عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-06-2011, 12:23 AM   #129
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(124)
ومن خلال المقابلة بين هذا المدلول التراثي للنصين والمدلول الجديدالذي اسكتباه بعد تحويرهما تبرز المفارقة الأليمة :
وأقول :"اليوم خمر .. وغدًال .. " يا غرباء
اسكتوا يا غرباء
فوراء الثأر منا خطباء
ووراء الثأر منا حكماء
هكذا تتحول تلك العزيمة الباترة في عبارة امرئ القيس "وغدًا أمر "وذلك الوعيد الرهيب في بيت ابن أخت تأبط شرًا إلى هذه الرخاوة وذلك الضعف المتمثلين في الخب الخاوية الجوفاء ، والحكم العاجزة الكسيحة التي نعدها للثأر ، وتتم المفارقة عن طريق إبراز هذا التناقض بين المدلول التراثي للنصين والمدلول الجديد الذي اكتسباه بعد تحويرهما.
وشيبه بهذا ما صنعه الشاعر ممدوح عدوان في قصيدته "روي عن الخنساء" (107) حيث استدعى بيت الخنساء المشهور في إحدى قصائدها في رثاء صخر :
ولولا كثرة الباكين حولي
على قتلاهمو لقتلت نفسي
بكل ما يفيض به من معاني العزاء والتصبر بكثر ةالباكين ، فحور في هذا المعنى ليجعل بكاء الباكين عاملاً من عوامل مأساة الخنساء المعاصرة ، وبعدًا من أبعادها ، بعد أ، كان في مدلوله التراثي باعثًا من بواعث العزاء وعاملاً من عوامل التجلد ، يقول الشاعر :

ولولا كثرة الباكين حولي ما تعرت نسوة للفاتحين ضحى
ولا اهترأت سيوف الهند في بيتي
ولا قتلت قبيلتنا ابنها صخرا ، ولا عشنا بلا شمس ِ
ولا جاء الرجال إلى في أثواب نسوتهم ..لينسوني صدى ميتي

وهكذا يأخذ البكاء الباكين حول الخنساء ،بما كان يفيض به من معاني النبل والجلال والقدرة على بث العزاء في صدر الشاعرة ، معنى مناقضًا فيصبح رمزًا من رموز الخور والذلة والتهرب الجبان من مواجهة مسؤلية الثأر للشهداء ، وتتم المفارقة في وجدان المتلقي ووعيه بين المدلولين لتحدث هذه المفارقة ما يريد لها الشاعر أن تحدثه من أثر .
ولعله قد تبين من محاولة دراسة هذا التكنيك من تكنيكات القصيدة الحديثة مدى غنى وروعة ما يحاول الشاعر المعاصر أن يوفره لتجربته الشعرية من أدوات فنية لا حدود لقدرتها على الإيحاء والتصوير .

__________________
(107):ديوان الظل الأخضر ، منشورات وزارة الثقافة .دمشق 1976ص15
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس