007, 03:21 PM   #41
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

طبيعة العقلية العربية


لكل أمة عقلية خاصة بها، تظهر في تعامل أفرادها بعضهم مع بعض وفي تعامل تلك الأمة مع الأمم الأخرى، كما أن لكل أمة نفسية تميزها عن نفسيات الأمم الأخرى، وشخصية تمثل تلك الأمة،وملامح تكون غالبة على أكثر أفرادها، تجلها سمة لتلك الأمة تجزها عن سمات الأمم الأخرى.


والعرب مثل غيرهم من الناس لهم ملامح امتازوا بها عن غيرهم، وعقلية خاصة بهم. ولهم شمائل عرفوا واشتهروا بها بين أمم العالم، ونحن هنا نحاول التعرف على عقلية العربي وعلى ملامحه قبل الإسلام، أي قبل اندماجه واختلاطه اختلاطاً شديداً بالأمم الأخرى، وهو ما وقع وحدث في الإسلام.


وقد بحث بعض للعلماء والكتاب المحدثين في العقلية العربية، فتكلموا عليها بصورة عامة، بدوية وحضرية، جاهلية وإسلامية. فجاء تعميمهم هذا مغلوطاً وجاءت أحكامهم في الغالب خاطئة. وقد كان عليهم التمييز بين العرب الجاهلين والعرب الإسلاميين، وبين الأعراب والعرب، والتفريق بين سكان البواطن آي بواطن البوادي وسكان الأرياف وسكان أسياف بلاد الحضارة. ثم كان عليهم البحث عن العوامل والأسباب التي جعلت العرب من النوعين: أهل الوبر وأهل الحضر، تلك الجبلة، من عوامل إقليمية وعوامل طبيعية أثرت فيهم، فطبعتهم بطابع خاص، ميزهم عن غيرهم من الناس.
بل إن الحديث عن العقلية العربية، حديث قديم، ففي التوراة شيء عن صفاتهم و أوصافهم، كوّن من علاقات الإسرائيليين بهم، ومن تعاملهم واختلاطهم بالعرب النازلين في فلسطين وطور سيناء أو في البوادي المتصلة بفلسطين. ومن أوصافهم فيها: أنهم متنابذون يغزون بعضهم بعضاً، مقاتلون يقاتلون غيرهم كما يقاتلون بعضهم بعضاً "يده على الكل، ويد الكل عليه". يغيرون على القوافل فيسلبونها ويأخذون أصحابها أسرى، يبيعونهم في أسواق النخاسة، أو يسترقونهم فيتخذونهم خدماً ورقيقاً يقومون بما يؤمرون به من أعمال، إلى غير ذلك من نعوت وصفات.


والعرب فيَ التوراة، هم الأعراب، أي سكان البوادي، لذلك فإنّ النعوت الواردة فيها عنهم، هي نعوت لعرب البادية، أي للأعراب، ولم تكن صلاتهم حسنة بالعبرانيين.


وفي كتب اليونان والرومان والأناجيل، نعوت أيضا نعت بها العرب وأوصاف وصفوا بها، ولكننا إذا تمعنا بها وقرأنا المواضع التي وردت فيها، نرى أنها مثل التوراة، قصدت بها الأعراب، وقد كانوا يغيرون على حدود إمبراطوريتي. الرومان واليونان، و يسلبون القوافل، ويأخذون الإتاوات من التجار والمسافرين وأصحاب القوافل للسماح لهم بالمرور.


وقد وصف "ديودورس الصقلي" العرب بأنهم يعشقون الحرية، فيلتحفون السماء. وقد اختاروا الإقامة في أراضي لا أنهار فيها ولا عيون ماء، فلا يستطيع العدو المغامر الذي يريد الإيقاع بهم أن يجد له فيها مأوى. انهم لا يزرعون حَباً، ولا يغرسون شجراً، ولا يشربون خمراً، ولا يبنون بيوتاً. ومن يخالف العرف يقتل. وهم يعتقدون بالإرادة الحرة، وبالحرية. وهو يشارك في ذلك رأي "هيرودوتس" الذي أشاد بحب العرب للحرية وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم واستذلاهم. فالحرية عند العرب هي من أهم الصفات التي يتصف بها العرب في نظر الكتبة اليونان واللاتين.


وفي كتب الأدب وصف مناظرة، قيل إنها وقعت بين "النعمان بن المنذر" ملك الحيرة وبين "كسرى" ملك الفرس في شأن العرب: صفاتهم وأخلاقهم وعقولهم، ثم وصف مناظرة أخرى جرت بين "كسرى" هذا وبين وفد أرسله "النعمان" لمناظرته ومحاجته فيما جرى الحديث عليه سابقاً بين الملكين. وفي هذه الكتب أيضا رأي "الشعوبيين" في العرب، وحججهم في تصغير شأن العرب وازدرائهم لهم، ورد الكتاب عليهم. وهي حجج لا تزال تقرن بالعرب في بعض الكتب.


ومجمل ما نسب إلى "كسرى" من مآخذ زُعم انه أخذها على العرب، هو أنه نظر فوجد أن لكل أمة من الأمم ميزة وصفة، فوجد للروم حظاً في اجتماع الألفة وعظم السلطان وكثرة المدائن ووثيق البنيان، وأن لهم ديناً يبين حلالهم وحرامهم ويرد سفيههم ويقيم جاهلهم، ورأى للهند، نحواً من ذلك في حكمتها وطبّها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها، وعجيب صناعاتها ودقيق حسابها وكثرة عددها. ووجد للصين كثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد، وان لها ملكاً يجمعها، وأن للترك والخزر، على ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم. ولم يرَ للعرب دينا ولا حزماً ولا قوة. همتهم ضعيفة بدليل سكنهم في بوادي قفراء، ورضائهم بالعيش البسيط، والقوت الشحيح، يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة. أفضل طعامهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها. "وإن قرَى أحدهم ضيفاً عدّها مكرمة. وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم، وتفتخر بذلك رجالهم". ثم إنهم مع قلتهم وفاقتهم وبؤس حالهم، يفتخرون بأنفسهم، ويتطاولون على غيرهم وينزلون أنفسهم فوق مراتب الناس. "حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكاّ أجمعين"، وأبوا الانقياد لرجل واحد منهم يسوسهم ويجمعهم.


إذا عاهدوا فغير وافين. سلاحهم كلامهم، به يتفننون، وبكلامهم يتلاعبون. ليس لهم ميل إلى صنعة أو عمل ولا فن، لا صبر لهم، إذا حاربوا ووجدوا قوة أمامهم، حاولوا جهدهم التغلب عليها، أما إذا وجسوها قوة منظمة هربوا مشتتين مبعثرين شراذم، يخضعون الغريب ويهابونه ويأخذون برأيه فيهم، ما دام قوياً، ويقبلون بمن ينصبه عليهم، ولا يقبلون بحكم واحد منهم، إذا أراد أن يفرض سلطانه عليهم.


وقد ذُكر أن أحد ملوك الهند كتب كتاباً إلى "عمر ين عبد العزيز"، جاء فيه "لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كلّ شق من الأرض لها ملوك تجمعها ومدائن تضمها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة، ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة، ورمّانة القباّن التي يوزن بها رطل واحد ومائة رطل، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والاصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف وغير ذلك من الآثار المتقنة، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها، ويقمع ظلمها وينهى سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة و لا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر. و قد شاركتها في العجم، وذلك إن للروم أشعارا عجيبة قائمة الوزن و العروض فما الذي تفتخر به العرب على العجم فإنما هي كالذئاب العادية، و الوحوش النافرة، يأكل بعضها يعضا و يغير بعضها على بعض. فرجالها موثوقون في حَلَق الأسر. و نساؤها سبايا مردفات على حقائب الإبل، فإذا أدركهن الصريخ أتستنقذن بالعشي، و قد وطئن كما توطأ الطريق المهيع". إلى آخر ذلك من كلام.


وقد تعرض "السيد محمود شكري الألوسي" في كتابه "بلوغ الأرب"، لهذا الموضوع، فجاء بما اقتبسه منه، ثم جاء برأي "أبن قتيبة" على الشعوبية، في كتابه: "كتاب تفضيل العرب"، ثُم أنهاه ببيان رأيه في هذه الآراء و في رد "أبن قتيبة" عليها.


ولابن خلدون رأي معروف في العرب، خلاصته "إن العربي متوحش نهّاب سلاّب إذا أخضع مملكة أسرع أليها الخراب، يصعب انقياده لرئيس، لا يجيد صناعة ولا يحسن علماً ولا عنده استعداد للإجادة فيهما، سليم الطباع، مستعد للخير شجاع". وتجد آراءه هذه مدوّنة في مقدمته الشهيرة لكتابه العام في التاًريخ.


وقد رمى بعض المستشرقين العرب بالمادية وبصفات أخرى، فقال "أوليري": " إن العربي الذي يعد مثلاً أو نموذجاً، ماديّ، ينظر إلى الأشياء نظرة مادية وضيعة، ولا يقومها إلا بحسب ما تنتج من نفع، يتملك الطمع مشاعره، وليس لديه مجال للخيال ولا للعواطف، لا يميل كثيراً إلى دين، ولا يكترث بشيء إلا بقدر ما ينتجه من فائدة عملية، يملؤه الشعور بكرامته الشخصية حتى ليثور على كل شكل من أشكال السلطة، وحتى ليتوقع منه سيد قبيلته و قائده في الحروب الحسد والبغض والخيانة من أول يوم اختير للسيادة عليه ولو كان صديقاً حميم له من قبل، من أحسن أليه كان موضع نقمته، لأن الإحسان يثير فيه شعوراً بالخضوع وضعف المنزلة وأن عليه واجباً لمن أحسن.

يقول لامانس "إن العربي نموذج الديمقراطية"، ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها إلى حد بعيد، وإن ثورته على كل سلطة تحاول أن تحدد من حريته ولو كانت في مصلحته هي السر الذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء في تأريخ العرب، وجهل هذا السر هو الذي قاد الأوروبيين في أيامنا هذه إلى كثير من الأخطاء، وحملهم كثيراً من الضحايا كان يمكنهم الاستغناء عنها، وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيرهم في سبيل الحضارة الغربية، ويبلغ حب العربي لحريته مبلغاً كبيراً، حتى إذا حاولت أن تحدها أو تنقص من أطرافها هاج كأنه وحش في قفص، وثار ثورة جنونية لتحطيم أغلاله والعودة إلى حريته. ولكن العربي من ناحية أخرى مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدي واجبات الضيافة والمحالفة في الحروب كما يؤدي واجبات الصداقة مخلصاً في أدائها بحسب ما رسمه العرف... وعلى العموم، فالذي يظهر لي أن هذه الصفات والخصائص أقرب أن تعد صفات وخصائص لهذا الطور من النشوء الاجتماعي عامة من أن تعد صفات خاصة لشعب معين، حتى إذا قر العرب وعاشوا عيشة زرعية مثلاً، تعدلت هذه العقلية". ويوافق المستشرق "براون أولري" في رمي العرب بالمادية المفرطة. ورماهم "أوليري" أيضا بضعف الخيال وجمود العواطف.


أما "دوزي" فقد رأى أن بين العرب اختلافاً في العقلية وفي النفسية، وأن القحطانيين يختلفون في النفسية عن نفسية العدنانيين.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس